طباعة هذه الصفحة

جهود دولية وإقليمية لتحريك مسار الحل

التّسوية يجب أن تكون مستندة إلى حوار ليبي – ليبي

فضيلة دفوس

لا شك أنّ الأزمة اللّيبية ماضية إلى الحل أو على الأقل بات طريق تسويتها واضحا ومعبّدا، خاصة بعد اللّقاء التّاريخي الذي جمع بداية الشّهر كلا من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، والقائد العام للجيش الوطني الفريق خليفة حفتر.
فهذا اللّقاء الذي تمّ انتظاره طويلا، أشاع أجواء من التّفاؤل بإمكانية تحقيق اختراق حقيقي لحالة الجمود السياسي التي تعيشها ليبيا منذ أكثر من عامين، وعزّز الجهود التي تقودهاأكثر من دولة تتقدّمها الجزائر لتقريب وجهات نظر الفرقاء في ليبيا، ودفعهم إلى الانخراط في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة دون تأخير، فكلّ وقت ضائع سيعمّق الأزمة ويفتح أبواب جهنّم على ليبيا والمنطقة بأسرها.
لقاء السراج بحفتر - الذي رحّبت به المجموعة الدولية بأسرها - حمل على ما يبدو مفتاح    تسوية المعضلة اللّيبية المتفاقمة، ولأول مرة منذ ست سنوات يتجلّى بوضوح أنّ إجماعا دوليا -بالفعل لا بالقول - تحقّق حول استعجال الحل السّلمي واستبعاد الخيار العسكري تماما، وضمن هذا السياق احتضنت الجزائر أمس الأول الاجتماع الوزاري الـ 11 لبلدان جوار ليبيا، الذي بحث تطوّرات الأزمة اللّيبية وتداعياتها الأمنية على المنطقة فضلا عن مسار الحل السياسي، ولأجله قام وزير الشّؤون المغاربية والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية عبد القادر مساهل بداية الأسبوع، بزيارة قادته إلى مدن ومناطق جنوب ليبيا بعد تلك التي قادته إلى مدن شرقها، وهذا في إطار الجهود الجادة التي تبذلها الجزائر لإقناع الإخوة الفرقاء بالجنوح إلى السّلام وإيجاد أرضية تفاهم يقدّم فيها كل طرف التّنازلات المرجوّة في سبيل تحريك قاطرة السّلام، وإبعاد شبح الحرب الأهلية الذي أصبح يحوم في الأجواء.
ذوبان الجليد
أهمية لقاء الفريق حفتر برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج  في حلحلة الأزمة اللّيبية، نستشفّه من خلال التفاهم الذي توصّل إليه الرجلان والذي تضمّنه بيان أصدرته حكومة الوفاق، شدّد على السعي الجدّي لتحقيق تسوية سلمية للأزمة الليبية، والعزم على تهيئة الظروف لبلوغ ذلك.
وفيما لم يشر البيان إلى الاتفاق على بنود محدّدة، فإنّ السراج أشار إلى التأكيد على عدة بنود من بينها «الدعوة إلى حوار مجتمعي موسّع لترسيخ الثوابت الوطنية وتأصيل فكرة بناء الدولة الديمقراطية المدنية، والعمل على تسريع  الاستحقاق الدستوري لتجاوز المرحلة الانتقالية في أسرع وقت ممكن».
وأشار البيان أيضا، إلى أنّ الطرفين أكّدا ضرورة عودة المهجَّرين والنّازحين وتحقيق المصالحة الوطنية الشّاملة، ولمّ شمل الوطن وتوحيد مؤسسات الدولة في إطار الشّرعية والقانون.
كما ذكر بأنَّ المناقشات تطرَّقت إلى ضرورة السّعي لإيجاد حلول على المديين القريب والمتوسط للمشاكل الاقتصادية والمالية التي يعانيها المواطن وأنهكت كاهله، والبدء بمشاريع إعادة الإعمار في كافة الأماكن المتضرّرة.
كما بحث الطّرفان وضع استراتيجية كاملة لتطوير وبناء الجيش اللّيبي الموحّد وفق أحدث المعايير والمواصفات، والتّأكيد على انضواء المؤسّسة العسكرية تحت السّلطة المدنية.
اجتماع السراج وحفتر، أكّد ضرورة توحيد الجهود والإمكانات لمحاربة التّنظيمات الإرهابية، حسبما ورد في الاتفاق السياسي الليبي، والقضاء عليه فكريًّا وعسكريًّا، وتهدئة الأوضاع في الجنوب الليبي ونزع فتيل الأزمة من أجل لمّ شمل كل الليبيين، كما تطرّق الطرفان لاتخاذ التدابير التي تضمن التداول السلمي للسلطة، وانتهاج مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد في كل هيئات ومؤسسات الدولة.
هذا وأشارت بعض المصادر، إلى أنّ اللّقاء تمخّض عنه اتفاق على تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس العام 2018.
جهود على أكثر من جبهة
ملامح الانفراج في ليبيا لا نستشفّها من لقاء رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج بالفريق خليفة حفتر فقط ، بل بلقاءات جمعت عدة شخصيات فاعلة على الساحة الليبية، كالذي ضمّ قبل أسبوعين رئيسي مجلس النواب عقيلة صالح، ومجلس الدولة عبد الرحمن السويحلي، واعتبر  هو الآخر خطوة في اتجاه تذويب الثلج بين  الفاعلين الذين يتحكّمون بمفاتيح الحل السلمي.
كما استقبل عقيلة صالح، مبعوث الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مارتن كوبلر بمدينة القبة غرب طبرق، وبحث اللّقاء مسألة  المضي قدمًا في العملية السياسية، وبعده استقبل صالح وزير الخارجية البريطاني الذي دخل هو الآخر على خط الأزمة في محاولة لدفعها نحو الحل، تماما كما فعل نظيره الإيطالي، ما يعكس الاجماع الدولي المتزايد  لمرجعية الاتفاق السياسي الموقّع في ديسمبر 2015 برعاية الأمم المتحدة.
ويتجلّى واضحا أنّ اللّقاءات التي تعقد مع عقيلة صالح، يكون هدفها إقناعه بضرورة تزكية حكومة الوفاق الوطني التي لا زالت تبحث عن الثّقة لدى البرلمان الذي ما زال يتعنّت في الاعتراف بها، مع أنّ العالم أجمع يقرّ بأنّها الحكومة الشّرعية في ليبيا.
 الحلّ بيد اللّيبيّين
كثرت الأطراف السّاعية إلى حلّ الأزمة الليبية، وتعدّدت مبادرات التسوية، لكن رغم ما تحمله هذه الجهود والمبادرات من أفكار ومحفّزات للخروج الى برّ الأمان، فالمؤكّد أنّ لا سلام في ليبيا إلاّ بإرادة أبنائها أنفسهم، وأي تسوية تضمن الاستقرار يجب أن تكون نابعة ومدعومة من قبل الليبيين أنفسهم ومستندة إلى الحوار الليبي – الليبي، فما «حكّك غير ظفرك «، كما يقول المثل العربي.
إنّ المسؤولية في البداية والنهاية تقع على عاتق  الليبيين للخروج من المأزق الذي دخلوه، وأدخلوا المنطقة فيه، وعلى المجتمع الدولي المساعدة على رأب الصّدع من خلال تجنب خلق وتعزيز الانقسامات في ليبيا، والعمل عوضاً عن ذلك على تشجيع الليبيين على المزيد من التعاون والوحدة والتوافق.
بهذه الخطوات فقط يمكن حفظ السيادة الوطنية للبلاد وصيانة الأمن وتوحيد الجيش، وتمكينه من أداء مهامه في محاربة الارهاب وتنظيماته الدموية التي استغلت التوتر الذي تعيشه ليبيا مند سقوط النظام السابق، وجعلت منها قواعد لاستقرار الدمويين، تجنيدهم وتدريبهم.
ولابد للّيبيّين أن يقتنعوا بأنّ طريق الخلاص الوحيد هو المصالحة، فكلّ الأزمات طال أمدها أو قصر تنتهي بلقاء الفرقاء حول طاولة حوار واحدة تفضي إلى حلّ ينقذ البلاد والعباد.
مؤشّرات الانفراج ـ كما سبق وقلنا ـ واضحة في ليبيا، نتمنّى فقط أن تستعجل التّحرّكات الدولية الحلّ السّلمي، وتنهي الكابوس الذي وضع المنطقة على صفيح ساخن، والأكيد أنّ اللّيبيين سيجدون في الجزائر خير رفيق، وأنزه وسيط لمساعدتهم على تجاوز خلافاتهم واختلافاتهم، وإقرار السّلام  والانطلاق في بناء الدولة التي حلموا ببنائها لماّ قرّروا القطيعة مع النّظام السّابق قبل ست سنوات.
وبدون أدنى شك، فإنّ الوساطة الجزائرية المحايدة المدفوعة برغبة واحدة ووحيدة وهي إعادة الأمن والاستقرار للشّقيقة ليبيا، ستحقّق النّجاح المرجو كما حقّقته في مالي، وقبلها بسنوات بين العراق وإيران.