طباعة هذه الصفحة

مفاوضات جنيف حول الأزمة السورية

المعارضة تريد مكاسب بعد اخفاقات في الميدان

جمال أوكيلي

 صعوبة الاتفاق حول الإصلاحات

الانطباع العام الذي يخيّم على لقاء «جنيف ٤» هو أن المفاوضات الجارية بين النظام والمعارضة ليست سهلة ومن الصعوبة بمكان التوصل الى النتائج المرجوة في خضم كل هذه الخلافات العميقة، تجاه ماورد في مضمون القرار رقم ٢٢٥٤ في شقّه المتعلّق بالانتقال السياسي.

وبالرغم من الإشراف المباشر للمبعوث الأممي دي ميستورا من أجل الجلوس الى طاولة واحدة وجها لوجه، لتناول جدول الأعمال نقطة بنقطة إلا أن عمق القضايا الشائكة تثير مخاوف كل طرف.
وهذا راجع إلى عدم امتلاك المفاوضين القرار النهائي الحاسم فيما يعرض من تصورات للمرحلة ما بعد حلب، لذلك فضل دي ميستورا توزيع ورقة على المشاركين ودعوتهم للرد عليها لاحقا.
ولابد من القول هنا أن محتوى مفاوضات جنيف لا تبحث في وقف اطلاق النار هذه التفاصيل كانت محل بحث مستفيض في ستانا نحن اليوم أمام مسائل حساسة جدا تتعلّق أساسا بالجانب السياسي استنادا إلى القرار ٢٢٥٤ الذي يشير صراحة إلى آفاق منظومة الحكم التي تبني على الحكامة الدستور والانتخابات.
هذه المحاور المسلمة للطرفين قصد دراستها تمّ الاتيان بالأجوبة المطلوبة والردود الممكنة لمعرفة على الأقل مسار التسوية في غضون المواعيد القادمة، غير أن المؤشرات الأولية توحي، بأن الحل ليس غدا وما على الجميع انتظار سنوات وسنوات للوصول إلى ما يريده المعنيون وهذه قناعة راسخة لدى هؤلاء ، حتى دي ميستورا قال إنه لا يعوّل على ما يجري حاليا.
ويشعر الوفد السوري الذي يرأسه الجعفري بأن هناك انحيازا مفضوحا للمعارضة، وفي هذا الاطار يستبعد ان يتحصل دي ميستورا على الرد في الآجال التي حدّدها وهذا حتى تتضح الأمور أكثر فأكثر.. لأن موقع جماعة المعارضة تسمح لهم بالمناورة كونهم ليس لديهم ما يخسرونه بل يمارسون المزيد من الضغط على المبعوث الأممي من أجل التطبيق الحرفي لقرار ٢٢٥٤ في حين أن ممثلي النظام ليس لديهم هذه الأفضلية وهم في حالة دفاع ونفي هنا التمتع بما يعرف بـ» اللاءات» أي الرفض القاطع لكل ما يعطي الأولوية للمعارضة.
والمشهد الأولي الذي أفرزته «جنيف ٤» هو أن السوريين لا يقبلون أبدا بما جاء في القرار السالف الذكر، من باب أنه صيغ وفرض في مرحلة قوة المعارضة المسلحة واليوم السياق تغير تغيرا جذريا.
فمخرجات المفاوضات سياسيا غير واضحة تماما وحتى أننا نقول بأنه يكتنفها الغموض، لماذا؟ لأن مالم تفلح فيه المعارضة بالسلاح تريد أخذه بالحوار وهذا لن يقبله السوريون ولن يسمح لها بأن تلبي مطالبها بالسهولة التي تعتقدها لأن الدولة المركزية مازالت قائمة وحاضرة تؤدي مهامها كما اعتادت على ذلك وبإمكانها تنظيم المواعيد الانتخابية في المناطق الآمنة.
ونعتقد بأن مقدمات المفاوضات خاطئة وحتما ستكون النتائج خاطئة وهذا تحصيل حاصل وبديهية لا تحتاج إلى أي برهان لأن العناوين السياسية الكبيرة مثل الدستور، الانتخابات، الحكومة، وغيرها تتطلّب المزيد من التفكير العميق والنقاش الثري والتحليل الدقيق قصد البت في أي خطوة أو حركة غير محسوبة ستكلف أصحابها ثمنا باهضا، آثارها ستبقى بادية فيما بعد وستدمر كل ما أنجز حتى الآن، أمنيا وعسكريا.
وطرحات الوفد السوري المفاوض تختلف اختلافا عن نظيرتها في المعارضة، أي أنها لا تقدم البلد على طبق من ذهب لأناس آخرين وهذا يعد هزيمة بوجه آخر، لا يقدّر أبعادها خلال المراحل القادمة، لأنه يصعب في سياق كهذا إثارة مثل هذه القضايا مرة واحدة كالدستور الانتخابات، الحكومة، فمن يكلف بانجاز مثل هذه المهام المعقدة، حتى الأمم المتحدة يستحيل عليها الإقدام على مثل هذا العمل إن لم تبد نيتها في اشراك جميع الأطراف في هذا المسعى وتنفتح أكثر على أفق أخرى تخدم الجميع.
ويرى الروس بأن مثل هذه الخيارات السياسية، ينجزها السوريون، لأنها ملفات ثقيلة جدا لا تقبل الخطأ والمعارضة ترفض الانخراط في هذه العملية في غياب الضمانات من أطراف نتعامل معها.
وبالنظر إلى ما يجري، فإن هناك العديد من نقاط الظلّ تدعو إلى تساؤلات موضوعية بحكم طبيعة ما يصر عليه البعض في الشقّ السياسي كيف سيبني الدستور السوري خلال المرحلة الآتية؟ ما معنى الانتقال السياسي؟ ما هو نوع الحكومة المرتقبة؟ وكيف تجري الانتخابات؟ لا يمكن أبدا أن يكون هناك اجماع حول هذه النقاط نظرا لمفهومها المطاط الذي يصعب تحديده. كل هذه الورشات الدستورية مفتوحة على مقترحات المعنيين غير أن الفصل فيها يحتاج الى الوقت والثقة المتبادلة، والسياق الراهن غير موات بتاتا للطرفين بعد العمليات العسكرية التي حسمها الروس. هؤلاء يريدون التزامات فورية قصد الذهاب إلى مواعيد أخرى توجد في رزنامة القيادة في موسكو بالتفاهم مع تركيا لتوفير أرضية تسوية تكون على الأقل حد أدنى لانسحاب الجميع من الأراضي السورية.