طباعة هذه الصفحة

أزمة استفتاء استقلال إقليم كردستان

سيناريوهات الحل المتوقّعة

فضيلة دفوس

لا شك أنّ الاستفتاء حول الاستقلال الذي أجراه أكراد كردستان العراق والذي كان بمثابة هز لعشّ الذبور، وزجّ للمنطقة في أتون التصعيد والتهديد، ينمّ عن سوء تقدير من القيادة الكردية التي ركبت مغامرة محفوفة بالمخاطر، خدمة لمصالح رئيس الإقليم مسعود بارزاني، ومن يدفعه إلى نسف الوحدة الترابية والشعبية لبلاد الرافدين.

لقد عارض العالم أجمع استفتاء كردستان المنافي للدستور العراقي،واعتبروه مقامرة تهدد استقرار المنطقة، فالأكراد في الدول المجاورة قد يعمدون هم أيضا إلى المطالبة بالاستقلال، ما يؤدّي إلى تقسيم تركيا وإيران وسوريا، وبالتالي تغيير حدود المنطقة وخريطتها تماما، مع مخاطر دفعها إلى أتون حروب تدميرية لا نهاية لها.
 وللوهلة الأولى تبدو مبرّرات الأكراد في تمسكهم بالانفصال والاستقلال بدولتهم واهية تماما، فلم يلحقهم أذى مند أن تحالفوا مع الاحتلال الامريكي لإسقاط نظام صدام حسين والزج بالعراق في حرب لا متناهية، بل على العكس تماما، إذ أنّهم يعيشون في وضع يحسدون عليه منذ 26 عاما، حيث يتمتعون بحكم ذاتي أشبه بالاستقلال الكامل، ينعمون تحت ظلّه بالحرية، لهم رئيس وحكومة وبرلمانا وجيشا، والكثير الكثير من الثروة النفطية التي تدخل عائداتها  خزينة الإقليم دون أن يصل منها شيئا الى المركز في بغداد، ومعلوم أن الناتج المحلي للإقليم يبلغ نحو 26 مليار دولار، وهو ينتج يوميا نحو 650 ألف برميل نفط ويسعى إلى زيادة مليون برميل، ويبلغ الاحتياطي النفطي فيه نحو ٨ . ٢ تريليون مليمتر مربع، ويتم التصدير إلى أوروبا عن طريق خطوط الأنابيب من تركيا من خلال ميناء (جيهان).
 والعجيب الغريب أنّ زعامات الإقليم المتمرّد تريد ضم مناطق أخرى الى دولتها المنشودة مثل محافظة كركوك، طبعا فهي غنية بالذهب الأسود.
والمفارقة الكبيرة أن الجيش العراقي لا يمكنه وضع قدمه في الإقليم، فهو يعتبر جيشا أجنبيا، في حين تفتح أبواب العراق على مصراعيها أمام البشمركة.
وبعيدا عمّا يحقّقه الأكراد ومن يقف وراءهم، فإن انفصال كردستان عن العراق إن تجسّد على أرض الواقع، فهو سيفضي إلى تفتيت وتقسيم الأمة العربية، وهي الرغبة التي تسكن إسرائيل منذ أن احتلت فلسطين، لهذا وجب التعامل مع هذه المسألة برويّة والسعي بعيدا عن الانفعالات والتهور لإيجاد مخرج لهذا المأزق يحفظ ماء وجه أربيل
وبغداد، ويصون وحدة العراق التي يجب أن تبقى في كل الأحوال خطا أحمر لا يجب تجاوزه.


السّيناريوهات المتوقّعة

حسب ما كتبه العديد من المراقبين والسياسيين، هناك العديد من السناريوهات المتوقعة للأزمة التي أثارها استفتاء استقلال إقليم كردستان، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:

 السيناريو الأول
من المتوقّع أن يكون هناك تصعيد إلى درجة الحرب من خلال تنسيق ثلاثي (تركي وعراقي وإيراني) تجاه هذه الأزمة، وليس المقصود بالحرب هنا التدخل العسكري للسيطرة على كردستان أو مواجهة قوات البشمركة التابعة للإقليم فحسب، ولكن حرب أخرى قد بدأتها الدول الثلاث من أجل الضغط على الإقليم لإلغاء الاستفتاء،
وهو الحصار الاقتصادي وإغلاق الحدود البرية النافذة للأكراد تجاه العالم وتعليقهم للرحلات الجوية إلى أربيل، وبالتالي فإن كردستان أصبح تحت حصار من الدول الثلاث خصوصا أنه ليس نافذًا بحريًا تجاه العالم، ويتم أيضا حشد الموقف الدولي ضد هذا الاستفتاء خصوصًا أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا رافضون له بمبرر إعاقته القضاء على تنظيم داعش في المنطقة، بالإضافة إلى أنه قد يحدث أي احتكاك بين القوات العراقية والبشمركة ممّا قد يتسبّب في صراع داخلي حاد يصعب التنبؤ بمستقبله.

 السيناريو الثاني
إخضاع كردستان للضغوط التي تمارسها الدول الثلاث، بالإضافة إلى الموقف الدولي المعادي لهذا الاستفتاء، وهو أن تتخلى عن نتيجة الاستفتاء وتظل على ما كانت عليه قبله، ذلك لأن كردستان سوف تمر بموقف اقتصادي صعب يكاد يصل إلى المجاعة لأن الاقتصاد الكردستاني يعتمد على البترول بشكل أساسي، وإذا استمرت أربيل في تعنتها سوف تقطع تركيا تصدير النفط إلى أوروبا مما قد يسبب أزمة غير مسبوقة، كما أن كردستان تعتمد على 90 %من وارداتها الغذائية من تركيا، وفي حال الاستمرار سوف يؤدي إلى انقطاع هذه الواردات عن كردستان التي من شأنها إحداث كارثة غذائية في الإقليم .
هذا السيناريو متوقع الحصول أكثر من غيره.
ويبقى في الأخير التأكيد بأن الاكراد وضعوا أنفسهم والمنطقة في موقف خطير قد يصعب الخروج منه الا بتنازلات من هذا الطرف،
وذاك ومن خلال فتح باب الحوار لإيجاد حل يصون في النهاية الوحدة الترابية و الشعبية للعراق، - وكما كتب أحدهم – «ربما كان سيكون موقف كردستان أفضل إذا لم يتم رفع علم إسرائيل بجانب علم كردستان، وهذا يشير قطعًا إلى أن هناك دعم خارجي من إسرائيل للأكراد، وهذا ما لا يتقبّله أحد..».