طباعة هذه الصفحة

مجلس السّلم والأمن الإفريقي يطــرح خارطة طريق لمتابعة القضية الصّحراوية

مفاوضات مباشـرة، تفعيـل مهمّة شيسانـو، إيفـاد بعثـة وفتـح مكتــب بالعيـون

جمال أوكيلي

«إنقلب السّحر على السّاحر»، هذا ما يمسح اليوم على المغرب عندما قرّر العودة إلى الاتحاد الإفريقي منذ تأسيسه، وغيابه عن الحضور في اجتماعات منظّمة الوحدة الإفريقية منذ منتصف الثّمانينات تاريخ دخول الجمهورية الصّحراوية إلى هذا الصّرح السياسي العتيد.
المعطيات اليوم تغيّرت رأسا على عقب، هذا البلد لم يعد خارج هذا الإطار، ممّا يصعب إلزامه بالانصياع إلى القرارات المتّخذة، وإنما بحثه عن عضوية دائمة تجبره على احترام ما يتّخذ بشأن تسوية القضية الصّحراوية. وهو الآن في ورطة كان يعتقد بأنّه حرّ من كل التزام، ويفعل ما يشاء دون أن يجد من يضع حدّا له جرّاء ما يرتكبه من حماقات سياسية بالغ فيها، إلى درجة أنّه لا يمكن السّماح له بالسّير على هذا المنوال المعجرف.
اليوم حلّ العقل محل الحماس العابر والفيّاض، أي بعد كل تلك الضجّة الدّبلوماسية المفتعلة، يوجد المغرب وجها لوجه أمام واقع آخر غير الذي رسمه في ذهنه بالتّعاون مع البعض الآخر، في تخريب الاتحاد الإفريقي،ومحو أو شطب القضية الصّحراوية من الطّرح على هذا المستوى، وما عليه كعضو قبل ووافق على العقد التّأسيسي إلاّ الإذعان لما يؤكّد عليه القادة الأفارقة بخصوص مسألة الشّعب الصّحراوي.
وحتى الآن، فإنّ المغرب في قفص الاتّهام كقوّة محتلّة لبلد إفريقي آخر، وما عليه إلاّ إبداء نيّة حسنة في الانسحاب من هذا الجزء فورا، وإلاّ فإنّه سيتعرّض لعقوبات صارمة منها تجميد عضويته إن آجلا أم عاجلا، وإبعاده ثانية عن الاتحاد نظرا لرفضه الإمتثال للقواعد السياسية المعمول بها.
وغيابه عن الاجتماع الأخير، هذا لا يعني أنّه نجا من المساءلة لا أبدا، هذا الأمر سيلاحقه مستقبلا ما دام قبل بالعودة، وفي هذا الشّأن فإنّ مجلس السّلم والأمن للاتحاد الإفريقي تحرّك في هذا الاتجاه، واتّخذ جملة من الإجراءات الحكيمة التي تندرج في إطار حل القضية الصّحراوية وفق ما ورد في اللّوائح الأممية والإفريقية، دون أي تردّد.
وبدخول المغرب إلى الاتحاد الإفريقي كقوّة محتلّة للصّحراء الغربية حاملا معه كل التّبعات النّاجمة عن مثل هذا الوضع غير الطّبيعي، فإنّه ينضوي تحت طائلة المادة الـ ٤ من العقد التّأسيسي للاتّحاد المتضمّنة التّسوية السّلمية للنّزاعات بين الأعضاء، وهذا ما يحتّم عليه الشّروع في مفاوضات مباشرة مع الصّحراويّين.
ولم يتوقّف مجلس السّلم والأمن عند هذا الحد بل توسّع في هذا الخيار عن طريق تبنّي تدابير عملية، منها تسهيل نشاط السيد جواكيم شيسانو الممثّل السّامي للاتحاد الإفريقي في الصّحراء الغربية، بالسّماح له بالتّحرّك في إطار المهام المخوّلة له، وفتح مكتب له بالعيون، لمتابعة الأوضاع عن كتب، بعيدا عن التّقارير المزيّفة الصّادرة عن المغرب الرّافض لإدراج عنصر حقوق الإنسان في مهمّة المينورسو.
وفي خضم تحمّل هذه المسؤولية الإفريقية تجاه القضية الصّحراوية، فإنّه تقرّر إرسال بعثة إلى هذا الإقليم في غضون السّنة الجارية للإشراف على عملية وقف إطلاق النّار، وإثبات حضورها كآلية سياسية ذات مهام واضحة تكون تحت إشراف تلك الشّخصية الإفريقية ذات التّاريخ النّضالي البارز في القارة، وبمشاركة كل الشّرفاء في هذه القارة الذين يدركون معنى الاستعمار.
وأمام هذه الحقائق السياسية والآجال المحدّدة من أجل الدخول في مرحلة أخرى غير التي كانت سائدة في السّابق، فإنّ المغرب وخوفا من التزامه بها فضّل مرة أخرى سياسة «الكرسي الشّاغر»، و»الهروب إلى الأمام» مثلما كان يفعله في منظّمة الوحدة الإفريقية عن اندلاع النّزاع معرقلا كل المساعي الحميدة في هذا الإطار، وضاربا عرض الحائط القرارات الأممية المطالبة بحلّ الصّراع فورا.
نفس الأسلوب يطبّقه اليوم للأسف تهرّبا من تحمّل مسؤوليته، غير أنّه هذه المرة على خطأ لا يقدّر عواقبه انطلاقا من قوّة تطبيق قرارات مجلس السّلم والأمن للاتحاد الإفريقي، الذي سيلاحقه في كل المواعيد القارية إلى غاية قبول ما طلب منه تنفيذه.
والاستراتيجية المتّبعة من الآن فصاعدا، استنادا لما ورد عقب الاتّصالات الأخيرة، هي تثمين التّنسيق بين الأمم المتّحدة والاتحاد الإفريقي وفقة رؤية واضحة ونظرة دقيقة لحيثيات الملف الصّحراوي على ضوء ما صدر من لوائح ثنائية تكون بمثابة مرجعية في إجبار المغرب على احترامها مهما كان الأمر، ولا يترك له أي مجال للتّلاعب والمناورة كما اعتاد على ذلك.
وفي هذا المجال، فإنّ الرّئيس الصّحراوي إبراهيم غالي أبلغ الأمين العام الأممي غوتيريس بآخر مستجدّات القضية، وخاصة عرقلة المغرب لأي تسوية وعدم التزامه بالشّرعية الدّولية، كما تحادث غالي مع رئيس مجلس الأمن الدولي البريطاني ماثيو ريكرونت، واستعرض معه واقع وآفاق النّزاع في الصّحراء الغربية.
هذه رسائل سياسة قوية على المغرب فهم دلالاتها وأبعادها، ولا يمارس «حركات النعامة» بعد أن أضرّ كثيرا بمبعوث الأمين العام السيد كريستوفر روس معتبرا إيّاه شخصية غير مرغوب فيها، يمنع دخول المغرب، هل هذه دبلوماسية يتصرّف بها هؤلاء؟ ناهيك عن الضّغوط التي تعرّض لها من قبل حلفاء المحتل بصياغة تقرير على المقاس يريد في مضمونها شرعية الاحتلال.
هذا الفراغ المؤسّساتي الأممي والإفريقي الذي يسعى المغرب لفرضه عنوة، لن يكتب له النّجاح أبدا، وستلفظه الأحداث مستقبلا، على أساس تعيين خليفة روس استنادا إلى وقائع جديدة، مرجعيتها قرارات تقرير المصير وليس الخزعبلات الوهمية المغربية، الوحدة التّرابية والأقاليم الجنوبية، بل هو احتلال.
ووصف الملاحظون غياب المغرب عن اجتماع أديس أبابا الأخير بالخطأ الفادح العائد إلى نقص في التّجربة الدّبلوماسية وكيفية التّعامل مع الأحداث الكبرى، والعناوين الحاضرة دوليا وقاريا، لأنّ رهانه على المساس بالصّحراويّين في هذه المحافل وهْمٌ من الأوهام الزّائلة، فهو الذي ما فتئ يتبجّح ويدّعي زورا وبهتانا بـ «العودة إلى البيت»، الذي كان يدرك أنّه يجد فيه عضو مناضل يكافح على حقوقه كفاحا مستميتا منذ مسيرة العار، التزم طيلة هذه المدة المقدّرة بعشريات على احترام الشّرعية الدولية بالرّغم من قدرته العالية وكفاءته الفائقة في تحرير بلده لاسترجاع أراضيه، غير أنّه فضّل العمل السّلمي، فكيف لهذا المحتل أن يقفز على كل هذا وذاك؟
إنّ حادثة الكركرات كان إنذارا قويّا للمغرب، وقد فهمها فهما جيّدا وكاملا على أنّ تمادي القوّة المحتلّة في تجاوز حدودها سيكلّفها ذلك ثمنا باهضا، وسيؤدّي إلى وضع سيذكر هؤلاء ما وقع لقوائم خلال حرب التّحرير الصّحراوية، من استسلام جماعي لجنودهم، ورفضهم إطلاق النّار نظرا لحالتهم النّفسية المزرية، مفضّلين الوقوع في الأسر بدلا من معاناتهم في تلك الأماكن تحت ضغط قيادتهم.
وخيار تحرير الأرض من المحتل ورقة من الأوراق الاستراتيجية الموجودة لدى القيادة الصّحراوية غير مستبعدّة للاستعمال، لاسترجاع حقوق هذا الشّعب الأبي، خاصة بعد أن أراد هؤلاء التّآمر على الصّحراويّين ومحاولة عزلهم إفريقيا.