طباعة هذه الصفحة

الدكتور حوسين بلخيرات لـ«الشعب»:

لا تسوية للأزمة الليبية قبل تحريرها من التكالب الخارجي

أجرت الحوار :إيمان كافي

 الأمن الإقليمي يهدده التصعيد العسكري

تعود «الشعب» مرّة أخرى لمتابعة الملف الليبي  والوقوف على  المستجدات الميدانية الخطيرة  الناتجة عن التّصعيد العسكري  الذي استمرّ طول الشهر الفضيل  يحصد مزيدا من القتلى برغم النداءات الدولية التي  كانت و لازالت تناشد الفرقاء هناك وقف الاقتتال على الأقل من أجل التركيز على محاربة وباء كورونا .
« الشعب» ستحاول   من خلال حوارها مع الدكتور حوسين بلخيرات أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجلفة ، قراءة  تطورات الوضع الميداني  على ضوء التقدّم الذي تحقّقه  قوات حكومة الوفاق على حساب مقاتلي حفتر ،  و ستسعى   معه للبحث  عن  آفاق هذه الأزمة التي عادت الى المربّع الأول بعد أن أجهضت التدخلات الخارجية كلّ مبادرات الحلّ.

- الشعب: كيف تقيمون الوضع في ليبيا على ضوء المستجدات الميدانية؟
 د. حوسين بلخيرات: تطورات الوضع الميداني تشير إلى جزئيتين أساسيتين، أما الأولى فهو استمرار الرهان على الخيار العسكري، خاصة بعد إعادة تحفيز المشهد العسكري عبر التقدم الذي حققته قوات حكومة الوفاق الوطني وتحديدا ما يتعلق بسيطرتها على قاعدة الوطية الجوية التي ستستغل على الأرجح كمنشأة لوجستية لاستكمال المعارك العسكرية وهو ما يعني أن الرهان على الخيار العسكري سيستمر في المرحلة المقبلة، والجزئية الثانية هو إثبات عدم احترام الأطراف الخارجية للقرارات الأممية ومخرجات المؤتمرات الدولية المتعلقة بحظر توريد السلاح، خاصة بعد الكشف عن نوعية التسلح المستخدم في المعارك عبر وسائل الإعلام، ويتأثر كل ذلك بتعثر السبل التي تسمح بتطبيق تلك القرارات خاصة عبر جهود منظمة الأمم المتحدة.   
- ما هي انعكاسات التطورات الاخيرة على  مسار التسوية  السياسية؟
 واضح أن هذا التقدم واستعادة زمام المبادرة العسكرية من طرف قوات حكومة  الوفاق الوطني قد ارتبط بالاستعانة بتحالفات عسكرية خارجية، والمؤشر الأساسي في ذلك هو «نوعية السلاح» المستخدم من طرف هذه القوات في المعارك الدائرة حاليا، حيث لعبت الطائرات المسيرة بدون طيار دورا رئيسيا في قلب المشهد العسكري، لكن تبقى التطورات الميدانية  مرتبطة بعدة عوامل، أولها مدى إدراك تأثير الصراع العسكري في المرحلة المقبلة على التواجد السكاني لأن مساحة المعارك في المرحلة المقبلة ستتم بالضرورة في مدن كبرى مأهولة بالسكان وهو ما يؤثر على إدارة المعارك، وثانيها طبيعة الرهان على التطورات العسكرية الأخيرة من حيث اعتبارها خيارا نهائيا لحسم الأزمة أم مجرد تعديل لموازين القوى بالشكل الذي يسمح بالعودة إلى مسار التفاوض، وثالثها حجم الضغوط التي يمكن أن تمارسها القوى الخارجية في اتجاه دعم أو توقيف الخيار العسكري.
- يدور حديث عن أن الصراع في ليبيا تحركه قوى خارجية ؟
 الطرفان الأساسيان في الصراع  الليبي أصبحا مرتبطين بشكل مباشر بمحورين إقليميين متنافسين في أكثر من دولة، بالشكل الذي أدى إلى «أقلمة» الصراع الليبي من حيث أن المستوى الإقليمي أصبح هو المستوى الرئيس الذي تتفاعل فيه الأزمة، ويترجم ذلك في شكل صراع إقليمي مفضوح على النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي في الدولة الليبية بين مجموعة الدول التي تشكل أطرافا في تلك المحاور الإقليمية بغض النظر عن المبررات «الأخلاقية» التي يتم تسويقها  للتغطية على صراع على النفوذ، ولذلك أي تسوية جادة للأزمة الليبية يجب أن ترتبط بتحرير هذه الأزمة من مصالح هذه الأطراف الخارجية، فالسياسات الإقليمية لهذه المحاور فيها من التناقض ما يجعلها تؤثر بشكل سلبي على أي تسوية صلبة لهذه الأزمة، الأكثر من ذلك أننا شهدنا إعادة اهتمام مباشر من طرف حلف الشمال الأطلسي بالمسألة الليبية وتفاعل روسي مقابل مع ذلك وهذا يفتح المجال للتخوف من انتقال تفاعل الأزمة من المستوى الإقليمي إلى المستوى الدولي.
وهنا تجدر الإشارة إلى منطق التحالفات في العالم الراهن قد انتقل من منطق «التضامن» إلى منطق «المساومة»، فأي استدعاء من طرف جهات داخلية لأي أزمة لتحالفات عسكرية خارجية أصبح يرتبط بمنطق المساومة التي تؤثر بشكل مباشر على مسألة سيادة الدولة، وهو الخطر الأساسي الذي يجب أن ينتبه إليه الليبيون.    
- الوضع في البلد الجار مقلق ، والجزائر لم تتوقف عن الدعوة الى خيار التهدئة والحل السياسي؟
 عدم الاستقرار الأمني في ليبيا يفرض ضغوطا على الأمن الإقليمي برمته، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأطراف التي تراهن على استبعاد الجزائر من أي تسوية للأزمة الليبية أو توجيهها في اتجاه معين، تراهن على خيار خاطئ لأن الدبلوماسية الجزائرية من منطلق المصلحة القومية ومبدأ حسن الجوار لا يمكن أن تسمح بذلك، ما يحسب للدبلوماسية الجزائرية إلى غاية الآن هو التفعيل الدائم للبعد الإنساني اتجاه الأزمة الليبية لأن العلاقات التاريخية بين الشعبين الجزائري والليبي ومبدأ حسن الجوار هما محددين أساسيين في صنع الموقف الجزائري اتجاه هذه الأزمة، لكن تكثيف المبادرات الدبلوماسية يبقى أيضا مسألة في غاية الأهمية بالنسبة للجزائر، وهنا يجدر التنويه إلى أن تسوية الأزمة الليبية أصبحت تحتاج إلى ديناميكية جديدة ترتكز على ثلاث عناصر: عدم ربط التسوية بتوافق الطرفين الرئيسين بشكل «حصري» لأن كل مبادرات التسوية السابقة راهنت على هذا وتوجت بالفشل في ظل أزمة ثقة عميقة بين الطرفين وفي ظل ارتباطهما بأجندات إقليمية متنافسة، والثاني هو ضرورة ربط التسوية بأساس صلب للشرعية وهي الشرعية الشعبية لأن كل محاولات حسم إشكالية الشرعية إلى غاية الآن اصطدمت بمشكلات فرعية عديدة تخضع لتصورات كل طرف، والثالث أن تتبنى الأطراف الأجنبية منطق «المرافقة» بدل منطق التدخل.
- كيف تتصورون تطورات الأزمة في ظل التصعيد؟
 بغض النظر عن طبيعة إدراك الأطراف المتصارعة لطبيعة وحجم الرهان على الخيار العسكري، فإن هذا الخيار لا يمكن أن يكون مصدرا لتسوية هذه الأزمة، خصوصا وأن الأزمة الليبية أصبحت ترتبط بالأبعاد الجيوسياسية التي لاحظنا مدى تأثيرها في اتجاه عسكرة أزمات داخلية أخرى، وهو ما يفتح باب التخوف لتدخلات عسكرية خارجية أكثر حدة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون في مصلحة الاستقرار الإقليمي والدولي.