طباعة هذه الصفحة

تداعيات الأزمة السورية

بين المصالح السياسية والحسابات العسكرية

جمال أوكيلي

أفرزت تفجيرات باريس تداعيات سياسية وعسكرية خطيرة جدّا تجاه كيفية محاربة داعش، هل يتم ذلك فرادى أم جماعات باسم ما يعرف “بالتحالف الجديد”؟ إنه التفاعل الذي يلاحظ في المشهد الذي أخرجه روس، والفرنسيون، والأمريكيون وهناك محاولات لجر ألمانيا وبريطانيا. يبقى فقط خيار العمل البري بعيد المنال لدى البعض لكن احتمال الذهاب إليه من خلال عمليات سرية لفرق كوماندوس تنتظر إشارة عملها سواء أكانت روسية أو أمريكية وحتى مشتركة فمذا يعني وصول ٥٠ضابطا أمريكيا إلى الحدود التركية ـ السورية ..هل صحيح لتدريب عناصر المعارضة؟ لا نعتقد ذلك لأن الظرف المعقّد الراهن ليس بتاتا للتدريب بقدر ما أن الجميع في حالة حرب.
الحدث الفاصل والحاسم في تسلسل هذه المجريات هو إسقاط الطائرة الروسية الذي كان منعطفا خاصا عزّز الوجود الروسي في استمرارية توليه صدارة الأحداث في سوريا.
والقراءة الأكثر عمقا هي التي تُبنى على معادلة تحديد الأطراف بدقّة في هذا الصّراع، روسيا، تركيا، الولايات المتحدة، أما فرنسا فهي تتحرّك على أساس رد فعل ومشكلتها ليست في سوريا بقدر ما هي في باريس أي حماية أمنها القومي ليس بالطريقة الأمريكية، وتعهد هولاند بتدمير داعش يبقى كلاما غير واقعي ويحتاج إلى الكثير من الوقت لإنجازه، لأنه حتى الآن لم يلحق الأذى بقيادات داعش التي ما تزال تخاطب هؤلاء الغربيين وتتواصل معهم بطريقتها.
وتريد روسيا أن تحمل لواء تدمير داعش وهذا من خلال الإكثار من القصف المكثّف، الذي لم يبلغ الأهداف المتوخاة منه كونه ما زال متواصلا، وهذا يعني ضمنيا بأن ما هو مستهدف خارج حسابات العسكريين الروس.. ففي كل مرّة يضرب مكان معيّن لم يدرج من قبل، لكن مع سقوط الطائرة تحوّل الأمر إلى الانتقام من تركيا التي طالبتهم بالتوقف عن مهاجمة التركمان. هي ضغوط غير مباشرة على القيادة التركية قصد التنازل عن مواقفها تجاه سيرورة الأحداث. والقبضة الحديدية هي الآن بين روسيا وتركيا ليس على الصعيد السياسي، ولكن في الميدان ممكن أن تكون هناك بوادر التقارب بين البلدين، ومؤشرات أولية لمنع التصعيد، لكن أردوغان وجّه رسالة قوية مفادها أنه استبدل الإعتذار بالتأسف، وهذا ما زاد من غيض الروس وقلقهم تجاه الإستفزاز التكري، ومن جهة أخرى فإن الأتراك أرادوا القول للبعض بأن حساباتهم محدودة جدا لا تتعدى إطارا معينا ما لم يشركوا فيها الأتراك. وأن المجال الحيوي الذي يتحركون فيه سيكون مؤقتا لأن ما يسعون إليه هو إسقاط الأسد في حين تعمل روسيا عكس ذلك وهذا التضارب في المواقف سيظهر في الواقع أكثر فأكثر. وهذا هو عين الإشكال كل الإشكال ولن تسمح تركيا لروسيا بأن تصول وتجول في سماء سوريا من أجل الحفاظ على النظام القائم في دمشق باستعمال ترسانتها العسكرية الفتّاكة وإسقاط “سوخوي٢٤” يندرج ضمن هذا المنظور.
وتنطلق تركيا اليوم من مسافة واحدة في النزاع السوري، لا تريد منافسة عسكرية بقدر ما تريد أن تبسط نفوذها على كامل المنطقة الحدودية، لأن رؤيتها لوجود الجماعات المسلحة في ذلك الفضاء لا يتعلق بالمنطق القائم على محاربة الإرهاب بل هناك نظرة أخرى وهو أن مسار التغيير في سوريا يجب أن يتواصل حسب ما يتداول عند الأتراك، وهذه القناعة العميقة أدّت إلى تسجيل موقف معيّن تجلى في إسقاط الطائرة الروسية، وقد فهم القادة الروس ما حدث لهم، لذلك يعملون على عدم الرضوخ للأتراك، وهذا بالعودة مرة أخرى للقصف، ولا يستبعد المتتبعون من وقوع حوادث أخرى في غضون الآفاق القادمة، وهذا نتاج للحرب الجارية هناك وقد يخطئ من يقول بأنها “نظيفة” و«جراحية” كما كان الحال في العراق لأن الأهداف تختلف إختلافا جذريا من حيث السياقات الجيو ـ السياسية والإستراتيجية.
ويجب الإعتراف هنا بأن الحماس الفياض السائد في المنطقة والمتوجه لمحاربة داعش يختلف من حليف إلى آخر، الروس تورطوا بدرجة لا توصف، فرنسا وألمانيا وبريطانيا تريد إبعاد الخطر وإبقاءه في مكانه الأصلي، غير أن الأمريكيين يسيرون الملف بهدوء، ولا يبحثون عن مناوشات ومشاكسات مع الروس لماذا ؟ لأنهم يراهنون على التزامات فيينا التي أقر فيها الروس بالمرحلة الإنتقالية خلال ٦ أشهر وهذا ما دفع بالأمريكيين إلى التروي وانتظار تهدئة أعصاب الروس، ليعاد بعث هذا الملف لاحقا عندما تجتمع شروط ذلك.
وحاليا، فإن المجال الجوي السوري أصبح مستباحا لكل طائرات ما يسمى بالتحالف في الوقت الذي اشترط فيه السوريون والروس إذنا مسبقا من الدولة المركزية في دمشق لضرب الجماعات المسلحة وهذا ما لم يحدث للأسف بعد تفجيرات باريس حتى مجلس الأمن لم يستشر.