طباعة هذه الصفحة

انقلب على مواقفه وأصدر قرارات مباغتة

ترامب يتخذ من المفاجأة والغموض منهجا للسياسة الخارجية

حمزة محصول

يقترب دونالد ترامب من إتمام 90 يوما بمكتب البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، مستقطبا اهتمام الرأي العام العالمي لكل خطوة يخطوها. وإن لم يظهر الشيء الكثير على الصعيد الداخلي لبلده، فقد خلفت قرارته في ميدان السياسة الخارجية جدلا واسعا وتساؤلات حول التوجه الحقيقي الذي يسلكه.
تطرّقت وسائل الإعلام العالمية مطلع الأسبوع الجاري، إلى مسألة الحماية الشخصية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأفراد عائلته، وقالت أنها مهمة متعبة كثيرا لأفراد الحرس السري وباهضة التكلفة، واعتبرت أن «تباهي ترامب بالتحرك المفاجئ والمباغت من مكان لآخر»، يزيد من حجم الصعوبة.
ويبدو، بعد قرابة 3 أشهر من توليه مقاليد الحكم بشكل رسمي، أن ترامب لا يتخذ من «المفاجأة» سلوكا في تنقلاته الميدانية فقط، وإنما أسلوبا في إدارة شؤون أمريكا وبالأخص ميدان السياسة الخارجية، مثيرا بذلك حيرة وتساؤلات لدى مكاتب الدراسات الاستراتيجية القريبة من المؤسسات الرسمية الأمريكية.
لقد كان غالبية المرافقين لدونالد ترامب في حملته الانتخابية يدركون جيدا حجم التحديات والعقبات التي ستعترضه لترجمة أفكاره الانعزالية والتعصبية إلى أفعال، لكن أكبر المتشائمين لم يكن يتوقع أن ينقلب على مواقفه وأبرز تصريحاته وأكثرها أهمية بهذه السرعة.
ولم يمض ترامب إلا أسابيع قليلة في سدة البيت الأبيض، حتى بدأت تصوراته تجاه حلف الناتو، روسيا، سوريا والصين تجد طريقها نحو سلة المهملات، ويقدم على قرارات غير متوقعة كانت نتيجتها الأولى «زيادة حدة التوتر بشكل غير مسبوق بين القوى الكبرى».
الظروف تتبدّل
التحول اللافت في سياسة ترامب الرئيس، كانت وجبة دسمة للإعلام الأمريكي، الذي مارس ضغوط شرسة عليه بعدما كان خصمه الأول، حيث أسهبت كبريات المؤسسات الإعلامية في تحليل مواقفه وقرارته والمغزى الذي تحمله.
ولم يجد المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، للإجابة على سؤال لشبكة «السي آن آن»، حول تغيرات مباغتة في سياسة ترامب إلا القول: « إن الظروف تتبدّل». فهل يقصد بالظروف التغييرات الحاصلة على الساحة الدولية تزامنا مع وصوله للحكم؟ أم أنها الفارق الشاسع بين أن تكون مرشحا أو رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية؟
إن التسليم بالفرضية الأولى لن يحمل الجواب الكافي ولا المبررات اللازمة التي تدفع الرئيس الملياردير إلى الانقلاب على آرائه بشكل حاد وسريع، فالساحة الدولية لم تسجل أشياء كبيرة مختلفة عن الأشهر الأخيرة لفترة أوباما، ماعدا التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية، وحادثة استخدام السلاح الكيماوي بخان شيخون التي لا تزال غامضة، وهي ليست بالأمور الجديدة.
وتبقى الفرضية القائلة «بأن جلوس الرؤساء بمكتب البيت البيض يجعلهم ينظرون إلى الأمور بعين مختلفة»، الأقرب إلى الواقع، ما يعني أنه مكمن الاختلاف والغموض الذي يخيم على إدارة ترامب الحالية نابع من الداخل وبالضبط المعطيات التي فرضت عليه من مؤسسات متجذرة النفوذ والقوة إلى جانب إدراكه مدى حيوية المصالح التي تربط بلاده بالحلفاء التقليديين.
الشعيرات نقطة التحول
بعد حادثة غاز السارين بخان شيخون، انتفضت وسائل الإعلام الأمريكية ومارست ضغوط كبيرة على ترامب كي يوجه ضربة عسكرية على سورية، وعنونت إحدى الصحف مقال لها قائلة «هل سيصبح ترامب رئيسيا للولايات المتحدة الأمريكية؟» معتبرة أن شنّه لهجوم عسكري بسوريا هو ما سيجعل منه كذلك.
لقد اصطفت كبريات الجرائد والقنوات خلف ترامب بعد قصفه مطار الشعيرات في السابع أفريل الجاري، وطوت سريعا خصومتها معه وتناست سخريته المستمرة من مدى نزاهتها ومصداقيتها، ما يؤكد أن شعار «أمريكا أولا»، وإصراره على إلغاء قانون الرعاية الصحية لسلفه أوباما وقرار حظر الهجرة لستة دول إسلامية، لا يحظى بأي اهتمام لدى صناع الرأي العام الأمريكي، وأن «كاريزما» الرئيس الحقيقي ترتبط بالسياسة الخارجية القائمة على الردع والتفوق العسكري وعدم إخلاء المساحة للدب الروسي على مسرح الأزمات.
وربطت أغلب الاستنتاجات، قصف مطار الشعيرات بشكل استعراضي، بتفوق تيار الهيمنة الممثل لما يسمى «بدولة الأمن الوطني»، والذي يضع السيطرة على العالم مهما كانت التكلفة والتبعات هدفا دائما ورئيسيا.
ومنذ قصف سوريا، زالت الاتهامات المتبادلة بين الرئيس الأمريكي وأجهزة المخابرات بشأن الاتصالات مع روسيا وتدخل الأخيرة في الانتخابات الرئاسية عبر القرصنة الإلكترونية ما يفهم منه أنه تمّ التوصل إلى «تسوية  الخلافات بطريقة ما، على طاولة الأزمة السورية».
ورغم الأضرار المحدودة جدا، للضربة الجوية على مطار الشعيرات بحمص، كان دونالد ترامب المستفيد الأكبر من أهم قرار يتخذه منذ وصله البيت الأبيض، حيث نجح في احتواء أزمته الداخلية مع اللوبيات الرافضة لأي تقارب مع روسيا أو التنازل عن شبر يسمح لها بالتحرك بأريحية في سوريا، وظهر أمام الرأي العام بصفة «القائد الحازم الذي لا يتردد في اتخاذ القرارات الصعبة ويمارس سلطته الكاملة على مؤسسة الجيش».
ولم يتوقف ترامب عن  قراراته المفاجأة والاستعراضية عند قصف سوريا، حيث أمر باستخدام أقوى قنبلة غير نووية في أفغانيستان (أم القنابل) وأرسل سفنا حربية لسواحل كوريا الشمالية للتعامل «بشكل انفرادي إذا لزم الأمر مع استفزازات بيونغ يونغ» مثلما قال.
وجه الغموض؟  
تراجع ترامب عن كثير من التصريحات، التي أدلى بها سابقا بخصوص الحلف الأطلسي وموقفه من الرئيس بشار الأشد وروسيا والصين.
 وبعدما وصف الناتو «بالحلف الذي عفا عنه الزمن» عاد وقال «أن نظرته تغيرت تجاهه ولا بد من الحفاظ عليه»، وأدرج رحيل الأسد ضمن أولويات بلاده في سوريا بعدما أظهر موقف لينا تجاهه في البداية.
وانتقد في أكثر من مناسبة مواقف روسيا من الأزمة السورية بعدما اعتبر سابقا أن بوتين» يمكن أن يكون شريكا جيدا لأمريكا» ووضع الصين في قلب استراتيجية التنمية الاقتصادية.
ويضاف إلى هذه الخرجات، التناقض الواضح في التعامل مع الجماعات الإرهابية الموزعة بين سوريا، العراق وأفغانيستان، فقد استخدم «الطوماهوك» لقصف الجيش السوري ولم يفعل كذلك مع جماعات إرهابية متحالفة واستخدم «أم القنابل» لقصف أنفاق داعش في الجبال الأفغانية ولم يستخدمها في الموصل والرقة حيث تتحصن الرؤوس الكبيرة لهذا التنظيم الإرهابي، وهدّد بكبح جماح كوريا الشمالية ومغامراتها مع الصواريخ الباليستية منفردا.  هذا التباين في مواقف دبلوماسية ترامب، خلف حالة «غموض» تجعل من توقع خطواته المقبلة أمرا صعبا ويقود إلى 3 استنتاجات رئيسية:
عبر كاتب الافتتاحية في صحيفة نيويورك تايمز، الصحفي الشهير توماس فريدمان، عن الاستنتاج الأول عندما نصح ترامب في إحدى مقالاته «بعدم القسوة مع تنظيم داعش الإرهابي في سوريا ودحره في العراق»، موضحا «أن تنامي قوة هذه الجماعة الإرهابية يمكن أن تكون العامل الحاسم في دفع الرئيس السوري إلى الرحيل بعد استنزاف قوته» مذكرا بنجاح التجربة سنوات الثمانينات في أفغانستان عندما دعمت المخابرات الأمريكية حركة طالبان ضد قوات الجيش السوفياتي سابقا. الاستنتاج الثاني، يتمثل في حرص ترامب على طمأنة الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية الذين كانوا في حالة ارتياب كبيرة لدى وصوله إلى السلطة، لكن إدراكه لمدى الروابط والمصالح التي تجمع بلاده بهؤلاء دفعه للتحرك عسكريا ضد النظام السوري، لكبح تفوقه على المعارضة المسلحة والجماعات الإرهابية.
ورفض ترك كوريا الجنوبية واليابان يصرعان لوحدهما، استفزازات زعيم كوريا الشمالية، وقرر نشر نظام صواريخ «ثاد» والتهديد باستخدام القوة ضد بيونغ يونغ.
وحرص في المقابل على ربط علاقات اقتصادية جيدة مع الصين، لإنعاش الاقتصاد الأمريكي والاستجابة لمطالب الطبقة العمالية.
الاستنتاج الثالث، يتعلق بالرغبة في استعادة هيبة الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد الخارجي، والتي تعتقد فئة واسعة من النخبة الأمريكية أنها تراجعت في السنوات الأخيرة للرئيس أوباما أمام تصاعد نفوذ روسيا، ويمكن تحقيق ذلك فقط من خلال عنصر المباغتة والمفاجأة في اتخاذ القرارات الحساسة.