طباعة هذه الصفحة

المغرب يسقط في مطب دبلوماسية القفز في المجهول

الأفارقة متمسّكون بحق الشّعب الصّحراوي في تقرير مصيره

جمال أوكيلي

سقط المغرب في مطب دبلوماسية «القفز في المجهول»، التي لا طائل من ورائها سوى حصد المزيد من الخيبات المتتالية التي يتعرّض لها على لسان القادة الأفارقة، الذين نصحوه بضرورة التّفريق بين الموقف السياسي والفعل الاقتصادي الذي يستعمله حاليا للتّغطية على ضغوط مباشرة يمارسها على عديد البلدان في القارة، قصد التّراجع أو بالأحرى سحب الإعتراف بالقضية الصّحراوية، وهذا مسعى مفضوح وعمل مكشوف لن يكتب له النّجاح أبدا ما دام يراهن على المؤامرة، وإلحاق الضّرر المعنوي بالآخر، إنّها أساليب مردودة على أصحابها، الذين تفنّنوا في «إبداعها» للتّأثير على سكان تلك البلدان مستعملين حتى عامل المعتقد.

لا تنطلي هذه الحيل السياسية على أحد نظرا لما تحمله من نوايا سيّئة، منها تأليب الرأي العام الإفريقي على الصّحراويّين والتّرويج لأطروحات إستعمارية بحتة لا يؤمن بها الأفارقة كونهم عانوا منها الويلات، كيف لهم أن يسايروها اليوم؟ هذا المبدأ الثّابت والرّاسخ في وجدان هذه الشّعوب، وبخاصة اللاّئحة ١٤ / ١٥ لا رجعة فيه، لأنّه الأرضية التي تحميهم من كل الإعتداءات السّافرة على سيادتهم. وهذا حتما ما يجعلهم الأقرب إلى مساندة القضية الصّحراوية بشكل مطلق بعيدا عن أي تلكأ كما يدّعيه المغرب في هجمته الحاملة لشعار «الدبلوماسية الفوضوية»، التي لا يدري تداعياتها المنجرة عنها كونها تعتمد على منطلقات غير مدروسة، وإنما اهتدت إلى التسرع في محاولة التموقع الوهمي.
وقد يخطئ المغرب إن اعتقد بأنّه بصدد استدراك ما فاته من الوقت في إفريقيا أو التّفكير بمنطق استرجاع ما ضاع منه على أكثر من صعيد بالطّرق المتّبعة حاليا، لأنّ الإجابات السياسية وجدها عند المسؤولين الأفارقة، الذين رفضوا رفضا مطلقا التخلي عن مبدأ تقرير مصير الشّعب الصّحراوي، ونيل حقوقه الوطنية. هذا موقف مقدّس لا يمكن التّلاعب به أو القفز عليه، مهما كانت الإغراءات والإتّفاقيات المبرمة حول مشاريع المغاربة في حاجة إليها في بلدهم بدلا من إقامتها في أماكن أخرى.
هذه المفارقة تثير ضجّة اليوم في أوساط المواطنين في المغرب، الذين يتساءلون عن الخلفيات الكامنة وراء كل هذا «الكرم» الذي يطال الآخر، في حين أنّ الداخل يعاني من تشنّجات اجتماعية خطيرة نتيجة هذا التوجه الدبلوماسي الخاطئ استراتيجيا.
ويدرك الملاحظون أنّ الورقة التي يرفعها المغرب بخصوص تسوية وضعية المهاجرين لا تلبث أن تسقط سقوطا حرّا، ويتراجع هذا البلد عن هذا الإجراء الشّكلي الذي أراد به جلب أنظار البعض ظرفيا فقط ريثما تنكشف حساباته الضيّقة التي لا تتعدّى المساس بالأطراف الفاعلة في القارة، وأولى هذه الإنزلاقات غير المحسوبة هو اقتحام مجموعة من المهاجرين الحدود الشّمالية نحو إسبانيا. هذه الحادثة أثارت غضب بلدان المتوجهين إليها، ويبدي المغاربة تخوّفات من تكرار هذا العمل مستقبلا، لذلك سارعوا إلى تشديد الحراسة على العديد من النّقاط قصد منع أي توافد آخر في الوقت الذي يدّعون فيه التكفل بهؤلاء إداريا.
الكركرات المنعطف الحاسم
كل هذه الخيارات الدبلوماسية والسياسية أبانت عن محدوديتها لأنّها مبنية على خدعة الآخر، والعبث بمشاعره تجاه مسائل لا تحتمل مثل هذه الحالات المضرّة، ومهما كانت الجولات الماراطونية في إفريقيا فإنّها لا تفي بغرضها لأن منطلقاتها بعيدة كل البعد عن الواقع، يراد منها تبييض صورة بلد كان غائبا طيلة عقود عن هذه القارة، واليوم يريد تزعّم مسار سياسي بني بسواعد قادة وزعماء يؤمنون إيمانا قاطعا بمصير إفريقيا، وضحّوا من أجلها حتى تكون في مقام الكبار، بدليل التحول التاريخي الذي حصل من المنظمة إلى الاتحاد وتأسيس النيباد، وآلية التّقييم من قبل النّظراء، وغيرها من الهياكل الحيوية، كل هذا تمّ في غياب المغرب. ولن يسمح الأفارقة للمغرب باستثمار سياسته العرجاء في القارة، كما أنّ الصّحراويّين لن يسكتوا من الآن فصاعدا على غطرسة المحتل لأرضهم، فكم من مرّة أبلغوا الجهات الأممية بالمبادرات غير القانونية التي يقوم بها المغرب في الأراضي المحتلّة، كتنظيم الملتقيات الدولية والمهرجانات خاصة في الداخلة، إلاّ أنّه لا حياة لمن تنادي في لجم هذه الإنحرافات. والرد القوي الذي شعر به المغاربة هو ما وقع في الكركرات عندما عاد بهم شريط الأحداث إلى التفوق الأسطوري للصّحراويّين في حرب الرّمال بالصّحراء الغربية، وتلقينهم دروسا لا تنساها القوّات المغربية، بتكبيدها خسائر لا تعد ولا تحصى في الأرواح والعتاد، ناهيك عن فرار جنودهم من مواقعهم وتسليم أنفسهم للصّحراويين على أساس أنهم أسرى أفضل من معاناتهم في وسط الجيش المغربي.
هذه الوضعية أحبطت معنويات جنرالات الجيش المغربي، الذين طالبوا بتوقيف الحرب بعد الإستنزاف الذي لحق بهم، وقد استجاب المرحوم الحسن الثاني إلى هذه الضّغوط موقعا اتّفاق وقف إطلاق النار ومتعهّدا بتنظيم الإستفتاء، وهكذا نكث هؤلاء العهد وتخلّوا عن إلتزاماتهم تجاه ما أمضوا عليه، والوضعية الحالية يتحمّلها هؤلاء.
وما جرى في الكركرات هو رد طبيعي على كل الحمقات المرتكبة دون مراعاة الضّوابط الأمنية الموجودة هناك، ونعني بذلك الوجود الصّحراوي الذي يعد رمزا قائما في تسيير المنطقة لأنّها أرض صحراوية بالدرجة الأولى، ولا يحق للطّرف الآخر أن يكون هناك لأن كل الوسائل متاحة لطرده من تلك الجهة، وإعادته إلى حدوده المتعارف عليها.
وحكمة الصّحراويّين هي التي أنقذت الموقف رافضة جرّ المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه، ناهيك عن النّداءات الصّادرة من هنا وهناك، المطالبة بعدم التّصعيد لتفادي الفخ المغربي خاصة عقب عقد الاتصال الذي جرى مع الأمين العام الأممي.
وعلى المجموعة الدولية فهم رسالة القيادة الصحراوية فهما جيّدا، على أن ما بعد الكركرات هو التّفكير في حل جدّي يجبر المغرب على احترام الشّرعية الدولية، وإلاّ فإنّ هناك خيارات أخرى لا مفر منها، وكل واحل يتحمّل مسؤوليته بعد التأكد من الطرف الذي يعرقل التّسوية ويرفض استقبال المبعوث الأممي، وغيرها من السّلوكات التي لا تخدم السّلام، ففي ظرف معين يجد نفسه محصورا يلجأ إلى الطّرق الملتوية لتوقيف أي مسعى صادق. وكان الأجدر على الأمم المتّحدة أن تضغط على المغرب كي ينسحب من الصّحراء الغربية بدلا من الاستماع إليه في مسألة الكركرات ضد الضحية، وهو الجلاّد الذي يتحمّل عواقب ما يجري في المنطقة، كونه يرفض الشرعية الدولية ويتبع مسارا أكل عليه الدّهر وشرب، كالوحدة التّرابية وغيرها من الأطرحات التوسّعية التي لا تقبل بها الشّعوب التواقة إلى الاستقلال والحرية. وهذه السّلوكات غير المسؤولة عانى منها كريستوفر روس الأمرين نتيجة عرقلة عمله، إلى درجة اعتباره شخصية غير مرغوب فيها يمنع دخول المغرب وشنّ حملة إعلامية شعواء ضدّه متّهمين إيّاه بالإنحياز، وغيرها من المظالم التي تعرّض لها.
وعلى غرار كل ما يقع، خاصة المبادرة الميدانية للصّحراويّين، وعزم القيادة على مواجهة المحتل فإنّ المتابعين يتساءلون عن التّقرير الأممي السّنوي حول الصّحراء الغربية الذي يعرضه روس أمام مجلس الأمن في نهاية أفريل، بناءا على جهوده في الميدان عقب زيارته للبلدان المعنية بالملف هل يقدّم هذ السنة أم ماذا؟
هذه الوضعية المتميّزة باللاّإستقرار سببها المغرب، وكل طارئ في المستقبل يعود عليه، ولا يستبعد الصّحراويّون ذلك من خلال تصريحاتهم الأخيرة مع إيمانهم العميق بكل الآليات الأممية الموجودة بالمنطقة بالتّعامل معها، شريطة إعادة المغرب إلى حجمه الحقيقي، ودعوته بترك الصّحراء الغربية. هذا هو السّلام الحقيقي أمّا غير ذلك فهو احتلال يتطلّب الأمر مكافحته إلى غاية طرده.