طباعة هذه الصفحة

حتى لا ننسـى معتقلـي “إكديم إيزيك”

محاكمة سياسية بامتياز وانتهاكات صارخة للإجراءات القانونية

جمال أوكيلي

تقريـر الإحالـة مفـبرك انتـزع الإعترافــات بالقــوّة

ما يتعرّض له اليوم المناضلون الصّحراويون ضحايا التدخل الوحشي للقوّات المغربية بـ “إقديم إيزيك” بمحكمة “سالا” يثير مخاوف جديرة بأن ينتبه لها الرّأي العام العالمي، وكل القوى المحبّة للعدل والسّلم في هذه المعمورة. إنّه تحضير نفسي لإنزال أقصى العقوبات على هؤلاء الأحرار، وتسليط عليهم أحكاما قاسية جزاء دفاعهم عن وطنهم وشعوبهم جرّاء الهجمة الشّرسة لمحاولة تفكيك المخيّم، بعد فشل كل الإقتحامات الأولية وصمود تاريخي ومشهود لطلائع أفراد هذا الشّعب المكافح، الذي أحبط كل الخطط الجهنّمية التي أراد أصحابها إطفاء شعلة التحرر الوهّاجة في سماء العيون.
ما تطالعنا به المواقع “المغربية” عبر شبكة الأنترنت من تقارير وبيانات وشهادات تصب في هذا المنحى الخطير، تحمل شتى القراءات الموحية بأنّ هناك خيارا مفصولا فيه مسبقا، ولا داعي لأي نداءات أخرى صادرة عن أطراف متابعة لهذا الملف، والتي لاحظت الانتهاكات الصّارخة والإختراقات السّافرة للإجراءات القانونية المعمول بها في مثل هذه المحاكمات.
ونعني بهذا الكلام أنّ هذه المحاكمة - عفوا هذه المهزلة الصّورية - أرادها صانعوها أن تكون مشهدا لنقل صورة لا توجد إلاّ في مخيّلتهم، لن يتحقّق هدفها المسطّر والرّامي إلى إعطاء الانطباع بأنّ كل شيء تمام، وهذا الأمر مخالف للحقيقة ومناف للوقائع السّارية المفعول.
المحاكمة لا تجري في ظروف عادية كما يدّعيه هؤلاء، وإنما ما يميّز مجرياتها هو تصعيد المزيد من الضّغط ضدّ “الرّموز الصّحراويّين” لسحب منهم إعترافات لم يتحصّلوا عليها من قبل بالرغم من استعمال كل أنواع التّعذيب ضدّهم، طيلة هذا الحجز اللاّإنساني في غياهب السّجون المغربية.
والذين يريدون إخفاء حقيقة على أنّها محاكمة سياسية بامتياز فشلوا في مسعاهم هذا، مستندين إلى مفاهيم غريبة الأطوار منها “الإنصاف” و«المساواة”.
ومن جهة أخرى، يتحدّثون عن “خطورة ما جرى” في المخيّم، هذه التّناقضات المفضوحة تكشف عن نوايا الإعداد لما هو أقذر، ونقصد بذلك تجهيز الأرضية لإسدال السّتار على فصل مأساوي تجاه المناضلين الصّحراويّين، هذا ما يبحث عنه هؤلاء حاليا.
وعليه فإنّ المحكمة سياسية والمتّهمون هم صحراويون وليسوا مغاربة، وما نسب لهم لا علاقة له بالجرم بقدر ما يترجم إعتقال في حالة كفاح عن أرض والدفاع عن شعب، وهذا لا ينجر عنه متابعات قضائية بالشّكل الذي يلاحظ اليوم، بل أنّ الأمر يختلف اختلافا جذريا من باب السّعي الحثيث لمحاولة فصل القضية العادلة عن قناعات الأشخاص بإضفاء عليها الطّابع العادي، في حين أنّ المحبوسين منذ سنوات حاملين قناعة عميقة من النّضال من أجل تحرير وطنهم. وكل التّبريرات التي تسمع هنا وهناك، والتي يراد من خلالها إضفاء عليها طابع التّغطية لما يجري في قاعة المحاكمة من تكميم لأفواه الصّحراويّين، ومنعهم من أي حق خلافا لما يدّعيه متتبّعو هذه المحاكمة بأنّه مضمون ولا يسقط أبدا.
لذلك، فإنّ مغالطات كبيرة تسود أطوار هذه المحاكمة نظرا لسعي البعض لاستغلالها من أجل تلميع صورة معيّنة، يراد إستثمارها في مسالك أخرى، مطروحة على الساحة الأوروبية وأخرى إفريقية، بالادّعاء بأنّه مفتوح على كل المقاييس المتّبعة في دول الشّمال خاصة، والسّؤال المطروح في خضم هذه المسرحية لماذا نسي المجتمع الدولي هؤلاء المناضلين الصّحراويّين طيلة هذه المدة؟
المغرب على خطأ إن اعتقد بأنّها ورقة سياسية في يده يلوح بها في كل مرة، بدليل التّأجيل تلو الآخر الذي تشهده القضية، ومحاولة التستر وراء تقارير وبيانات وشهادات لإصدار أو إعلان الحكم الموجود في الأدراج..إنّها مسألة وقت فقط وإن هم بصدد انتظار نطق الصّحراويّين بالعفو عنهم من طرف “القصر”. فهذا لا يوجد في قاموس هذا الشّعب المقاتل، لأن الذين انتفضوا بـ “إكديم إزيك” كانوا من أجل طرد المحتل لأراضيهم لا أكثر ولا أقل، وقفوا كرجل واحد في وجه حملة قمعية منظّمة، استطاعوا تكسير شوكتها ولم يجدوا أمامهم سوى إشعال النّار في المخيّم ممّا أدّى إلى وقوع إصابات في وسط رجال الأمن المغاربة نظرا لعجزهم السّيطرة على الموقع، وألصق ذلك بالشّباب الصّحراوي عمدا وعنوة على أساس هم من قتلوا ذلك العدد الوارد اليوم عبر رسائلهم الإعلامية.
تقرير الإحالة المفبرك المبني على انتزاع الإعترافات بالقوة مرفوض جملة وتفصيلا من قبل الصّحراويّين، كونه مليء بالمغالطات، والأخطاء الفادحة في الجيشان شكلا ومضمونا ولا يمكن أبدا أن يبنى عليه أي حكم عادل ومنصف.
لذلك تبقى القضية في إطارها النّضالي أي السياسي المحض، والإدعاء بإخراجها من نطاقها العسكري. هذا ذر الرّماد في العيون، ومخادعة الآخر ومرواغته والتّلاعب بمشاعره، ومن يعتقد بأنّ هذا التحوّل المزعوم يحسب له كنقاط، فهذا دليل قاطع على أنّه لا يفقه أي شيء في مثل هذه الأشياء لا يكون أي منطوق حكم دون إملاءات الجهات العسكرية المشرفة على الملف. وما يجري اليوم هو السّعي لمحاولة بناء رأي عام أوروبي، وخاصة إفريقي لجلب المزيد من الأنظار إلى هذا البلد بعد كل الفشل السياسي الذي مني به في القارة، وفي الدول الغربية الأخرى التي تطالبه بتقرير مصير الشّعب الصّحراوي كانت آخرها روسيا، التي ألحّت عليه باحترام الشّرعية الدولية بعد زيارة وفد صحراوي إلى موسكو وإفريقيا، فإنّ تلك الرّسالة لن تمر بعد قرارات مجلس السّلم والأمن التّابع للاتحاد بالتّضييق على المغرب، وإجباره على تطبيق ما تمّ الاتفاق عليه بأديس أبابا مؤخّرا، وهذا بدخوله في مفاوضات مباشرة مع جبهة البوليساريو وتفعيل مهمّة الممثل السّامي جواكيم شيسانو، وفتح مكتب دائم له بالعيون.
اليوم المشهد واضح مهما تكن المناورات القائمة على قضية معتقلي “إكديم إزيك”، فإنّها لا تلغي أبدا إرادة الصّحراويّين في مواجهة الاحتلال، وكذلك لا تستطيع تلك القوّة المحتلة إخراج طبيعة ما حدث عن مساره النّضالي البحت.
والجهات التي يعطي لها المغرب الكلمة لتتحدّث عن هذه القضية منتقاة بدقّة، تقول كلاما غير مسؤول ينم عن جهل فاضح، وانحياز أعمى لا يخدم أي مسعى في هذا الشّأن.
فجمعية ترقية الحريات الأساسية الفرنسية سقطت في مطب تحليل تافه وغير واقعي، مدوّنوه تجاوزتهم الأحداث ممّا صعّب عليهم التكيف معها كما هي في الواقع اليومي، فالنّظرة باتجاه زاوية واحدة يفقدها المصداقية وتحوّلها إلى مدافع عن الظّلم يخرجها عن منظومة القيم المؤطّرة للعدالة الحقّة، وتبنيها شهادة زور يؤدّي بها إلى الانهيار والزّوال، هذا هو مصير الجمعية التي تريد التّغطية على الحق ضد أناس أبرياء.