طباعة هذه الصفحة

انتخب رئيسا جديدا

الصومال يتطلّع الى إعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار

فضيلة دفوس

ما ان يسمع المرء اسم الصومال، إلاّ وتتبادر إلى ذهنه صورة  دولة سكنتها الحروب وحوّلها أمراء الدمّ الى ساحة لصراع مزمن رهن إمكانياتها المادية والبشرية وجعلها أسيرة صراع لا متناهي على السلطة وضحية ارهاب يعبث بأمنها وأرواح شعبها الذي يعاني الويلات في ظلّ لامبالاة دولية مقيتة،رغم ان هذه الدولة العربية المتوغلة في قرن افريقيا ذات عمق حضاري يعود الى تسعة آلاف عام قبل الميلاد.

الصومال الذي يمتلك أطول حدود بحرية في أفريقيا تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، ويحظى بموقع إستراتيجي يطلّ على المحيط الهندي وخليج عدن ومدخل البحر الأحمر، ويتربّع على مساحة نصف مليون كلم مربع، هو اليوم وخلافا لما يجب أن يكون عليه، دولة هشّة تواجه العديد من التحديات الأمنية كما السياسية والاقتصادية، الأمر الذي يجعل المراقبين السياسيين  يقرّون بأن مهمة الرئيس الجديد محمد عبد الله فرماجو الذي تم انتخابه قبل أيام ستكون شاقة وصعبة وتحتاج الى دعم داخلي ومساندة خارجية لإنجازها بنجاح.
بعد تأجيلها أكثر من مرة خلال العام المنصرم، شهد الصومال في 8 فيفري استحقاقات رئاسية أفضت الى فوز رئيس الوزراء السابق محمد عبد الله فرماجو الذي خاض معركة انتخابية صعبة شهدت  تنافس 21 مترشحا بينهم الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود.
 وقد دعّمت عوامل عديدة فوز فرماجو  برئاسة الصومال، بينها السياسات التي انتهجها وهو رئيس للوزراء والتي لاقت قبولا شعبيا قلّ نظيره، وأيضا رصيده السياسي المتميّز، حيث بدأ عمله في الخارجية الصومالية عام 1982، ثم عين سكرتيرا في السفارة الصومالية بواشنطن في عام 1985، وعاش في أمريكا منذ ذلك الحين وحمل جنسيتها، كما درس بجامعاتها.
في 2010 عُيّن رئيسا لوزراء الحكومة الصومالية، ورغم أنه لم يبق  في منصبه سوى أشهر، إلا أنه اكتسب تأييدا شعبيا بسبب برنامجه وسياساته التي حقّقت عددا من الإنجازات على الصعيدين الأمني والسياسي، لهذا فقد خرجت الحشود في مظاهرات عارمة عام 2011 للتنديد باقالته، وخرجت احتفالا بانتصاره في السباق الرئاسي الأخير.
هذا وكان للبرنامج الانتخابي القوي الذي طرحه الرئيس الجديد فرماجو دوره الكبير في فوزه، حيث ركز على  المسألة الأمنية وهي أهم قضية تشغل بال المواطن الصومالي أمام التحدي الذي تشكّله جماعة الشباب الارهابية، ثم وحدة البلاد، وحرصه على عودة الدور الإقليمي المتميز للصومال في منطقة القرن الأفريقي، ورفضه الشديد والصريح للتدخلات الاجنبية انطلاقا من أن هذه التدخلات هي التي تؤجج الوضع وتثير الفوضى والانقسامات.

رهان وتحديات

الصومال انتخب رئيسا جديدا، وهو اليوم يتطلع الى إعادة بناء مؤسسات الدولة التي ظلت غائبة منذ عقدين، ومواجهة المعضلة الامنية، وتحقيق المصالحة الوطنية ومن خلال ذلك بسط الاستقرار الداخلي الذي ينعكس على الاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي لما تمثله الصومال من دور محوري فيها.
هذا وكتب المحللون السياسيون «أن الرئيس فرماجو الذي ينظر إليه الشعب الصومالي على أنه منقذه من الفوضى التي تسكن البلاد مند الإطاحة بنظام سياد بري عام 1991، تنتظره العديد من القضايا والتحديات ابرزها:

الملف السياسي: يأتي على رأس هذا الملف قضية المصالحة الوطنية، في ظل التصادم بين القبائل والصراع بين القوى السياسية، ومن ثم يتحتم على الرئيس الجديد السعي نحو عودة الاستقرار السياسي ومحاربة الفساد.

الملف الاقتصادي: يواجه فرماجو عدة تحديات على المستوى الاقتصادي، أبرزها المجاعة التي تضرب البلاد ووصفتها عدة تقارير دولية بأنها الأسوأ على الإطلاق، علاوة على البطالة التي يعاني منها أكثر من 75% من الشعب الصومالي، وكذلك الفقر الذي يعاني منه أزيد من 90% من الصوماليين، بالإضافة إلى ملف إعادة الإعمار، واستغلال الفرص الاستثمارية لجذب المستثمرين.
الملف الأمني: يواجه الرئيس الجديد عدة معضلات في الملف الأمني، أبرزها مواجهة حركة «الشباب» الارهابية، بالإضافة إلى توفير الأجور لقوات الشرطة والجيش وتدريبهم تدريبا جيدا يمكّنهم من أداء مهامهم الصعبة، ناهيك عن النظر في أمر وجود قوات الاتحاد الأفريقي ـ قوات الأميصوم ـ التي يبلغ عددها أكثر من 22 ألف جندي لمحاربة حركة الشباب.
كما يضيف المراقبون السياسيون، بأن أمام الرئيس الصومالي الجديد ملفات أخرى، إقليمية ودولية تتعلق بعودة دور الصومال في منطقة القرن الأفريقي، والتخلص من كونه الطرف الأضعف في المعادلة الإقليمية، علاوة على النظر في بعض القضايا التي تمثل خلافا مع بعض دول الجوار، مثل قضية السيادة على منطقة أوجادين مع الجانب الإثيوبي، وقضية ترسيم الحدود البحرية مع الجانب الكيني، بالإضافة إلى السعي نحو عودة الصومال إلى قائمة الاهتمام الدولي بعد سنوات من الإهمال من جانب المجتمع الدولي.
 المهمة كما نرى ليست سهلة أمام الرئيس التاسع للصومال مند الاستقلال عام 1960، لكن من الضروري على الشعب الصومالي أن يلتف حول فرماجو ليعمل الجميع سوية لأجل إخراج البلاد من محنتها الأمنية ومصاعبها الاقتصادية والاجتماعية، ولا شك أن جهود الصوماليين هذه بحاجة الى دعم خارجي لا سيما الدول العربية.