طباعة هذه الصفحة

الأطماع السياسية المغربية تسقط في مجلس الأمن

دعوة صريحة لاستئناف المفاوضات مع جبهة «البوليساريو»

جمال أوكيلي

رفض قاطع للطّروحات التّوسّعية والصّيغ البالية

مغالطات سياسية مفضوحة وأراجيف غير مسبوقة يروّج لها عمدا المسؤولون والإعلاميّون وما يسمى بالمحلّلين المغاربة تجاه لائحة مجلس الأمن حول الصّحراء الغربية، محاولة منهم لتحريف مسارها الدّاعي إلى دعم مبادرة استئناف المفاوضات الثنائية، والتّنديد بمواصلة المغرب عرقلة جميع المساعي السّلمية الرّامية إلى تسوية عادلة ودائمة.
هؤلاء المغاربة فتحوا جبهة من الهيستيريا والأحاديث المشحونة، والكلام المتشنّج، والأكثر من هذا غير المسؤول الصّادر عن أناس ستلاحقهم لعنة الجنون والسّقوط في اللاّمعقول إن تمادوا على هذا النّحو عند ذكر الشّعب الصّحراوي والجزائر.
هذه المعاينة الأولية وردت مباشرة عقب ما أقرّه مجلس الأمن من المصادقة بالإجماع على اللاّئحة ٥١٢٣ المتضمّنة تمديد عهدة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصّحراء الغربية (المينورسو) إلى غاية تاريخ ٣٠ أفريل ٢٠١٨.
وتولّد عن هذه اللاّئحة هجمة سياسية وإعلامية منظّمة، يتقاسم أصحابها الأدوار المكشوفة، يتخبّطون خبطة عشواء إلى درجة لا يدركون ما يقولون، بسبب الخلط وعدم فهمهم لما يتوارد على أذهانهم من أفكار مبهمة تحوّلت إلى طلاسم، من شدة الشّرح المبتور الحامل للعقلية المتطرّفة، والغلو غير المحدود تجاه الآخر، هذه الصفة تمسح على كل الذين أسندت لهم مهمّة الحديث عن آخر تطوّرات القضية الصّحراوية.
هذا هو المشهد السياسي والإعلامي اليوم في المغرب، الأولوية فيه لإلحاق الضّرر المادي والمعنوي بالآخر، وإلصاق تلك التّهم الباطلة بالصّحراويّين والجزائريّين، إلى حد لا يمكن تصورّه حتى يعطوا الانطباع بأنّهم في موقف معين، في حين أنّ اللاّئحة هزّتهم جميعا، وأثّرت فيهم تأثيرا مباشرا، وألا كيف نفسّر هذا التّحامل وغياب العقل في مثل هذه الظّروف التي تستدعي استحضار الحكمة والثّبات والرّزانة، والتّوازن النّفسي، هذا كلّه للأسف لم نلاحظه عند هؤلاء.
وضمنيا، فإنّ المغاربة يرفضون رفضا مطلقا ما أوصى به مجلس الأمن من إعداد الأرضية اللاّئقة للشّروع في المفاوضات وفق المرجعيات الأممية والشّرعية الدولية، وهي رسالة واضحة المعالم لا غبار عليها.
وقد يخطئ المغاربة إن اعتقدوا بأنّ اللاّئحة السّالفة الذكر لا تعنيهم وإنما متوجّهة للصّحراويّين فقط، وهذا عندما يثيرون مسائل تتجاوزهم بكثير، وكأنّها مكسب لهم في حين أنّهم طرف في هذا النّزاع وقوّة محتلّة تخضع لتلتزامات لا مفرّ منها تقع تحت طائلة اللّوائح والقرارات الإلزامية الأممية.
هذه القراءة الخاطئة ستكلّفهم ثمنا باهضا إن تمادوا في تزييف الحقائق السّاطعة ومحاولة الخروج عن الخط الذي سطّرته الأمم المتحدة، ورسمته تضحيات الشّعب الصّحراوي، وعلى الذين يشجّعون هذا البلد على التّصرف وفق ما يحلو له ضاربا عرض الحائط بما يصدر عن المنتظم الدولي، إنما هم بصدد عرقلة التّسوية المطلوبة، المبنية على النّوايا الحسنة.
والذي يربط المفاوضات بخزعبلات الحكم الذّاتي، إنما ارتكب خطأ لا يغتفر هو تعدي صارخ على مضمون وروح اللاّئحة، أغلق أبواب الحوار في الوقت الذي تمّ تعيين فورست كولر مبعوثا جديدا في المنطقة، فهل سيستقبله هؤلاء أم يعتبرونه شخصية غير مرغوب فيها، كما كان الحال مع روس!؟
أكذوبة تاريخية
ما يسمّى بـ «الحكم الذّاتي» هو أكذوبة تاريخية مثله مثل «الأقاليم الجنوبية المزعومة» و»الرّوابط التّاريخية» و»الجهوية المتقدّمة» وغيرها من الشّعارات البرّاقة التي ولدت ميّتة، ولم يعد لها أي تأثير يذكر، ماعدا لدى الذين يحلمون بها، وهذه «الصّيغة» الفاشلة المسوّقة زورا وبهتانا أصبحت اليوم تعرقل أو عرقلة لأي مسعى مستقبلي، كيف يعقل أن يتم التّفاوض في إطار هش، عندما ثار الصّحراويّون منذ مسيرة العار، واندلاع العمل المسلّح ضد الغزو المغربي، كان ذلك من أجل الأرض أي استعادة الوطن، ومسيرة الكفاح طيلة هذه العقود من الزّمن هو لاسترجاع الصّحراء الغربية لا غير، ولم يكن ذلك من أجل «الحكم الذاتي» إن استمرّ المغرب في هذه التّلاعبات والإكراهات تجاه المجموعة الدولية المطالبة بحلّ عادل ودائم، فإنّه من حق القيادة الصّحراوية لها خياراتها المتنوّعة منها العودة إلى الكفاح المسلّح أمام هذا التّعنّت، وهذا ما يعرف بالرد بالمثل، كون جبهة البوليساريو ما فتئت تبدي استعدادها الكامل من أجل التّعامل مع الشّرعية الدولية، هذا لا يعني أبدا بأنّه ضعف وإنما يترجم سداد الرأي عنذ الصّحراويّين.
هذا الهذيان المغربي ذهب إلى مسائل لا تعنيه أبدا، وهذا بالمطالبة بإحصاء اللاّجئين الصّحراويّين في تندوف، من خوّل له هذا الحق في مطلب كهذا؟ ولماذا يبحث عن عدد الصّحراويّين في المخيّمات؟ في الوقت الذي توجد آلية مكلّفة منذ الوهلة الأولى بتنظيم الإستفتاء سارع إلى طرد المكوّن المدني الذي تشكّله ليتراجع فيما بعد بالسّماح لهم بالعودة، لماذا الإحصاء يا ترى؟
هذه الحيلة السياسية التي ينسج خيوطها البعض لا تنطلي على أحد، ومن السّابق لآوانه الحديث عن هذه العملية ما دام هناك فراغ، ونعني بذلك أنّ المغرب يرفض كل ما يأتيه من الآخر، ويفضّل طروحاته البالية فقط، هل هناك مفاوضات مرتقبة؟ هل هناك استفتاء قادم؟ لماذا الإحصاء يا ترى؟ لن يكون هناك أبدا تعداد للصّحراويّين في المخيّمات طال الزّمن أم قصر، ما دام ليس هناك ضمانات قوية لطرد هذا المحتل وغياب مواعيد سياسية جادّة تشكل منظومة متكاملة لتصفية الإستعمار من هذا الإقليم.
ويرفض الصّحراويّون رفضا قاطعا أن يواصل المغرب التلويح بهذه الورقة ذات الطابع المناوراتي.
عندما طرح هذا الملف في بداية «النّزاع» كان العدد ثابتا في سقف معين لإعداد قوائم المسجّلين، غير أنّ المغرب أراد التّحايل في هذا الشّأن بإضافة المشاركين في مسيرة العار، أي حاول إدخال أناس غرباء غير صحراويّين إلى تلك السجلات، غير أنّ الطّرف الصّحراوي اعترض على ذلك وقرّر توقيف العملية التي أسندت إلى الشّيوخ وكبار السن، الذين لهم دراية واسعة بالتّركيبة البشرية للمجتمع الصّحراوي، وهذا عندما لاحظوا تسريب أفراد وعناصر لا علاقة لهم بالصّحراء الغربية.
اليوم تغيّرت الأوضاع رأسا على عقب، بعد كل هذه العشريات التي تجاوزت الـ ٤٠ سنة، وتطوّر المجتمع الصّحراوي  بشكل ملحوظ على جميع الأصعدة منها نشاط المؤسسات الصّحراوية التي بحوزتها القرارات الحاسمة والفاصلة القادرة على صناعة مستقبل هذا الشّعب، ولا تترك أي واحد إحلال محلّها في التكفل بالقضايا المصرية المتعلّقة بالوطن، كل من يريد أي شيء يخص هذا الشّعب ما عليه إلاّ التوجه إلى القيادة الصّحراوية عنوانها معروف، ممثليها الشّرعي والوحيد جبهة البوليساريو، أما الحسابات الأخرى فلن تعمّر طويلا.
موقف صحراوي حكيم
ويجب أن ننبّه في هذا الإطار، بأنّ اللاّئحة المذكورة سالفا لم تأت من أجل الكركرات كما أراد البعض إعطاء الإنطباع في أول الأمر، بناء على شروط مسبقة وتعجيزية أراد هؤلاء فرضها على القيادة الصْحراوية من أجل فسح المجال لخطوات أخرى، وهناك من ذهب إلى تحديد آجال ٣٠ يوما قصد تسوية هذا الوضع، وقد انكشفت الأطراف التي كانت تضغط بشكل غريب قصد تمرير النص المعد سلفا، إلاّ أنّ روسيا والأروغواي اعتبرته بغير المتوازن، لذلك أجّلته إلى غاية الجمعة محبطة كل هذه المناورات الرامية إلى تمرير أشياء خلسة لا تدرك تداعياتها الخطيرة إن ظهرت في فقرات اللاّئحة.
وجاءت رسالة جبهة البوليساريو منسجمة مع التوجه القائم على إزالة أي انسداد يعطّل الأشغال، وهذا بإعادة نشر قواتها بالكركرات استجابة لدعوة عديد البلدان الصّديقة، والتزام الأمين العام للأمم المتحدة المتضمّن في تقريره المؤرّخ في ١٠ أفريل ٢٠١٧، حول التّعجيل في توفير الشّروط العامة، من حيث التطابق مع رسالة وروح الاتفاق العسكري رقم ١ المؤرخ في ١٩٩٧ بالكركرات، وكرد على الانتهاك الخطير لهذا الاتفاق من قبل المغرب في ١١ أوت ٢٠١٦، وهذا في منطقة عسكرية يمنع فيها أي نشاط مدني. ونشير هنا إلى أنّ المغرب بفضل الدعم الفرنسي أفشل اقتراح إرسال لجنة تقنية ميدانية لدراسة أسباب انتهاك وقف إطلاق النار لكشف حقيقة ما جرى بعيد عن الدعاية المغربية المغرضة، وخوفا من إضفاء الشّرعية على عمل القيادة الصّحراوية التي واجهت بنجاح كل هذا التآمر، لذلك فإنّ المغرب أمام المحك في التزامه بتطبيق ما طلب منه سياسيا خاصة استئناف مسار المفاوضات، وكل هذه الضجة المفتعلة من أجل التهرب وربح المزيد من الوقت، فهو لا يريد الحل النّهائي الذي أقرّته الشّرعية الدولية.