طباعة هذه الصفحة

د. علــي مزيان بروجة لـ «الشعـب»

اتفاق «أوبك+ «فرصة لإعادة التوازن إلى سوق النفط العالمية

أجرت الحوار : إيمان كافي

تقف «الشعب» اليوم في حوارها مع الدكتور علي مزيان بروجة أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة تيسمسيلت عند أسباب الانهيار التاريخي  لأسعار النفط التي نزلت الى ما دون الصفر  ما اضطرّ البائعين  لأن يدفعوا للمشترين من أجل شرائها ،كما تبحث معه  مدى فعالية الاتفاق الذي وقعته دول «أوبك+ « التي تمثل 45% من حجم الإنتاج العالمي  لإعادة التوازن الى سوق الذهب الأسود، و أيضا  تداعيات تراجع مداخيل النفط  خاصة بالنسبة للدول التي تشكل هذه المداخيل مصدر الثروة الأساسية  .
 
الشعب: زلزال قوي ضرب سوق النفط العالمية فتخلخلت قواعدها إلى درجة أن أصبح برميل النفط يمنح ومعه نصيب من المال، هل لكم أن تعرّفوننا بما يجري في سوق النفط العالمية وهل سبب الهزة هو الوباء الذي يجتاح العالم أم حرب الأسعار بين المنتجين الكبار؟
د. على زيان بروجة: فعلا لقد شهدت أسواق النفط العالمية يوم الاثنين 20 أفريل الماضي سابقة تاريخية لم تحدث من قبل حيث انهارت أسعار النفط إلى قيم تحت الصفر محققة أدنى مستوى لها في التاريخ بتسجيل عقود خام غرب تكساس الأمريكي تسليم شهر ماي 2020 مع نهاية جلسات التداول في الأسواق الأسيوية الآجلة أسعارا تقدر بـ(37.63-) دولار للبرميل، ويعنى هذا أن البائعين الذين يمتلكون العقود يدفعون للمشترين من أجل شرائها ويعود التهاوي الحاد في أسعار النفط بالأسواق العالمية إلى عدة أسباب متداخلة فيما بينها أولها أن عقود شهر ماي تنتهي آجال استحقاقها يوم الثلاثاء 21 أفريل 2020 ووجب على مالكي العقود تسليم شحناتهم من النفط مما شكل عليهم ضغطا كبيراً ووجب عليهم بيع عقودهم مهما كانت الأسعار لأن معظمهم ليس لديه خبرة وقدرة في التعامل مع تخزين وشحن النفط وإن لم نقل لا يعرف شكله إطلاقا بالإضافة إلى ارتفاع حجم مخزونات الخام في ولاية أوكلاهوما الأمريكية ونفاذ القدرة الاستيعابية لها بنقطة التسليم الفعلي، أما الأسباب الأخرى والتي تعد أيضا مشاركة في تراجع أسعار النفط فتتمثل في انخفاض الطلب العالمي على النفط بأكثر من 30 مليون برميل يومياً نتيجة تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد  وأيضا ضعف هوامش التكرير التي ترافقت مع موسم الصيانة في منطقة أوروبا وآسيا والمحيط الهادي وكذلك انخفاض حدة التوترات السياسية في العالم خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
- اتفاق» أوبك +»، هل يمكنه أن يحقّق بعض التوازن أم أن الواقع يتجاوزه؟
 لقد وصل اتفاق «»أوبك+ « في الاجتماع الاستثنائي العاشر لوزراء الطاقة «مجموعة الـ20» برئاسة وزير الطاقة للمملكة العربية السعودية إلى خفض إنتاج تاريخي بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً لمدة شهرين ابتداء من 1 ماي 2020  ثم إلى 7.7 مليون برميل لمدة 6 أشهر، وابتداء من 1جانفي 2021 وإلى غاية 30 أفريل 2022 يخفض الإنتاج إلى 5.8 مليون برميل يوميا بحيث وجب على الدول الموافقة على الاتفاق أن تخفّض إنتاجها بنسبة 23% مع الأخذ بإنتاج أكتوبر 2018 أساسا مرجعيا ومحافظة المملكة العربية السعودية وروسيا على إنتاج 11 مليون برميل كأساس. وبالنظر إلى مخرجات هذا الاتفاق، وظروف سوق النفط العالمية الحالية، كل المؤشرات والتوقعات توحي إلى أنه لم يستطيع إعادة التوازن إلى سوق النفط خاصة في المدى القصير والدليل أسعار خامات النفط لتسليم شهر جوان عرفت تراجعاً رغم دخول اتفاق التخفيض حيز التنفيذ ويرجع هذا لحجم التخفيض غير الكافي حيث يمثل 10% فقط من حجم الطلب العالمي بينما يقدر حجم التراجع في سوق النفط بأكثر من 30% على الرغم من توقع تحسن هذا الطلب بداية من السداسي الثاني من هذه السنة وانخفاض حدة تفشي جائحة فيروس كورونا وتعافي الأسواق العالمية.
- المؤكد أن الدول التي تعتمد على النفط كمصدر دخل أساسي سوف تعاني من تداعيات انهيار أسعار الذهب الأسود، كيف لها أن تواجه هذه الأزمة ثم ما هي تداعيات انخفاض الأسعار على وضعها الداخلي، خاصة مع الكلفة الباهظة لمحاربة كوفيد 19؟
@@ الأكيد أن الدول التي تعتمد على النفط كمصدر للإيرادات ومن بينها الجزائر ستعاني في بلوغ توازناتها المالية خاصة في الظروف الحالية التي ترافقت مع توقف الإنتاج نتيجة تدابير الحجر الصحي الناجم عن وباء كورونا وتراجع مداخيل الجباية العادية والجباية البترولية مما وضع الدول التي تعتمد على المحروقات في مواجهة أزمة اقتصادية حادة وارتفاع تكلفة مواجهة الوباء الذي يتطلب تغطية خسائر مالية كبيرة. وفي ظل هذه المشكلة الاقتصادية، على هذه الدول أن تتخذ سياسات اقتصادية سواء مالية أو نقدية لتخفيف من حدة الأزمة منها حوكمة وترشيد النفقات العمومية وبالأخص ميزانية التجهيز وتأجيل المشاريع الاستثمارية غير الضرورية والبحث أيضا عن الآليات التي يمكن من خلالها ترشيد نفقات التسيير على الرغم من أن هذه الأخيرة لا يمكن المساس بها لأنها تتعلق بأجور العمال. كما يجب تقليص حجم الواردات في ظل تراجع عائداتها من صادرات المحروقات وإذا استمر الوضع لمدة طويلة يمكن أن تلجأ حكومات الدول إلى إصدار سندات دين لتمويل العجز أو التمويل الخارجي بطلب قروض من المؤسسات الاقتصادية الدولية.
- ما هي توقعاتكم بشأن سوق النفط وهل سنشهد استقرارا قريبا للأسعار؟
 دائماً ما تكون توقعات أسعار النفط في المستقبل نسبية لأنها ترتبط بالعديد من العوامل التي تحكم سوق النفط وتتصف بعدم الاستقرار والتغير، وبالنظر إلى الظروف الحالية، يمكن أن نتوقع عدة سيناريوهات، السيناريو الأول: استمرار جائحة كورونا لفترة طويلة تمتد لأكثر من سنة مع بقاء نفس العرض من النفط، هنا نتوقع أن أسعار النفط في العقود الآجلة لن تتجاوز في أحسن أحوالها 30 دولار للبرميل في ظل الركود الاقتصادي المرافق للأزمة الصحية واستنفاذ القدرة الاستيعابية لخزانات البترول في العالم وستضطر الدول المنتجة إلى رفع الإنتاج طوعيا ودون اتفاق مسبق.  أما السيناريو الثاني: وهو انحصار وباء كورونا مثلما هو متوقع مع بداية السداسي الثاني من هذه السنة وعودة النشاط الاقتصادي في دول العالم تدريجيا وخاصة الدول الصناعية والصين الأكثر طلباً للنفط، نتوقع في هذه الحالة التحسن التدريجي لأسعار النفط ويمكن أن تصل إلى حدود 50 دولار للبرميل في أواخر هذه السنة شريطة أن تلتزم دول أوبك+ بالاتفاق الموقع سابقاً بخفض الإنتاج وأيضا دول أخرى من خارج «أوبك +»