طباعة هذه الصفحة

الأستـاذ ياسـين سعيـدي لـ «الشعـب»:

لا حـلّ أحاديّا في ليبيــا... التّسويـــة يصنعهـا التوافـــــق

أجرت الحوار: إيمان كافي

 إجهـاض تعيين مبعـوث أممـي جديـد يعيـد الأزمـة إلى المربّـع الأول

لازالت الساحة الدولية تعيش على وقع الصدمة بعد إعلان المشير خليفة حفتر، قبل أيام، إسقاط اتفاق السلام الأممي وتنصيب نفسه حاكما على ليبيا بتفويض شعبي، كما قال. حيث وفي الوقت الذي أدان العالم أجمع خرق حفتر الاتفاق السياسي، يبقى التساؤل مطروحا حول مآل الأزمة الليبية في ظل هذه المستجدات الخطيرة وفي هذا الظرف بالتحديد، الذي ينشغل فيه العالم بمحاربة كورونا.
من هذا المنطلق، تناقش «الشعب» تطورات ملف الأزمة في ليبيا مع السيد ياسين سعيدي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد طاهري ببشار.
الشعب: يشهد الوضع في ليبيا مستجدات خطيرة، خاصة بعد نسف المشير خليفة حفتر اتفاق السلام الأممي الموقع عام 2015 وإعلان نفسه حاكما للبلاد بتفويض شعبي، كما قال. ماذا يجري تحديدا في الجارة الشرقية؟
 ياسين سعيدي: أظن أن ما يجري اليوم في ليبيا له أسباب سياسية ودلالات ميدانية، فخرق حفتر لاتفاق السلام ليس جديدا فقد فعلها في ديسمبر 2017، استنادا إلى عمر الاتفاق، بحسبه، المحدد بـ18 شهرا والممدد في أكثر من مرة. لكن الجديد هو تنصيب نفسه حاكما لليبيا في هذا الظرف. والغريب، أن الرجل لم يحقق مكاسب جديدة حتى لتبرير موقفه. أظن الذي حدث سياسيا هو مبادرة رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، الذي يعتبر هو ذاته القائد الأعلى للجيش الليبي، والذي يستمد منه خليفة حفتر نفسه شرعيته العسكرية، حيث أعلن صالح عن مشروع سياسي لإعادة هيكلة السلطة التنفيذية في الأقاليم الثلاثة وهذا الأمر سيسمح لصالح بالدخول في محادثات مع أطراف في العاصمة طرابلس والمجتمع الدولي، مما يثير عدم الارتياح لدى حفتر. أما الدلالات الميدانية لذلك يجيب عنها فشل حفتر في دخول واختراق العاصمة طرابلس التي كان يعتبرها آخر مواقع النصر وأول معاقل انطلاق حكمه الشامل لليبيا، يأتي هذا دائما في ظل الفراغ الذي خلفه تأخر أو إجهاض - إن صح التعبير- تعيين مبعوث أممي جديد لليبيا.

ما تعليقكم على خطوة حفتر ومدى تأثيرها على جهود التسوية السياسية؟
مبدئيا، خطوة حفتر هذه هي نسف لكل جهود التسوية التي بذلها المجتمع الدولي على اعتبار أن كل لقاءات التفاوض ومواقف الدول رغم تموقعها تقر صراحة بأن لا حل أحادي الطرف في ليبيا، وهذا ليس نابعا من مواقف سياسية أو إرادة دولية فقط وإنما حتى وقائع الميدان تعكس ذلك، فحفتر غامر بهذا الإعلان وأعتقد أن مستجدات الوضع الليبي ستضعف من موقفه هذا، وحتى من قدرته مستقبلا على لعب دور مهم في العملية السياسية في ليبيا.

- ألا تعتقدون بأن خطوة المشير لها علاقة بهزائمه الميدانية المتتالية أمام عملية «بركان الغضب» لحكومة الوفاق الوطني؟
 حفتر وحلفاؤه كانوا يراهنون على الحسم العسكري منذ البداية، وفرض منطق المتغلب. لكن فشل دخوله طرابلس التي أعلن عليها الهجوم قبل سنة، في ظل معارك الكر والفر، قد أخلط حساباته وأنهك قوات الرجل، خاصة في ظل خسائره في الساحل الغربي، والتقدم الميداني الذي بدأت تحققه قوات طرابلس، الرجل تعرض لخيبة أمل واستنزاف، لذا هو أراد حرق المراحل ببوادر انتفاء الحل العسكري الذي راهن عليه كثيرا وأراد تقديم نفسه من خلاله للمجتمع الدولي بوضع المتحكم، لكن صمود قوات طرابلس قد أجهض الحسم السريع للرجل وجعل قواته وحلفائه أمام وضع استنزاف حقيقي.

- العالم أجمع أدان تراجع حفتر عن الاتفاق السياسي، هل ستبقى الإدانة مجرّد تصريحات أم هناك إجراءات ستتخذها المجموعة الدولية المشغولة بمحاربة كورونا؟
 تصرف المشير حفتر وضع المجتمع الدولي أمام حرج ورهان حقيقي، أمريكا وروسيا وألمانيا والجزائر أعلنت رفضها لهذا التصرف. يبدو أن المجتمع الدولي ظل في جميع خطواته تجاه الأزمة الليبية محافظا على هذا السقف الذي يعد أساس الحل من خلال إشراك كل أطراف النزاع. أكيد ستكون هناك خطوات لمواجهة هذا الوضع الجديد، لكن دعيني أقول لك بأن الأمر كذلك سيبقى رهين المستجدات الميدانية وما سيحققه كل طرف إذا استمر القتال لأيام، رغم إعلان حفتر عن هدنة أحادية الجانب.

هناك جهات تتعمّد عرقلة جهود الجزائر السّلمية

-  الجزائر ترفض كل ما من شأنه عرقلة الحل السياسي في ليبيا، فما المتوقع منها لمساعدة الأشقاء هناك على الجنوح للسلام؟
 موقف الجزائر ظل مستقيما وواضحا في هذه الأزمة، وهو ليس موقف خاص بأزمة الأخوة الليبيين فقط، بل ثابت تجاه كل القضايا النزاعية. أعتقد أن رئيس الدبلوماسية الجزائرية كان واضحا في رده على سؤال في لقاء صحفي، نهاية الأسبوع، حين عبّر لدواع إنسانية أولا عن أسفه للانزلاقات الخطيرة التي حدثت مؤخرا، وقال «لن نتخلى عن ليبيا، فالجزائر مع ليبيا ونحن في رمضان وأشقاؤنا يتقاتلون، ولا واحد يسعى لمعالجة وباء كورونا في ليبيا». وأكد أن الجزائر لا تتصور حلا خارج الشرعية الشعبية وبمشاركة جميع الأطراف، وقد قدمت الجزائر خطة للحل من خلال اقتراحها إنشاء مجلس أعلى يجمع الفرقاء وتنبثق عنه حكومة توافق لإطلاق العملية السياسية في ليبيا، مشيرا إلى أن كل القبائل والفصائل الليبية قبلت الحل الجزائري.
إذن، الجديد اليوم، هو أن الجزائر تملك حلا للأزمة الليبية ولها تجارب سابقة في هكذا أزمات ورغم سعي بعض الأطراف الخارجية لإجهاضه، فإن دبلوماسية الجزائر الهادئة لن ترضى بأي حل على حساب الأشقاء الليبيين ولن تقبل أي مبادرة تستثني أهميتها الإقليمية وأن الجزائر اليوم أصبحت تملك مفتاح موقف مشترك تدعمه أطراف إقليمية كإيطاليا والاتحاد الإفريقي.

- في كلمة أخيرة إلى أين تتجه ليبيا؟
 أعتقد أن تسارع الأحداث في ليبيا يجعلنا في كل مرة نعيد النظر في واقعية الحلول المطروحة وإرادة أطراف الداخل وقوى الخارج في الحل، السرعة القصوى التي سارت بها الدبلوماسية الجزائرية في التأكيد على قدرة الليبيين على التوافق أكدت مرة أخرى عن أن هناك إرادة داخلية تجهضها وتتحكم فيها أطراف خارجية، لها مصالح جيو اقتصادية في المنطقة ككل، أتمنى أن لا تكون هذه الخطوة إيذانا ببداية تقسيم ليبيا فقط، مثلما يحاولون في مناطق أخرى، الليبيون واعون جدا بخطورة الوضع والمرحلة، أما هدنة حفتر فلها لازمة نسفها وهي إعلانه قيادة ليبيا هذا الأمر وحده يفشل الجهود السلمية فما بالك بجهود إيقاف القتال.