طباعة هذه الصفحة

المؤرخ د.محمد الأمين بلغيث لـ”الشعب”:

أقليـة الروهينغا تتعــرض لتطهــير عرقي شبيــه بمـا جــرى في كوسوفـو

@ حاوره: حمزة محصول

يقف أستاذ التاريخ، البروفيسور محمد الأمين بلغيث، عند الجذور التاريخية للمأساة الإنسانية الحاصلة في منطقة ميانمار ضد أقلية الروهينغا المسلمة، ويؤكد أن خلفيات دينية واقتصادية وإستراتيجية غذت عمليات التطهير العرقي التي تطالها منذ عقود.
- الشعب”: ماهي الجذور التاريخية، لهذه المأساة الإنسانية التي تستهدف أقلية مسلمة في ميانمار منذ عقود؟
 د.محمد الأمين بلغيث: تاريخيا، المنطقة كانت تابعة لسلطة سياسية إسلامية عليا إسمها “منطقة جبل أراكان”، وهذه الأقلية هي جزء من المكون الاجتماعي لدولة بورما الحالية.
والمتغيرات الديمغرافية والسياسية والاقتصادية كانت قد بدأت تقريبا منذ القرن 18، وبالضبط منذ بداية ظهور شركة الهند الشرقية التي أسستها هولندا في شبه القارة الهندية، والمرض الذي أصابها، في الحقيقة يعود إلى ما أحدثه الاستعمار الحديث البرتغاليون والاسبان وبعد ذلك الانجليز.
والمثال الواضح على أن المسلمين في المنطقة كانوا نخبة سياسية واقتصادية، هو في بلاد الهند. هذه الأخيرة، ومنذ تأسيس ما سمي دولة القبيلة الذهبية، كانت مسيطرة على شبه القارة الهندية وكانت هذه الشعوب المنغولية المسلمة تمثل الأقلية داخل أغلبية بوذية والأقليات التي تعتنق البراهمية.
وبالتالي مسملو الروهينغا، كانوا يشكلون نخبة سياسية علمية وثقافية وكانوا يسيطرون على الاقتصاد، ويتذكر الجميع “تاج محل” بها رموز الحضارة الاسلامية في الهند وإنجازات العنصر المغولي الذي سيطر على جنوب شرق آسيا إلى غاية منطقة كييف.
والمسلمون في آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا كان لهم اتصال كبير بمنطقة بورما إلى غاية القرن 19.
ولما جاء الانجليز في هذه الفترة وسيطروا على شبه القارة الهندية، واقتربوا من حدود الامبراطورية الروسية، بدأت التغيرات حيث راهنوا على البوذيين والبراهمة والوثنيين لما رأوا أن الاسلام ينتشر بسرعة كبيرة في المنطقة والجزر المحيطة بها (ماليزيا، إندونيسيا) التي تشكل عنصر جذب للشعوب الآسياوية بصفة عامة.
وقع في المنطقة انقلاب سنة 1822، على الديمغرافية والوضعية الاقتصادية والسياسية، حين سلمت السلطة إلى قبائل وثنية، تناهض اجتماعيا ودينيا وثقافيا وسياسيا مملكة أراكان المسلمة، التي كانت بيدها السلطة السياسية في البلاد.
وبريطانيا عند بداية اضمحلال امبراطوريتها، سلمت السلطة السياسية إلى غاندي بدلا من علي جناح الذي يمثل التيار الإسلامي المشكل للحركة الوطنية في شبه القارة الهندية.
ومن هنا بدأ الصراع وبدأت مأساة أقلية الروهينغا المسلمة مع الغالبية الوثنية والبوذية في بورما، وأصبحت شعبا مضطهدا وبالأخص منذ سنوات الثمانينات، وتعرضت لعملية تطهير شبيهة بما وقع في كوسوفو يوغوسلافيا .
-هناك من يصف الأعمال الوحشية ضد هذه الأقلية بأنها حرب دينية تستهدف أقلية مسلمة، هل هناك خلفيات أخرى؟
 الغاية الأولى من عملية التطهير التي تستهدف شعب الروهينغا، ليست دينية، فقط، لأن المنطقة تعايش فيها الإسلام مع الديانات الوضعية  (البوذية، البراهمية) لأكثر من 1400 سنة، فالصراع استراتيجي، ديني واقتصادي.
وسلطات ميانمار، تستهدف من وراء التهجير والإبادة للروهينغا استغلال ثروات المنطقة من بترول وموارد مائية هائلة.
وإقليم أراكان، شريط جغرافي شبيه بلبنان يمتد من الشمال إلى الجنوب، وهو حد فاصل بين الحزام الإسلامي الذي يمثل باكستان وبانغلاديش وبين بورما وحلفائها إلى غاية روسيا.
- بما يمكن تفسير الصمت الدولي الرهيب حيال ما يجري في المنطقة؟
 عملية التطهير هذه، تمت منذ عقود في غياب وعي عالمي بمخاطر التهجير القسري والإبادة للأقلية التي كانت تشكل 25 بالمائة من السكان الأصليين، رغم العمليات البشعة من حرق وقتل، حركت حتى الكيان الصهيوني.
والأغرب من ذلك هو الخلل في المنظمات الدولية، التي منحت حاكمة البلد جائزة نوبل للسلام.
ولا يفسر الصمت سوى بتحالفات بورما مع أمريكا وأوروبا التي تقدم مساعدات ضخمة لها، وهناك مغالطات حتى في دول مسلمة، تزعم وجود حركة إرهابية من الأقلية تسعى لقلب نظام الحكم، وهذا راجع لغياب الوعي وتغير في الأفكار لحسابات جيو-سياسية.
وما يجري هو مؤامرة دولية وتوطأ مع أغلبية وثنية، لأنهم لا يثقون في المسلمين ويعرفون أن الإسلام محرك أساسي في نهضة الشعوب.
ومؤخرا بدأ يتشكل وعي عالمي، بالمخاطر التي يتعرض لها الروهينغا، وبدأ الإعلام يتحدث عن تهجير ربع مليون من المسلمين الروهينغا إلى بنغلاديش، علما أن بنغلاديش في حد ذاتها لا تجد مكانا لدفن موتاها.
ونرى جزءا من الحل على المستوى السياسي، مثلما ما بادرت به تركيا بالتكفل بـ500 ألف من المهجرين على المنطقة الحدودية حتى لا يغادروها.