طباعة هذه الصفحة

بينما تراهن فرنسا على الحلول العسكرية

الجزائر ترافع دائما لمقاربة شاملة في محاربة الإرهاب

حمزة محصول

ترافع الجزائر دائما للحلول السياسية والسلمية لحل الأزمات المعقّدة بدول الجوار وبالأخص في ليبيا ومالي، بينما تسارع فرنسا للقيام بالتدخلات العسكري في المنطقة في إطار استراتيجيتها لحماية المصالح والنّفوذ.

تتقاطع العلاقات الجزائرية الفرنسية عند مفاصل عديدة حتمت عليها الارتقاء إلى الأهمية «الإستراتيجية» بغض النظر عن الماضي المخزي للاستعمار الفرنسي في الجزائر، وما ارتكبه من جرائم فظيعة ضد الإنسانية لن يمحوها التاريخ.
وبحكم الموقع الجغرافي، المصالح التجارية، الثقافية، الاقتصادية والسياسية، وجدت العلاقات بين البلدين أرضية مشتركة للتنسيق والتعاون و»الشراكة الاستثنائية» التي توّجت مذكّرة التّفاهم الموقّعة سنة 2012 عقب زيارة الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند إلى الجزائر.
وبالنظر لوزن الدولتين في المحيط الإقليمي، بحكم الثقل الدبلوماسي والقوة والخبرة العسكريتين، استدعت التحديات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي (مالي تحديدا) وشمال إفريقيا (ليبيا)، مساهمة فعّالة من الجانبين لاستعادة الأمن والاستقرار.
وبيّنت الجهود الميدانية في السّنوات الأخيرة، اختلافا كبيرا في تعاطي الجزائر وفرنسا ومع المسائل الأمنية في المنطقة، إذ تضع الأولى حلولا تدخل ضمن مقاربة شاملة تخدم مصلحة كافة البلدان المعنية، بينما تبني الثانية تحرّكها على حسابات الرّبح والخسارة.
مبادئ ثابتة
دائما ما أثار دور الجزائر في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في الساحل الإفريقي، الكثير من التساؤلات، خاصة للذين يظنون أنّ «الأمر يخضع لنشر قوات ميدانية خارج حدود البلاد للقيام بعمليات عسكرية مباشرة».
وكثيرا ما حاولت جهات نافذة في العلاقات الدولية، دفع الجزائر لتغيير الثوابت التي تحكم سياستها الخارجية وكذا العقيدة القتالية لقواتها المسلحة، وعملت على إقحام الجيش الوطني الشعبي في الأزمات الأمنية التي وقعت في السنوات الأخيرة، خاصة شمال مالي سنة 2012.
غير أنّ الجزائر وضعت مواجهة التهديدات الأمنية التي بلغت درجة عالية من الخطورة، ضمن إطار ما يعرف بـ «المقاربة الشاملة» التي لا تقوم على الحل الأمني فقط، بل تعتبر التنمية الاجتماعية والاقتصادية عاملان أساسيان لتجاوز كل المشاكل المغذية للتطرف والتطرف العنيف.
وانطلاقا من تجربتها الناجحة في مكافحة الإرهاب وما يرتبط بها من مسبّبات، ترافع الجزائر من أجل تقوية مؤسّسات البلدان المعنية بالظاهرة الإرهابية، وبناء قدراتها الذاتية في مختلف المجالات، على أن يقتصر دور الشركاء الأجانب على الدعم والمساعدة والمتابعة.
وتشجّع الجزائر الحلول القائمة على الحوار بين أطراف الأزمة، بالشكل الذي يضمن الوحدة الوطنية والترابية والطابع الجمهوري للدول، ونجحت في دفع الفرقاء الماليين إلى توقيع اتفاق السلم والمصالحة سنة 2015، بعدما استضافت جولات مراطونية من المباحثات بين الحكومة المركزية والحركات السياسية والمسلحة لشمال البلاد.
وتدعّم الدبلوماسية الجزائرية في الوقت الراهن، العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في ليبيا، ونادت دائما بتغليب لغة الحوار والحلول السّلمية التّوافقية.
وعلى النّقيض من ذلك، كانت تحرّكات فرنسا منحازة لأطراف على حساب أخرى، ونفّذت عمليات أمنية غامضة على الأراضي الليبية، ورفضت الاعتراف بذلك بشكل رسمي رغم الضجة التي أثيرت في وسائل الإعلام.
وكانت فرنسا من أكبر الداعين لتدخل عسكري في ليبيا سنة 2011، وحذّرت الجزائر وقتها من نتائجه المدمّرة.
كما جاء تدخّل فرنسا العسكري سنة 2013 بمالي، في إطار حسابات استراتيجية استهدفت إقامة قاعدة عسكرية دائمة في المنطقة (عملية برخان)، فيما بقيت تلعب دورا متناقضا في مسألة المصالحة المالية، حيث شعرت باماكو بعدم دعم باريس لها في مدينة كيدال، وتعمّدت عدم المساعدة في إعادة السّلطات الإقليمية.
 تعمل في صمت
 كيف تساهم الجزائر في مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي، دون القيام بعمليات عسكرية خارج حدودها؟ ظل هذا السّؤال ملازما لما تبذله الدولة الجزائرية على صعيد مكافحة الظاهرة الإرهابية والجريمة العابرة للحدود، حيث يعتقد البعض بأن المساهمة الفعلية لابد أن تكون من خلال الدعم الميداني لجيوش دول الجوار الضعيفة من حيث العدة والعتاد.
وإلى جانب اعتبارات احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها وتفادي إدخال القوات المسلحة في حرب استنزاف على مساحات جغرافية شاسعة تفوق دول اوروبية مجتمعة، تلعب الجزائر دورا محوريا في مكافحة الإرهاب من خلال عمليات تأمين حدودها مع تونس، ليبيا، النيجر، مالي وموريتانيا.
وتظهر البيانات الرّسمية لوزارة الدفاع الوطنية، بشكل دوري حجز آلاف القطع الحربية، وتحييد وتوقيف عناصر إرهابية وأخرى مرتبطة بعصابات الجريمة المنظمة، تتّخذ من الأراضي الجزائرية معبرا لها من وإلى دول الساحل الإفريقي.
ويضاف إلى هذا العمل الميداني الناجع، التعاون الاستعلاماتي الثنائي مع دول الجوار أو من خلال آلية لجنة الأركان العملياتية المشتركة.
أكثر من 100 مليون أورو
 الوزير الأول، أحمد أويحيى، تحدّث على هامش القمة الخامسة للإتحاد الإفريقي - الإتحاد الأوروبي بأبيدجان، لأول مرة بالأرقام عن دعم الجزائر لدول الجوار في مجال مكافحة الإرهاب.
وقال أويحيى، أنّ «الجزائر خلال 8 سنوات منحت 100 مليون أورو لتشاد، موريتانيا والنيجر كمساعدات لمواجهة التحديات الأمنية»، وأوضح أنّ «الدّعم ترجم في بناء القواعد العسكرية، تكوين عشرات فرق القوات الخاصة والعتاد الحربي المتطوّر».
وقدّم الوزير الأول، مقارنة مع دول الاتحاد الأوروبي ومساهمتها في المجال الأمني بالمنطقة، قائلا: «28 دولة داخل المجموعة الأوروبية، قرّرت دعم قوة الـ 5 ساحل بـ 50 مليون دولار».
وأعلنت فرنسا طلب مساعدات مالية للقوة العسكرية المشكلة حديثا، من الأمم المتحدة، حيث لم يتسن لها الحصول على الأموال اللازمة لنشاطها رغم أنّها رمت بكل ثقلها على مستوى مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار استحداث القوة.
وتصب جهود الجزائر في صالح تقوية المؤسسات الامنية لدول الجوار، وجعلها قادرة على مواجهة التحديات الأمنية الداخلية بنفسها دون الحاجة للتدخلات العسكرية الأجنبية.
ماكرون مع الحل العسكري
في المقابل، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مدينة غاو شمال مالي، كأول محطة خارجية له بعد انتخابه على رأس الجمهورية الفرنسية، حيث تفقّد قوات عملية برخان التي يناهز عدد قواتها 4000 جندي.
الزيارة حملت دلالة قوية تتمثل في دعم الرئاسة الفرنسية لقواتها المنتشرة بالخارج وخاصة بالساحل الإفريقي، وعدم وجود أيّة نيّة في سحبها أو تخفيض عددها، وبذل ذلك عمل الرئيس ماكرون على ضمان حماية أكبر لبرخان من خلال دعم تشكيل قوة مشتركة لدول الساحل الخمس تكون بمثابة حائط الصد.
وتحمّست فرنسا بشكل كبير لإنشاء قوة إفريقية بعدما رأت الحاجة لخفض ميزانية الدفاع لسنة 2018، وهو القرار الذي فجر أزمة بين ماكرون ورئيس الأركان السابق بيير دوفيلييه الذي قدّم استقالته.
وأظهرت خرجات الرئيس الفرنسي مؤخرا، اعتماده على التدخلات العسكرية بشكل لافت في اقتراحاته للتعامل مع الأزمات الإقليمية، حيث قدّم الأسبوع الماضي من أبيدجان، مقترحا «التدخل عسكريا في ليبيا ضد عصابات الاتجار بالمهاجرين غير الشّرعيّين»، رغم أن ما يجري في هذا البلد من فوضى يعد نتيجة لتدخل فرنسا والناتو سنة 2011.
واعترف الرّئيس الفرنسي أن تحرّكات بلاده في المنطقة وإفريقيا عموما، كانت لخدمة مصالح ضيّقة، قائلا: «نحن بحثنا عن مصالحنا دون مصالح الآخرين»، وتابع أنّه
«لمس حالة من عدم الثّقة والشك لدى إفريقيا تجاه فرنسا».
ولا يبدو أنّ فرنسا تتّجه للاستفادة من دروس الماضي القريب، حيث لم يسجّل لها أيّة مساهمة دبلوماسية لحل أزمة معيّنة، ما عدا الالقاء بنفسها كطرف فاعل من خلال قوّاتها العسكرية.