طباعة هذه الصفحة

وعاء انتخابي في المعترك السياسي

الجالية العربية والمسلمة ورقة لها وزنها في الرّئاسيات الفرنسية

فضيلة دفوس

قبل نحو شهر من عملية انتخاب الرئيس الحادي عشر للجمهورية الفرنسية الخامسة المزمع إجراء جولتها الأولى  في 23 أفريل القادم والثانية في 7 ماي، تشتد الحملة الانتخابية ويحتدم السباق بين المتنافسين، الذين أخذ كل واحد منهم يسوّق لبرنامجه الانتخابي وكلّه أمل في استقطاب أكبر نسبة من أصوات النّاخبين لبلوغ قصر الإليزي.
بينما يعكف المرشّحون على تنظيم حملاتهم التي يطبعها هذه المرة وعلى خلاف العادة الكثير من الفضائح والاتهامات والشبهات، تبحث استطلاعات الرأي وقراءات المحللين والمراقبين السياسيين في حظوظ كل متنافس في الفوز،
وتنظر إلى نقاط قوة وضعف كل واحد منهم، كما تغوص في فهم توجهات الناخبين خاصة الفرنسيين المنحدرين من أصول أجنبية وفي مقدمتهم الجالية المغاربية التي أصبحت تشكّل وعاءً انتخابيا لا يستهان به في بلاد الجن والملائكة.
ومع اقتراب موعد الحسم، بدأت علامات استفهام كبرى  تطرح عن موقع ودور الجالية العربية والمسلمة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، موقفها من المتنافسين،خياراتها، ونسبة مشاركتها التي هي في العادة محدودة، إذ كثيرا ما تسجّل الاستحقاقات في فرنسا عزوف العرب والمسلمين بشكل عام عن المشاركة الفعلية فيها رغم أن الحجم الديمغرافي والتاريخي لهذه الجالية كبير.
وحسب كتابات العديد من المحللين السياسيين، فإنّ للعزوف هذا عوامل عديدة تقف وراءه، بعضها تاريخي مرتبط  بالمستوى العلمي والمعرفي المحدود للمهاجرين الأوائل، والذي كان يحول دون مشاركتهم السياسية، أو مرتبط بالبلد الأم أو ببلد الإقامة.
فالجيل الأول من المهاجرين العرب والمسلمين إلى فرنسا وأغلبهم من المغرب العربي - كما تقول هذه الكتابات - لم يكن جيلا متعلما بشكل عام، لهذا استغل أبشع استغلال في امتهان أصعب المهن وأحقرها، وانشغاله بتحصيل لقمة العيش وافتقاده للثقافة والوعي المدني جعله بعيدا عن المشاركة في السياسية وعن التأثير في محيطه الجديد.
أما العامل المتعلق بالبلد الأم، فهو يتمثل أساسا في الارتباط الوثيق بين المهاجر وبلده الأصلي، فالحبل السري الذي يربط الجانبين حال ولازال بين الذوبان الكلي لأجيال المهاجرين اللاحقة في فرنسا رغم أنها مولودة فيها، وتتمتّع بنفس الحقوق السياسية والمدنية التي يتمتّع بها أبناؤها الأصليّين.
وبالنسبة للسبب المتعلق ببلد الإقامة - كما تشير نفس الكتابات - فإنّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب  للجاليات المهاجرة لا يوفر الإطار القادر على تشجيع المهاجرين من أصول عربية مسلمة على المشاركة بكثافة في الحياة السياسية، ما يفسّر عزوفهم عن مجمل أشكال المشاركة سياسية كانت أو ثقافية أو اجتماعية.

حملة تعزف على وتر المهاجرين

 حضور الجالية العربية والمسلمة يبدو كبيرا في الحملة الانتخابية الفرنسية، فبينما يسعى مترشّحون إلى مغازلتها قصد كسب أصواتها، جعلها البعض في قلب معركته الانتخابية موجّها إليها سهامه السامة محمّلا إياها كل المصاعب والمصائب التي يمكن أن تواجهها فرنسا، وفي مقدمة هؤلاء زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان التي أسست حملتها على معاداة المهاجرين والمسلمين بالخصوص.
إذ صرّحت في أكثر من مناسبة، بأن الخطر الأول الذي يهدد هوية فرنسا هو الإسلام والمسلمين، ولم تتردّد في الخلط المتعمد بين الإرهاب والإسلام، أو ما تسميه هي «الفاشية الإسلامية».
ونفس الخطاب لكن بحدة أقل؛ قدّمه المرشّح الأبرز لليمين الفرنسي فرانسوا فيون عندما دشّن حملته الانتخابية بكتاب جعل له عنوانا براقا: «من أجل هزيمة الشمولية الإسلامية»، قبل أن تعصف به وبحملته الانتخابية فضائح الفساد المالي.
وفي المقابل؛ دافع مرشّح اليسار بنوا هامون عن المهاجرين مصرحا بأنه يفتخر بأن يسميه منافسوه «بلال هامون» بسبب ميوله للعرب والمهاجرين. أما المرشّح الأبرز للفوز بالرئاسيات الفرنسية إيمانويل ماكرون فقد أمسك العصا من الوسط وأظهر موقفا وسطيا من المهاجرين. الأجيال العربية والمغاربية المهاجرة في فرنسا، هي اليوم  في قلب المعركة الانتخابية الفرنسية، وهذا الحضور يجب أن  يزيد وعيها بجدوى المشاركة في الفعل السياسي، أسوة بالجاليات الأخرى النافذة في فرنسا.
 وحتى يكون تأثيرها أكبر، على النخب المهاجرة تجميع الصوت الانتخابي ليصبح كتلة انتخابية ذات قيمة تجعل السياسي الفرنسي يحسب لها ألف حساب.