طباعة هذه الصفحة

فيروس كورونا يكشف الوجه القبيح للنظام العالمي

من التباعد الاجتماعي إلى الانغلاق الأممي

حمزة محصول

هكذا هو المشهد بعد تفشي وباء كورونا في العالم: التشيك تسطو على شحنة كمامات ومعدات طبية أرسلتها الصين إلى ايطاليا ، الأخيرة تحت الصدمة من تخلي الحلفاء عنها، ترامب حاول شراء حصرية لقاح محتمل لمختبر ألماني للشعب الأمريكي فقط ،فيما تفوقت الصين على الوباء وتحاول إنقاذ ما تبقى من التضامن الدولي.
في أكتوبر 2019، عقدت سفيرة كوبا لدى الجزائر، «مارغاريتا بيليدو ساندل»، ندوة صحفية، أكدت فيها أن بلادها تكبدت خسارة اقتصادية ب 4.3 مليار دولار بين 2018 و2019، بسبب العقوبات الأمريكية المشددة والتي تشمل حتى المواد الصيدلانية الموجهة لعلاج مرض السرطان.
كوبا، هذه الجزيرة المحاصرة منذ عقود، هبّت لنجدة الصين، عندما بلغ تفشي وباء فيروس كورونا الجديد ذروته في مدينة ووهان، وحقق أحد أدويتها نتائج جيدة ساعدت المصابين على الشفاء.
وأرسلت كوبا، في الأيام الأخيرة، فريقا طبيا، إلى ايطاليا للمساعدة في محاربة الجائحة، قائلة: « التعاون مع الشعوب الأخرى في مواجهة كورونا هو أيضًا شكل من أشكال المساعدة لنا جميعاً، أطباؤنا هم أمثلة مشرّفة للتضامن».
وبعيدا عن الإيديولوجية، شنت الصين هجوما معاكسا على الوباء، في مختلف مناطق العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وأرسلت فرقا طبية ومعدات تنفّس اصطناعي وكمّامات وأجهزة التحاليل إلى عشرات الدول، وعلى رأسها إيطاليا التي انهارت تماما أمام الفيروس.
روسيا، هي الأخرى، أرسلت الأحد، 9 طائرات عسكرية، محمّلة بالمساعدات و100 أخصائي في علم الأوبئة، لمكافحة الفيروس الفتاك في ايطاليا، التي تحتل الصدارة العالمية في عدد الوفيات.
الاتحاد الأوروبي .. قصّة على الورق
 مطلع الشهر الجاري، تحولت إيطاليا إلى بؤرة  الغرب الرئيسية، لوباء كورونا، إذ تفشى بشكل متسارع ومخيف، ولم تحصد من نداءات الاستغاثة التي أطلقتها للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلا الخيبية.
خيبة ترجمها مواطنون إيطاليون على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر فيديوهات، ناقمة على الجيران والحلفاء في المجموعة الأوروبية، قائلين: «شكرا ألمانيا..شكرا فرنسا، لقد تخليتم عنا، ولم تعطونا أبسط الوسائل لمكافحة انتشار الفيروس».
الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، كان أشد السياسيين الرسميين سخطا على الإتحاد الأوروبي الذي تنتمي إليه بلاده، وقال في إحدى المؤتمرات الصحفية: «التضامن الأوروبي غير موجود ..لقد كان كل هذا قصة خرافية على الورق»، ليضيف « لدينا أمل في الطرف الوحيد الذي يستطيع مساعدتنا، هو جمهورية الصين الشعبية».
وأظهرت مقاطع فيديو، الرئيس الصربي، وهو يستقبل طاقما طبيا صينيا في المطار، أمام مدرج الطائرة ويقبل العلم الصيني.
وأمام الانغلاق الدولي في العالم الغربي، اتهمت ايطاليا، التشيك، بالسطو على شحنة من الكمامات والمعدات الصيدلانية أرسلتها الصين لروما عبر الأراضي الصربية، لم تنكر براغ التهمة، وزعمت أنها «صادرتها من أشخاص مهربين».
التباعد الأممي
هذه المشاهد، تلخص بشكل دقيق، كيف أن الاتحاد الأوروبي الذي تأسس سنة 1993، «شاخ» قبل الأوان، وصار مثل الفئات العمرية المتقدمة التي يفتك بها الفيروس، أكثر من غيرها.
لقد تخلت كثير من دوله عن مواطنيها في مختلف بلدان العالم، ولم تكلف نفسها عناء إجلائهم، وأوصدت الأبواب في وجه جيرانها غير مكترثة، والكل صار منكبا على نفسه، معتقدا أنه الطريق الأنسب للانتصار على الفيروس، بينما يقول العقل والمنطق، أن تكاثف التضامن الدولي مطلوب أكثر من أي وقت مضى للوصول إلى جودة صحية عالمية لا تستثني أحدا.
أمريكا، التي استشرفت كل هذه المحن العالمية وغيرها، من خلال أفلام هوليوود، عادت إلى عزلة ما قبل الحرب العالمية الأولى، ولا يأبه الرئيس الأمريكي أبدا بقصة «المنقذ» و» و»المخلص» للإنسانية من الشر.
لقد حاول الرئيس الأمريكي، السيطرة على لقاح لمخبر ألماني، قيل له أن السلاح الفتاك في وجه كورونا، وعرض على المختبر «مليار دولار»، مقابل حصرية مطلقة «للشعب الأمريكي فقط»، نعم الشعب الأمريكي، الذي يريد منه إعادة انتخابه لعهدة رئاسية ثانية شهر نوفمبر المقبل.
حولت هذا الدول، النصيحة الأساسية لمنظمة الصحة العالمية لمواجهة فيروس كورونا، المتعقلة بالتباعد الاجتماعي، إلى نسخة أكثر تطورا، وهي الانغلاق الأممي»، في وقت تتماثل درجة الخطر في كل أصقاع العالم .
 إعادة الصياغة
بعيدا عن نظريات المؤامرة وما إذا كان كورونا نتاج حرب بيولوجية بين كبار هذا العالم، استطاع الفيروس أن يميط اللثام عن وجه النظام العالمي  التي تقوده الرأسمالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لقد انكشف لشعوب المعمورة، أن قيم الرأسمالية التي سوق لها على أنها «الديمقراطية المطلقة»، و»الحريات الفردية والجماعية التي لا حدود لها» ما هي في الحقيقة إلا تشجيع وسعي دائم وراء الربحية على حساب الجودة المستدامة.
وإلا، ما الفرق بين دولتين متقدمتين مثل ايطاليا واسبانيا، مات مواطنوها على أبواب المستشفيات وعلى الأرض يفترشون معاطفهم، بسبب انهيار النظام الصحي في أول اختبار حقيقي يحاكي ما يسمى «طب الحرب»، وبين الدول الفقيرة في القارة الإفريقية التي كافحت فيروس إيبولا سنتي 2015 و2016 بوسائل ومعدات بسيطة.
دول القارة السمراء مثل ليبيريا، وجهت نداءات استغاثة للعالم، ودول متقدمة عضو في الاتحاد الأوروبي، تطلب الاستغاثة من العالم، ويشتكي أطباؤها من قلة الإمكانيات وأبسطها على غرار الكمامات والقفزات الطبية.
احتكار التكنولوجيا والمعرفة واللهث وراء الأموال لا يجعل الغرب  أحسن حالا من باقي شعوب العالم، فالذعر الذي يسكن قلوب ساكنة مدينة نيويورك الأمريكية هو نفسه لدى شعوب الدول الفقيرة في إفريقيا وآسيا وأوروبا.
لا شك أن العالم بعد إيبولا لن يكون مثلما كان قبله، ستتغير الكثير من القواعد التي كانت إلى وقت قريب من المسلمات، ولن تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها بقيادة العالم ولا الرأسمالية الصهيونية القائمة على بناء القوة الهجومية بالسباق المستدام عن التسلح وعن احتكار العلوم والتكنولوجيا وتطوير أجهزة التجسس لتحقيق خرافات أسطورية.
العالم بحاجة  الى إعادة صياغة، أساسها التساوي في المنظومات الصحية والاقتصادية، فقد أظهر فيروس لا يرى بالعين المجرد ،أن الجميع مهدد مهما كانت رقعته الجغرافية ومؤشرات النمو الاقتصادي السنوي.