طباعة هذه الصفحة

مستنقع السّاحل ومبرّرات الحرب

حمزة محصول

المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وتنص على “الحق في الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي في حالة ما تعرض عضو في الأمم المتحدة لعدوان مسلح”، وقالت إن هدفها الوحيد من هذا التدخل هو مكافحة الإرهاب.
لقد أخطأ كل من اعتقد أن بين الرئيس الاشتراكي الحالي فرنسوا هولاند وسابقه اليميني نيكولا ساركوزي، اختلاف في تصور السياسية الخارجية للجمهورية الفرنسية، فقد تمّ تحديثها منذ أكثر من 5 سنوات، واستقر واضعوها على ضرورة الانتقال من دور الملاحظ وصاحب الرأي السلس تجاه مختلف القضايا، إلى الفاعل والأمر على المستوى الإقليمي الذي يدخل ضمن خارطة أمنها القومي الممتدة على طول الحوض المتوسط والساحل والمستعمرات القديمة في إفريقيا، وما كانت عودتها إلى الحلف الأطلسي إلا للعب هذا الدور من منطق أقوى يضمن التفاف أكبر عدد من الحلفاء، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تبد أي امتعاض من الضربات الجوية التي تنفذها طائرات “الميراج” منذ الجمعة الماضي وسط مالي، بل عبرت عن استعدادها لتقديم دعم لوجيستي بطائرات الاستطلاع “الدرون”، بعد أن توصلا إلى اتفاق بتقسيم الحصص من الثروات، وفقا للدور التقليدي ورد الجميل.
فرنسا دعمت وساندت أمريكا، في الشرق الأوسط ودافعت عن مصالحها في افغانيستان والعراق لبسط السيطرة والهيمنة على البلدان العربية والإسلامية، ومن منطق ضرورات السياسية المصلحية المتبادلة، أن تترك الإدارة الأمريكية لفرنسا حرية اللعب في فنائها الإقليمي والاستراتيجي، شرط الحفاظ الركائز الأساسية، التي تقوم عليها سياستها في الشرق الأوسط الكبير وإفريقيا.
وكان من الواضح إعلان فرنسا الحرب على الجماعات الإرهابية في مالي، أنه محضر مسبقا، وانتظر فقط تجاوز “سوء التفاهم” الذي حصل مع الولايات المتحدة،  لتمرير القرار، في شكل مقاربة شاملة حاملة لرقم 2085، كي تمنح الضوء الأخضر من مجلس الأمن مانح شرعية إشعال مناطق التوتر الحساسة، أضيف له نداء الاستغاثة الذي قام له مع الرئيس الانتقالي المالي ديونكوندا تراوري.
من جهة أخرى، اتضح أن الجماعات الإرهابية عملت ما بوسعها لإشعال هذه الحرب، كيف لا وأن حديثها عن انتصارها في الساحل على فرنسا والقوات الأجنبية كما فعلت من قبل في افغانيستان والصومال، مثير للسخرية، فأي انتصار هذا الذي حوّل افغانيستان إلى مشتلة للتطرف والسيارات المفخخة وسقوط الضحايا بالمئات يوميا، وأدى إلى تدمير كل البنى التحتية والاجتماعية والاقتصادية، كما أصبحت ثكنة لتدريب المتعصبين المتاجرين بالدين، تحركهم أصابع المخابرات الغربية، وتلقي بهم فوق أبار النفط، كي تكون مطية للتدخل والعبث بالأمن وتقدم الشعوب، أما التغني بانتصار في الصومال، فهو ضرب من الجهل الأكبر والاستهزاء بالصوماليين الذين تلفح أجسادهم سياط الجوع والمجاعة، ولم هذه الدولة في حدودها الموروثة عن الاستعمار، وفي العراق واليمن أمثل وعبر أخرى.
 ها قد أشعل برميل المتفجرات في الساحل الإفريقي إذا، بعد أن تم حشوه جيدا، وجمعت تحت الحطب الكافي لإضرام النار فيه وتفجيره، والأكيد أن الجماعات الإرهابية المتاجرة بالدين الحنيف، هي أهم شرط يجب توفره لتنفيذ هذه الأجندة، لأنها مبرر للتواجد العسكري  الأجنبي، الذي يبرر به الإرهاب حربهم، ومن ثم البقاء في دائرة مستنزفة لقوى دول الجوار.
تعاملت فرنسا مع الحرب بالحرب التي لم تكن يوما حلا مناسبا للنزاعات، لكن عمى المصالح دفعها للغوص في مستنقع سيكون الخروج منه باهض الثمن.