طباعة هذه الصفحة

مرحلة شدّ الحبال تحتدم قبل شهرين من الرّئاسيات الفرنسية

اليمين المتطرّف يتقدّم، اليسار يقاوم والرّمال تتحرّك تحت أقدام فيون

فضيلة دفوس

لم يسبق للفرنسيّين أن شهدوا سباقا رئاسيا كالذي يعيشون أطواره هذه الأيام، فمع اقتراب موعد الحسم بعد شهرين، يبدو المشهد مفتوحا على كل الاحتمالات والمفاجآت، ولأول مرة في تاريخ فرنسا تتشابك خيوط  اللعبة السياسية إلى درجة أن التكهّن بمن سيشق طريقه نحو الإليزي  أصبح أمرا صعبا إن لم نقل مستحيلا، كما أن نتائج الاستطلاعات باتت  تعطي لوحة مغايرة للمنافسة التقليدية حيث تضع الجمهوريين (اليمين الوسط) والإشتراكيين (اليسار) خارج حلبة المنافسة في الدورة الثانية  مقدمة اليمين المتطرف (الجبهة الوطنية) ومترشحين مستقلين شباب.

هذه الاستطلاعات تظهر بأنّ مرشّحي الجمهوريين (فرانسوا فيون) والإشتراكيين (بونوا هامون) سيغادران السباق الرئاسي منذ الجولة الأولى، ليفسحا الحلبة للمنازلة الحاسمة بين مرشّحة الجبهة الوطنية (مارين لوبان) ومرشّح حركة «فرنسا إلى الأمام» (إيمانويل ماكرون) المتمرّد على عائلته السياسية السابقة (الحزب الاشتراكي) والمنسحب منها إلى المساحة الوسطية، والذي يحظى بأكبر الفرص للوصول إلى سدّة الحكم.
تأتي هذه التوقّعات بعد أن تلقّى مرشّح اليمين التقليدي فيون ضربة موجعة عندما وجد نفسه في قلب فضيحة فساد وتحقيق قضائي، ما جعل شعبيته تتهاوى بالتزامن مع تزايد الأصوات التي تطالب بانسحابه من السباق ضمن عائلته السياسية.
على وقع المفاجآت والفضائح
لكن في كل الأحوال، تبقى هذه الاستطلاعات مجرد تكهنات قد تعصف بها مفاجآت أو مستجدات تطرأ على الاستحقاق الرئاسي في أية لحظة،تماما مثلما حصل في الرئاسيات الأمريكية الأخيرة، ما يجعل سباق الإليزي ينتهي بمفاجآت غير متوقّعة تماما كما بدأ بها، عندما أعلن الرئيس ﻓرانسوا هولاند بعد أشهر من التكهنات، أنّه لن يترشّح لفترة رئاسية ثانية في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الخامسة منذ عام 1958.
ثم توالت المفاجآت تزلزل العملية السياسية وتخلط حسابات المواطن الفرنسي الذي لم يعد يستوعب ما يجري، عندما كسّر فرانسوا فيون كل التوقعات وفاز بترشيح الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية لليمين التي شهدت خروج شخصيات ظلّت تسيطر على الساحة السياسية الفرنسية لسنوات طويلة مثل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء الأسبق آلان جوبي.
 وعلى خطى اليمين أفرزت الانتخابات التمهيدية لليسار الفرنسي مفاجأة أكبر، بعد أن تمكّن بنوا هامون من إزاحة أبرز منافسيه، وهما رئيس الوزراء السابق مانويل فالس ووزير الاقتصاد الأسبق أرنو مانتبور.
وللمزيد من خلط الاوراق وتعقيد المشهد السياس، فجّرت الصّحافة فضيحة فساد من العيار الثقيل طالت عائلة فيون، وتحوّلت إلى حبل يضيق حول رقبة مرشّح اليمين الذي وضع معسكره في موقف لا يحسد عليه.
وحتى مرشّحة اليمين المتطرّف مارين لوبان، 48 عاما، سقطت في دوامة المفاجآت والفضائح وطالتها اتّهامات من البرلمان الأوروبي بتعيين مديرة مكتبها بحزب «الجبهة الوطنية» وحارسها الخاص كمساعدين برلمانيين لها، لكن عكس فيون، فهذه القضية لم تؤثّر على شعبية لوبان المستفيدة من المد الشعبوي واليميني المتصاعد في أوروبا.
كما أنّ المرشّح الوسطي إيمانويل ماكرون، تعرّض هو الآخر إلى هزّة إثر تصريحاته بشأن جرائم الاستعمار الفرنسي للجزائر، وأيضا إثر  اتّهامات باستخدام أموال من ميزانية وزارة الاقتصاد التي كان وزيرا لها لصالح حملته الانتخابية المستقبلية.
معركة غير مألوفة
 وبينما يقترب موعد الحسم، دخلت مرحلة التحالفات على خط العملية الانتخابية الفرنسية لتزيدها غموضا وتشويقا، وأبرز تحالف معلن إلى غاية الآن، هو ذلك الذي ربط بين إيمانويل ماكرون وزعيم حزب «مودم» الحركة الديمقراطية فرانسوا بايرو، ثم تحالف مرشّح حزب البيئة يانيك جادو الذي أعلن انسحابه من سباق الرئاسية الفرنسية، ليساند مرشح اليسار بونوا هامون، وقد نشهد في الأيام القادمة تحالفات أخرى يستفي منها هذا المرشّح أو الآخر.
وفي ضوء ما سبق، تتجلّى بوضوح صعوبة التكهن بالفائز في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المرتقبة بجولتيها في 23 أفريل و7 ماي القادمين، كما يتأكّد بأنّ المعركة الانتخابية هذه المرة مغايرة تماما للصورة النمطية والمألوفة للمنافسة على كرسي الإليزي، ولا شكّ أنّ الشّهرين الفاصلين عن موعد الاستحقاق سيحملان الكثير من المفاجآت والتغيّرات.
أبرز المرشّحين
❊ فرانسوا فيون
كان الجميع يعتقد بأنّ آلان جوبي سيكون الفائز بالانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي، لكن فراسوا فيون الذي كانت الأضواء بعيدة عنه، استطاع أن يهزم كل استطلاعات الرأي تماما كما فعل ترامب في رئاسيات أمريكا وحقق المفاجأة بفوزه بترشيح اليمين الفرنسي لسباق الإليزي.
 فيون الذي ولد عام 1945، هو سياسي يميني، تولى رئاسة الوزراء خلال حكم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ما بين 2007 - 2012، وكان يعرف بتوازنه السياسي وبمواقفه المعتدلة.
 وقد تقلّد عدة مسؤوليات، حيث انتخب عضوا في الجمعية الوطنية الفرنسية عدة مرات، كما كان عضوا بمجلس الشيوخ وتولّى وزارة التعليم العالي والبحث (1993 - 1995) ووزارة الاتصالات والبريد (1995 - 1997).
أدار دفّة وزارة الشؤون الاجتماعية والشغل والتضامن (2002 - 2004)، ثم وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث (2004 - 2005).
التّجربة السياسية
انضمّ إلى حزب «التجمع من أجل الجمهورية» (آر بي آر) حيث كان قريبا من أفكار الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، ثم التحق بحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي تحول لاحقا إلى حزب «الجمهوريون»، وهو حزب يميني فرنسي ذو مرجعية ديغولية متصالحة مع الوسط.
استبعده رئيس الوزراء دومينيك دوفيلبان في 2005 من تشكيلة الحكومة، فكان أن انضم إلى فريق المؤيدين لنيكولا ساركوزي الذي كان يستعد لدخول السباق الرئاسي، وبعد فوز هذا الأخير باستحقاق 2007 ،عيّنه رئيسا للوزراء وبقي في منصبه إلى 10 ماي 2012 حيث قاد ثلاث حكومات.
حظوظ فيون كانت كبيرة في أن يصبح الرئيس العاشر للجمهورية الخامسة، لكن يبدو بأن فضيحة الوظائف الوهمية التي طالت عائلته قد تعيد حسابات الناخب الفرنسي بخصوصه.
❊ مارين لوبان
 مارين لوبان المولودة سنة 1968، سياسية فرنسية لم تكتسب شهرتها فقط من شهرة والدها الزعيم اليميني المتطرف جون ماري لوبان، بل من اختياراتها السياسية المخالفة لنهج أبيها.
انضمّت عام 1986 إلى حزب أبيها «الجبهة الوطنية «وعمرها 18 سنة، وبدأت عملها في المحاماة عام 1992، انتخبت يوم 16 جانفي 2011 رئيسة لحزب الجبهة الوطنية، وبفضل أدائها تمكّن الحزب من تحقيق نتائج انتخابية متميزة.
منذ أن حصدت مارين أكثر من 18 % من أصوات الناخبين في الدور الأول لرئاسيات 2012، لم يعد الحديث عن «الجبهة الوطنية» من ترف النقاش الأيديولوجي، فهذا الحزب بات قادرا على أن يحدّد من سيدخل الإليزي إن لم يدخله هو، كما قد يستطيع دخول البرلمان لأول مرة منذ عشرين عاما.
رقم صعب في منافسة حادة
بعد أقل من عام على تقلّدها رئاسته، استطاعت مارين أن تعيد تأهيل حزب «الجبهة الوطنية» وتحسن صورته وتوسيع دائرة أنصاره خارج الشرائح التقليدية من العمال المهنيين وكبار السن والمزارعين، لكن هناك أيضا ظروف موضوعية، كالأزمة الاقتصادية التي دفعت فرنسيين كثيرين إلى أحضان الجبهة الوطنية، هؤلاء يرون في مارين نصيرتهم ضد مؤسسة حاكمة في فرنسا وأوروبا فاسدة حتى النخاع.
وليس صعود أقصى اليمين الفرنسي حالة معزولة في أوروبا، فقد مكّنت الأزمة الاقتصادية لأحزابِ هذا التيار في بلدان كثيرة (خاصة في سويسرا وإيطاليا وهولندا واليونان)، وجميعها أحزاب تتبنى الشعبوية الاقتصادية والقومية الوطنية خطابًا
وترفع مختلف استطلاعات الرأي كفة لوبان التي قد تمضي على خطى ترامب وتحقق المفاجأة بالفوز لتكون أول رئيسة تحكم فرنسا.
❊ إيمانويل ماكرون
سياسي ومصرفي سابق، تولى مسؤوليات حكومية، أعلن في 16 نوفمبر 2016 ترشّحه لخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017، مما أثار حفيظة بعض الأوساط اليسارية.
ولد ماكرون في 21 ديسمبر 1977، وفي عام 2012 دخل قصر الإليزي، حيث تولى بعض المناصب مثل أمين عام قصر الإليزي ووزير الاقتصاد.
يعرف عن ماكرون أنّه يتبنّى الفكر الليبرالي في الاقتصاد، وركّز برنامجه الانتخابي على مقترحات لإعطاء دفعة جديدة للاقتصاد الفرنسي وحل مشكلة البطالة.
التحق ماكرون بالحزب الاشتراكي بين عامي 2006 و2009، ثم انسحب منه دون أن يغادر وسط اليسار، ورعاه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي أعانه على دخول الحكومة للمرة الأولى عام 2014، دون أن يكون عضوا في الحزب الاشتراكي أو ينتخب لأي مقعد.
وكان ماكرون التقى هولاند عام 2006 ودعّمه في ترشّحه لانتخابات الحزب الاشتراكي، غير أنّه تخلّى عن منصبه في الحكومة في جوان 2014 ليعيّن وزيرا للاقتصاد بعد استقالة سلفه أرنو منتبورغ.
واستقال من الحكومة في الثلاثين من أوت 2016، وشكلت استقالته آنذاك ضربة قاسية للرئيس هولاند، وعزّزت الشكوك بشأن وضع معسكر اليسار استعدادا للانتخابات الرئاسية لعام 2017.
وفي مطلع أفريل 2016 أسّس ماكرون في خطوة مفاجئة حركته السياسية «إلى الأمام»، مؤكّدا أنّها «لا يمينية ولا يسارية»، ممّا أثار تكهّنات بأنّ طموحاته الرئاسية لانتخابات 2017 تقدمه الكثير من الاستطلاعات لبلوغ الدور الثاني من الرئاسيات وربما الفوز بها.
❊ بونوا هامون      
استطاع وزير التربية الفرنسي السابق بونوا هامون الفوز بالانتخابات التمهيدية لليسار، لينزع بطاقة تمثيل اليسار من رئيس الوزراء السابق مانويل فالس ويصبح مرشحا عن هذا المعسكر للاستحقاقات القادمة.
وفور إعلان فوزه أكّد بونوا هامون عزمه العمل على توحيد أحزاب اليسار في مواجهة أحزاب اليمين واليمين المتطرف، وقال بهذه المناسبة: «لا يجب على ناخبي اليسار تحمّل عدم شعبية حكومة فاشلة، ولا قانون عمل (لا يخدم مصالح العمال)، ولا إسقاط الجنسية».
ولد بونوا هامون في 26 جوان 1967، نائب أوروبي سابق، ومتحدث سابق باسم الحزب الاشتراكي 2008 - 2012، نائب في الجمعية الوطنية منذ 2012.
القرار الأول الذي ينوي هامون اتخاذه في حال تولى منصب رئيس الجمهورية، إلغاء قانون العمل و فرض راتب عام بقيمة 750 يورو في الشهر كحد أدنى لكل الفرنسيين البالغين سواء كانوا يعملون أم لا،
تقليص ساعات العمل وإعلان جمهورية سادسة، ففي منظور بونوا هامون، مؤسسات الدولة الفرنسية والجمهورية الخامسة لم تعد تواكب الحداثة، لذا يريد تغييرها عبر المرور إلى جمهورية سادسة تعطي أهمية أكبر للبرلمان وتنهي نظام «الجمهورية الملكية» والامتيازات الكبيرة التي يحظى بها رئيس الجمهورية.
كما يقترح أيضا ولاية رئاسية واحدة فقط مدتها 7 سنوات، والأخذ في الحسبان ما يسمى بـ «التصويت الأبيض»، وتشريع القنب الهندي.