طباعة هذه الصفحة

البروفيسور عبد اللطيف بوروبي وأزمة سدّ النهضة

لا بدّ من وثيقة قانونية تحفظ الحقوق المائية لدول حوض النيل

حاورته : فضيلة دفوس

 مكاسب اقتصادية هائلة لإثيوبيا وخسائر فادحة لمصر

تقف « الشعب» مع البروفيسور عبد اللطيف بوروبي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قسنطينة عند أزمة سدّ النهضة الذي يعتبر أكبر سدّ كهرومائي في القارة الإفريقية والعاشر عالميًا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء.
البروفيسور بوروبي يقول أن الأزمة التي خلقها السدّ، تعود إلى مخاوف الدول المتشاطئة للنيل من حرمانها من الماء، ويعتقد بأنّه لابدّ من حلّ قانوني للخلاف وذلك عبر وثيقة تحفظ الحقوق المائية لكل دول حوض النيل على حدّ سواء .


-  « الشعب» يبدو أنّ سدّ النهضة الذي أكملت إثيوبيا بناءه، ماض إلى خلق أزمة حقيقية بين دول حوض النيل، ما تعريفكم لهذا السدّ و أهميته، ولماذا يشكل أزمة ؟
   البروفيسور عبد اللطيف بوروبي: تبرز عدة عوامل ومتغيرات في تحديد أهمية سدّ النهضة الإثيوبي، وفي تفسير طبيعة النزاع على المياه التي تعرفها عدة مناطق من العالم . بالنسبة للأزمة بين إثيوبيا ومصر والسودان فالنزاع يأخذ شكلين، الأول متعلّق بطبيعة السّد في حد ذاته، والثاني بكيفية توزيع مياه النيل بين الدول المتشاطئة له.
يرتبط العامل المحدد في هذا النزاع بالموقع الجغرافي، كون السدّ الذي بدأت إثيوبيا بناءه سنة 2011 بتكلفة إنتاج تقدّر بـ 4.8 مليار دولار أمريكي لغرض توليد الطاقة الكهرومائية، يقع على النيل الأزرق بالقرب من الحدود الإثيوبية-السودانية وتحديدا على مسافة تتراوح بين 20 و40 كيلومترا، كما يرتبط بحجمه، فهو بطاقة استيعابية تقدّر بـ 74 مليار متر مكعّب ما يجعله أكبر سدّ  كهرومائي في القارة الإفريقية،والعاشر عالميًا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء.
  الأزمة التي خلقها السدّ الذي سيتغذى بمياه يتشاركها أكثر من 275 مليون شخص، نابعة من اختلاف الرؤى بين دولة المنبع والمصب، فإثيوبيا تريد فرض أمر واقع  قد يشكل خطرا على مصر والسودان، و تصرّ على إدارة الخلاف بنظرة براغماتية تحرّكها مصالحها بعيدا عن المقاربة القانونية المفروض أن تدير مياه النيل.
- إذا كانت إثيوبيا ستستفيد من هذا الإنجاز التاريخي، هناك حتما دول سينعكس عليها السدّ بالسّلب، من هي هذه الدول، وكيف سيكون شكل الضرر ومستواه؟
 تبرز الإشكالية في المقاربة الميثاقية وغير الميثاقية في أهداف المفاوضات و المرتبطة بكون مصر والسودان، ترغبان في التوصل إلى وثيقة قانونية ملزمة، تنظّم ملء وتشغيل سد النهضة وتحفظ حقوقهما، لكن إثيوبيا تأمل في أن يتم التوقيع على ورقة غير ملزمة، تقوم بموجبها دولتا المصّب بالتخلي عن حقوقهما المائية والاعتراف لأديس أبابا بحق غير مشروط في استخدام مياه النيل الأزرق بشكل أحادي وبملء وتشغيل سد النهضة وفق رؤيتها المنفردة، وهنا تبرز البراغماتية في النظرة الإثيوبية للأزمة وفق مقاربة مرنة تطوعية غير ميثاقية وغير ملزمة تجاوز الحلول القانونية والتحليل وفق الأمر الواقع.
- من المفروض أن مثل هذا المشروع يتمّ بتوافق مع بلدان حوض النيل، فهل استشارت أديس بابا البلدان التي تشاركها النهر قبل بناء السدّ، ثمّ لماذا فشلت المفاوضات والوساطة الأمريكية في إيجاد أرضية تفاهم تجعل الكلّ راض ومستفيد من السد العملاق؟
 أدّى النزاع حول كيفية توزيع مياه النيل ومن بعد الأهمية الإستراتيجية للسدّ إلى مضاعفة المشاكل، فالسدّ هو مرحلة من مراحل تطور النزاع حول كيفية توزيع مياه النيل بين إثيوبيا ومصر والسودان وليس مرحلة الحل.
 ومعلوم أنه على مرّ المراحل التاريخية، من مرحلة الاستعمار الى الاستقلال عقدت عدّة اتفاقيات لتقسيم مياه أطول نهر في العالم، الأولى عام 1902، ثم توقيع اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا عام 1906، وظهرت عام 1929 اتفاقية تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، ونصّت على أن لمصر الحق في الاعتراض في حالة إنشاء الدول الأخرى مشروعات جديدة على النهر وروافده، هذا وتعتمد مصر على نهر النيل للحصول على قرابة 90 في المائة من احتياجاتها من المياه، وتخشى أن يؤدي السدّ إلى تراجع حصتها من مياه النهر، ومن ثم تعرّضها لأزمة عطش.
- ما هي تحديدا استفادة إثيوبيا من السدّ، وما الخسائر التي يمكن أن يسبّبها للدول الأخرى؟
 لسدّ النهضة أهمّية كبيرة بالنسبة لإثيوبيا، فهو مشروع تنموي بآفاق اقتصادية واجتماعية وبأهداف سياسية لأنّه مرتبط بأمنها القومي والمائي،  فبفضله تتمكّن من تقليل الفيضانات وتخزين وتوزيع المياه ومواجهة الجفاف، كما أنّه يشكّل استثمارا مربحا، كونه ينتج الطاقة الكهرومائية ويفتح الآفاق نحو الاستثمارات الخارجية ويعود على خزينة أديس أبابا بمداخيل كبيرة.
وطبعا استفادة إثيوبيا من السدّ يقابله خسارة الأطراف الأخرى،فالمعادلة صفرية ولا يمكن أن يكون هنالك حل إلا وفق توجه أن يكون تنازل دون مساومة. فبالنسبة لإثيوبيا المكاسب مطلقة عكس مصر والسودان فهي نسبية إن لم نقل هي خسارة.
- الأكيد أن سدّ النهضة هو إنجاز ضخم كلّف مبالغ باهظة، فمن أين موّلت إثيوبيا هذا الإنجاز، وهل هناك شريك أو شركاء؟
 قدرت إثيوبيا تكلفة بناء سدّ النهضة بحوالي 4.8 مليار دولار، وقد كان التمويل مشتركا بين الحكومة بـ 3 مليارات دولار أمريكي تقريبا وبمساهمة من الإثيوبيين في الداخل والخارج عبر سندات، بالإضافة إلى التوربينات والمعدات الكهربائية المرتبطة بمحطات الطاقة الكهرومائية التي تكلّف حوالي 1.8 مليار دولار أمريكي. ويقال إن التمويل سيتم من قِبِل البنوك الصينية، أما الانجاز فهو ايطالي بمواد وخرسانة إثيوبية محلية.
الاعتماد على التواجد الصيني في شرق إفريقيا والتنافس على مناطق النفوذ، جعل من التقارب الإثيوبي الصيني دافعا في خيارات وتوجهات أديس أبابا كونها تدرك حجم التقارب الأمريكي مع كل من مصر والسودان في التوجهات الإستراتيجية في المنطقة.
- هل تعتقدون أنّه بالإمكان التوصّل إلى اتّفاق بين إثيوبيا ومصر  التي تعتبر نفسها الخاسر الأكبر ؟
 التأثير على السودان ومصر غير معروف ومحدد استراتيجيا، لكن مصر ستتأثر حتما من عملية التبخر الناتجة عن ملء الخزان الذي يمكن أن يُفقد من 11 إلى 19مليار متر مكعب من المياه سنوياً وتراجع إمدادات الكهرباء بنسبة 25 % إلى 40 %، هذا من الجانب التنموي الاقتصادي والاجتماعي والذي سيظهر أكثر في ظل الواقع التنموي المصري والسوداني المتراجع، منذ سنوات، مما يجعل من الموقع التفاوضي لإثيوبيا أكبر وإن أي حل لا يكون إلا بقبولها بالمقاربة الميثاقية للاتفاقية بين الدولة المعنية بمياه النيل .
- قرأنا كثيرا عن حروب المياه، ونحن اليوم نقف أمام توتّر يتصاعد بسبب سدّ النهضة، فإلى أي حدّ يمكن أن يصل سقف هذا التوتر ؟
 أنشأت مصر وإثيوبيا و السودان عدّة لجان من الخبراء لمراجعة وتقييم تقارير دراسة السد ولكنها لم تنجح، وما توجه مصر إلى مجلس الأمن إلا خوفا من مخاطر نشوب نزاع من منطلق أن طبيعة هذا الخلاف لا تحتمل غير حل واحد يكون دبلوماسيا.
لكن إذا كانت مصر والسودان تعتمدان على التفاوض لتجاوز الأزمة، فالعكس بالنّسبة لإثيوبيا التي تعتبر أن المساومة هي الأصل والتفاوض استثناء. من منطلق أنها الأقوى في التفاوض حول كيفية اقتسام مياه النيل.