طباعة هذه الصفحة

“الثورات العربية” تبحث عن خياراتها

بين بناء الدولة والإقلاع الاقتصادي

جمال أوكيلي

ما اصطلح على تسميته بالثورات العربية التي أطاحت بأنظمة سياسية في بلادها لم تستطع حتى الآن مرافقة ما يعرف بمسار بناء الدولة الوطنية، وتوجد حاليا في مرحلة الحوار مع الذات، والبحث عن خيارات أخرى أكثر فعالية تجنبها المزيد من السقوط في مطبات التهليل والفخر بإسقاط رؤساء سيروا بلادهم وفق ما كانوا يرون.
اليوم يجب أن تخرج هذه “الثورات” إلى أفق واعدة بالتخلص من منطق “الفرز” و«التخوين” والدخول في فضاء إقامة المؤسسات تكون عبارة عن بوتقة تنضم فيها كل الإرادات الخيرة التي ترغب في خدمة المصالح العليا للوطن.. وهذه الثقافة من الصعوبة بإمكان ايجادها في الوقت الحالي لأن الاقصاء هو سيد الموقف.
 الثورات العربية كانت باسم الشعب، لكن عندما انتصرت نسي رافعو لوائها هذا الشعب واستفردوا بالحكم باسم الأغلبية  أي أغلبية التي تهمش الناس.
وتبعدهم من الوصول الى المؤسسات المراد إدراجها في هذه العملية، وهذا أكبر خطأ ارتكبته “العقول المدبرة” وهذا عندما تجاهلت مبدأ جوهري ولا غبار عليه إلا وهو  “الشعب مصدر النسيان”، هذا لا يعني أي شيء بالنسبة لهؤلاء.. بحكم دخولهم في متاهات وحسابات أخرى.
نحن اليوم أمام حقيقة مفادها أن هذه المناسبات التي تطل على البلدان التي اندلعت الثورة بها هي وقفة تأمل  لمراجعة الذات وتقييم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وخاصة السياسية، ماذا تحقق؟ ولماذا تدور في الحلقة  المفرغة؟
سياسيا: لابد من التأكيد هنا على شيء أساسي الا وهو أن هذه الثورات قضت على عنصر استراتيجي ونفي بذلك الاستقرار والى يومنا هذا لا يوجد أي بلد ينعم بالاستقرار، يوميا المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات وحتي الاغتيالات، هذا ما يؤكد أن أي مسعى لبناء الدولة الوطنية لا يكون خارج هذه الدائرة ونقصد بذلك وضع المؤسسات في سكتها لتهتم بانشغالات المواطن.. وكل التجارب المسجلة الى يومنا هذا لم ترتق الى المستوى المأمول..بدليل أن الأزمات السياسية تنفجر في كل وقت وفي كل مرة تستبدل حكومة وفي كل مرة تنظيم انتخابات هذا ما يترجم عمليا بعدم الاستقرار على المستوى السياسي، ناهيك عن الانفلات الأمني الذي وصل الى درجة لا تطاق ..كل هذا يؤثر على وضع البلاد من كافة النواحي الحيوية ولا يسمح لها بتدابير شؤونها الداخلية على كافة الأصعدة.
اقتصاديا واجتماعيا: لا يعقل أنه في خضم كل هذه التأثيرات السياسية يمكن التحكم في العملية الاقتصادية والاجتماعية، لأن عامل الاستقرار غائب والقطاعات التي كانت مصدر دخل حقيقي من العملة الصعبة مستها تبعات الأزمة بأبعادها يتطلب الأمر وقتا لاقلاعها من جديد.. ليكون الرفاه الاقتصادي امتدادا طبيعيا للرفاه الاجتماعي وهي جدلية منطقية لتفادي الانعكاسات غير المحمودة كالفقر ونقص الغذاء والتغطية الصحية وتوفير المياه والنقل والمدرسة، كل هذا وغيره مربتط ارتباطا وثيقا بالاستقرار السياسي في البلد.
نعتقد بأن هذه “الثورات” سارت بسرعة البرق وأخطأت في تقديرات كيفية تسيير الدولة، لأن الأمور ليست متعلقة بـ “حزب” ومهما كانت “عبقريته” فإنه مجرد تنظيم لا يستطيع العمل أكثر من تسيير مناضليه فقط.