طباعة هذه الصفحة

الخبير الاستراتيجي والأمني الدكتور حكيم غريب لـ «الشعب»

اللّيبيّون وحدهم مَن يملكون سلطة دفع ليبيا نحو السّلام

أجرى الحوار: نور الدين لعراجي

 على دول الجوار مرافقة الفرقاء في تطبيق الخطّة الأممية

حتمية إقرار مقاربة قانونية وإنسانية للهجرة غير الشّرعية


عاد الخبير الاستراتيجي والأمني الدكتور حكيم غريب في حواره مع «الشعب»، إلى تطوّرات الأزمة اللّيبية بما فيها الجهود التي يبذلها مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة لتعديل اتّفاق السّلام بهدف الخروج من حالة الفوضى والانفلات الأمني، وإنهاء المرحلة الانتقالية وتتويجها بترسيخ المؤسّسات الدستورية وإجراء الانتخابات، ومن ثمّ إعادة بناء الدولة  الموحّدة القوية.
الدّكتور غريب، ومن منطلق إيمانه العميق بأنّ اللّيبيّين وحدهم القادرين على دفع بلادهم نحو السّلام  والانفراج، شدّد في حديثه على ضرورة التفاف فرقاء ليبيا حول الخطّة الأممية، وحتمية تمسّكهم بالمسار السياسي، وبمدنيّة ووحدة الدولة، ونبذ العسكرة والتدخل الخارجي. وتوقّف عند العراقيل والتحديات التي لازالت تؤخّر الحل في ليبيا، خاصة ما تعلّق بالجماعات الإرهابية والمسلّحة باختلاف ولاءاتها وأهدافها، وأصرّ على أنّ أيّ تسوية سياسية سلمية يجب أن تشمل برنامجًا لنزع سلاح تلك المجموعات أو إدماجها في الجيش والقوات الأمنية. كما عرّج الدكتور غريب على عدّة مسائل، بينها قضية المهاجرين وما يتعرّضون له من إساءة، ثم تداعيات الأزمة اللّيبية على المنطقة والإقليم، والمرافقة الجزائرية للأشقّاء اللّيبيّين لمساعدتهم على الوصول إلى برّ الأمان بأقل الخسائر.

❊ الشعب: مضت ثلاثة أشهر على انطلاق خطّة العمل الأممية من أجل تعديل الاتفاق السياسي في ليبيا تحت اشراف الممثل الخاص للأمين العام الأممي غسان سلامة، فإلى أين وصلت العملية؟
❊❊ الدكتور حكيم غريب: أعتقد في البداية، أنّ اتّفاق السّلام الموقّع في سنة 2015 تمّ التوصل إليه على عجل ما أدّى إلى عدم تبنّيه من قبل كل الأطراف اللّيبية، ونأمل أنّ انطلاق الخطّة الأممية التي دعا إليها المبعوث الأممي غسان سلامة ستنهي المرحلة الانتقالية الليبية التي قال إنّها «طالت».
وتنص الخارطة في مرحلتها الأولى على  تعديل اتفاق السّلام الموقّع في 2015 لتأتي المرحلة الثانية المتمثلة في عقد مؤتمر وطني يهدف إلى فتح الباب أمام الأطراف التي تمّ استبعادها من الجولات السابقة للحوار، والذين همّشوا أنفسهم، ويتعين الوصول بعد المدة المحددة إلى المرحلة الثالثة والنهائية من خارطة الطريق الأممية، وتشمل إجراء استفتاء لاعتماد الدستور يلي ذلك وفي إطار الدستور، انتخاب رئيس وبرلمان.
إضافة إلى ذلك يعتبر اتّفاق السّلام الموقّع قبل سنتين الورقة السياسية الأهم التي تجمع الفرقاء السياسيين في ليبيا، خاصة لما يحظى به من دعم دولي باعتباره الحل الأمثل للأزمة السياسية.
وفي اعتقادي، البعثة الأممية تحاول قدر المستطاع التقريب بين البرلمان الليبي والمجلس الأعلى للدولة بخصوص تعديلات الاتفاق السياسي، لهذا فإنّ هيئة غسان سلامة مطالبة بالعمل على عدة مسارات في نفس الوقت، والمهمة كما تبدو صعبة ومعقّدة لإيجاد صيغة شاملة وموحّدة لتطبيق الخطّة الأممية الجديدة، خاصة في غياب حسن النوايا والتنازلات من كل الأطراف  الليبية للوصول إلى بناء دولة ديمقراطية وقوية بمؤسساتها الدستورية المنتخبة.
هذا وفي حين تتواصل جهود المبعوث الأممي لتعديل اتّفاق السّلام من خلال مباحثاته مع الأطراف الليبية وزياراته الميدانية لعدة مدن قصد تذويب نقاط الاختلاف، تعرف المفاوضات التي تستهدف إقرار الخطة الأممية، تعثرا بسبب تعنّت هذا الطرف والآخر، لهذا فإنّني أرى أن أيّ تراخ في حل الأزمة الليبية قد يؤدي إلى المزيد من تردي وضع السكان، وأنّ الجيش سيتّخذ خطوة في أي وقت، خاصة وهو يبقي تمسّكه بالخيار العسكري كبديل لفشل المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء حالة الانقسام التي تعاني منها البلاد، فالمهلة التي قدّمها القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر للسياسيّين، والتي تنتهي في 17 ديسمبر المقبل مازالت قائمة، ولهذا يجب تسريع المجهودات الأممية لتذهب في الاتجاه الصحيح بعيدا عن التدخلات الخارجية.
❊ الخطّة التي طرحها سلامة تنطوي على عدة عناصر، بينها تنظيم مؤتمر وطني في فيفري القادم لتبنّي دستورا وتتوّج بانتخابات رئاسية، ما تعليقكم؟
❊ أرى أنّ خارطة الطّريق الأممية في ليبيا، تقوم على عدّة محطّات مؤسّساتية تتوّج بانتخابات عامة، وذلك من أجل إعادة توفير «مستقبل» واعد وآمن لليبيّين.
وأعتقد أنّ هناك إجماع على تعديل اتّفاق السّلام، فالشّعب اللّيبي متعب ويريد الخروج من حالة الفوضى والانفلات الأمني، وتأسيس مؤسساته الدستورية من أجل بناء دولة قوية.
وإذا تمّ التقيد بالبرنامج الزمني وتمّ الحصول على إجماع الفرقاء اللّيبيّين، فيمكن تطبيق هذا الاتفاق السياسي بعقد مؤتمر وطني يضم الجميع لتحديد واختيار أعضاء المؤسسات التنفيذية، يعني مجلس رئاسي جديد وبعدها البرلمان وهيئة الدستور يعملوا على عرض الدستور للاستفتاء، إضافة إلى حوار مع الجماعات المسلّحة لدمجها ومبادرة لتوحيد الجيش الوطني، واستمرار جهود المصالحة، واتّخاذ إجراءات حاسمة بخصوص النازحين. وفي غضون سنة يجب أن يتم الاستفتاء وإصدار الدستور وانتخاب رئيس وبرلمان،  ما يضع أرضية صلبة لبناء دولة قوية، وإنهاء حالة الفوضى والاقتتال والنظر بإيجابية نحو معركة التنمية والأمن.
حسب اعتقادي، فإنّ نجاح الخطّة الأممية تبقي مسؤولية تنفيذها على أرض الواقع علي عاتق الشعب الليبي بكل أطيافه، وأنا مقتنع أنّه توجد اليوم فرصة لإنهاء الأزمة التي طال أمدها، وسبّبت معاناة ضخمة وساهمت في عدم الاستقرار فيما وراء حدود ليبيا.
 يتعين على الجميع أن ينتهز هذه اللحظة لاستكمال الاستحقاقات المتبقية، وفي مقدّمتها إقرار الدستور الليبي الجديد وعقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد. غير أنه هناك بعض التحديات التي تواجه نجاح العملية السياسية برمّتها بينها تحديد دور مستقبلي لقائد الجيش المشير خليفة حفتر، إضافة إلى أن أي حلول تنتج عن المفاوضات السياسية سيكون من الصعب تنفيذها على الأرض، إذ تظل المجموعات المسلحة الليبية، باختلاف ولاءاتها وأهدافها عاملاً معرقلاً. ولهذا فإنّ أيّة تسوية سياسية سلمية يجب أن تشمل برنامجًا لنزع سلاح تلك المجموعات أو إدماجها في جيش وقوات أمنية.
وخلاصة القول ورغم الجهود الحثيثة للأمم المتحدة  وخاصة الجزائر، لوضع آلية للحوار لإنهاء الحرب، إلا أن الليبيين وحدهم هم مَن يملكون السّلطة اللازمة لدفع ليبيا نحو السلام.
❊ غسان سلامة وهو يعرض نتائج جهوده أمام مجلس الأمن قبل أسابيع، أعرب عن تفاؤله بتحقيق الاستقرار في ليبيا، ما قولكم؟
❊❊ حقيقة إنّ الأمم المتحدة كافحت من أجل حل الأزمة في ليبيا، وبذلت كثيرًا من المحاولات أبرزها الاتفاق السياسي الموقَّع في العام 2015. وخلال الشهرين الماضيين، عقدت جولتين للجنة الصياغة المشتركة المؤلفة من أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بتونس.
حسب رأيي الشّخصي، إنّ كلمة المبعوث الأممي في ليبيا غسان سلامة وهويعرض نتائج جهوده أمام مجلس الأمن كانت إيجابية لكن وفق قناعتي الكاملة، يبقى على الجانب الليبي أن يقوم هو أيضاً بواجبه الوطني نحو بلاده، وأن يلتفّ حول هذه الخطة ويتمسّك بالمسار السياسي، وبمدنية ووحدة الدولة، ويرفض العسكرة والتدخل الخارجي في شؤونه.
إنّ الحديث عن النّتائج ما زال مبكّرا، إلى حين وقف إطلاق النار وحل الميليشيات، ودمج بعض المُقاتلين في القوات النظامية، وإخضاع الجيش للقيادة السياسية، كما أنّ رعاية فرنسا ورئيسها لهذا الاتفاق مهم أيضًا، ففرنسا ساركوزي هي التي «فبركت» الثورة في ليبيا، وكانت المحرّض الرئيسي على تدخّل حلف الناتو في البلاد، وما آل إليه الوضع نتيجة هذا التدخل من فوضى وعدم استقرار، ولكن كل هذا لا يعني أن فُرص النجاح مضمونة لهذه الخطة الأممية، فقد تتحطّم على صخرة الخلافات والميليشيات مثل غيرها من مصالحات ومبادرات سابقة.
❊ الأكيد أنّ الحالة اللّيبية التي تبدو ظاهريا أبسط من الأزمات العربية الأخرى، في الواقع هي صعبة جدا بالنظر إلى الانقسامات التي فتتت النّسيج الوطني، فكيف السبيل إلى إعادة اللّحمة الوطنية، واستقطاب كل الفرقاء إلى العملية السياسية الجارية؟
❊ بعد عدة سنوات من إطاحة حلف الناتو بالنظام السابق، ما تزال ليبيا تعيش في ظل الفوضى تتنازعها جماعات مسلّحة متصارعة، وتحوّلت كما أرادت ذلك دول كثيرة إلى قاعدة لتصدير الفوضى والتنظيمات المسلحة المختلفة إلى دول الجوار خاصة مصر ودول المغرب العربي وكذلك منطقة الساحل، كما أنّ هذه الفوضى شجّعت على نمو ظاهرة الهجرة غير الشرعية، إذ تقوم عصابات منظمة بالإتجار بالبشر، وإرسال آلاف المهاجرين بواسطة قوارب مطاطية بدائية انطلاقا من الشواطئ الليبية إلى القارة الأوروبية.
وحسب اعتقادي، فإنّ مهمّة المبعوث الأممي غسان سلامة صعبة بشأن عقد ملتقى وطنيا جامع للفرقاء في ليبيا للوصول إلى اتفاق موسع ينهي المرحلة الانتقالية والوضع الراهن في البلاد، ويكمن السبب في عدم وجود رغبة صادقة لدى بعض الأطراف الليبية في إيجاد حل جذري من خلال هذه الخريطة.
إنّ الرّهانات التي يمكن أن تعيد الأزمة الى المربّع الأول هو أن التحدي ليس في تحقيق كل شيء الآن، بل في فتح الطريق الذي يجب أن تمر به ليبيا بسلام وأمان حتى تستطيع حقا أن تقوم بدمج المبادئ المؤسساتية في ثقافتها السياسية.
أبعد من هذه التحديات هناك التهديدات الأمنية، إذ تبقى ليبيا بيئة حاضنة وجاذبة للارهابيّين، سواءً التابعين للدولة الإسلامية أو القاعدة أو تنظيم جديد مُستلَهم منهما. الظروف يانعة: تاريخ طويل من اليأس الاقتصادي والفراغ في الحكم والاستقطاب المستفحل، ما قد يولّد لدى بعض المجتمعات المحلية شعوراً بأنه ليس أمامها من ملاذ سوى اللجوء إلى العنف والإرهاب.
باختصار، ليس التوحيد عن طريق العمل العسكري خياراً واقعياً في ليبيا، بدلاً من ذلك، ينبغي على المبعوث الأممي ودول الجوار وعلى رأسها الجزائر مرافقة الفرقاء الليبيين في تطبيق الخطة الأممية والالتزام  بكل بنودها، وذلك عبر ممارسة ضغوط ذات مصداقية عليهم، بما في ذلك التهديد بفرض عقوبات والحرمان من أي مساعدة أمنية في المستقبل، وإعادة بناء الهندسة التفاوضية.
 على القوى الخارجية الكف عن دعم الجماعات المسلّحة
 ❊ المعضلة اللّيبية هي الجماعات المسلّحة والجيش المفكّك والسّلط الكثيرة، فكيف يمكن تجاوز هذه العراقيل؟
❊❊ عجزت السّلطات الانتقالية المتوالية على الحكم خلال الأعوام الماضية، في تشكيل جيش ليبي نظامي أو قوة للشرطة، ناهيك عن إعادة الأمن إلى البلد الذي يسيطر عليه المئات من الفصائل والجماعات المسلّحة.
ولهذا نرى ضرورة دمج القوات المسلحة والمليشيات في العملية السياسية بعد أن أخفق كافة المبعوثين الأمميين في ذلك، فاتّساع الهوّة وانعدام الثّقة بين السياسيين والعسكريين يجعل التوقعات بقرب الوصول إلى اتّفاق سياسي شبه معدومة.
ينبغي على القوى الخارجية الكفّ عن تجهيز وتمويل الجماعات المسلّحة، ودفع حلفائها في ليبيا باتجاه المصالحة. والواقع أنّ عناصر جميع هذه الأبعاد تبدو مؤثّرة، بيد أن أيّاً منها لا يملك بمفرده قوة تفسيرية كافية. فالفوضى والانفلات الأمني في ليبيا، في جوهره، شأن محلي جداً، وهو نابع من شبكات المحسوبية المتجذّرة التي تقاتل من أجل الموارد الاقتصادية والسلطة السياسية، في دولة تعاني من فراغ مؤسّساتي واسع، ومن غياب حكم مركزي يملك قوة راجحة. ويعاني البلد في الأساس من توازن الضعف بين الفصائل السياسية والجماعات المسلحة، فليس ثمّة كيان واحد يمكنه أن يجبر الآخرين على التصرّف عن طريق الإكراه، غير أن كل كيان قوي يملك من القوة ما يكفي للاعتراض على الآخرين. لهذا يجب إصلاح القطاع الأمني من خلال تفكيك المليشيات المسلحة أونقلهم إلى القوات المسلحة النظامية.
يمكن للتّدابير المؤقّتة لتحقيق الاستقرار أن تساعد على الحيلولة دون حصول فراغ أمني وتحسين الأمن المجتمعي والمتوخّى أثناء عملية تطبيق الخطة الأممية الجديدة لتحقيق السّلام، وانتخاب برلمان ورئيس جديد، وتخطيط الترتيبات الأمنية المستقبلية. ولكي تتقدّم البلاد في نهاية المطاف، يجب على اللّيبيّين والجماعات المسلّحة والجيش المفكك الانخراط مجدّداً في سياسة الاعتراف والمصالحة.
❊ تعمل دول جوار ليبيا، تتقدّمها الجزائر على دعم جهود إقرار الاستقرار هناك بالتّنسيق مع الهيئة الأممية، ما تقييمكم؟
❊ بالفعل تعقد بلدان جوار ليبيا وبشكل دوري اجتماعات تعد فرصة لرؤساء دبلوماسية الدول الثلاث الجزائر - مصر - تونس للتّأكيد مجدّدا على دعم التسوية في ليبيا من خلال مبادئ ثابتة، على رأسها الحفاظ على وحدة واستقرار ليبيا وسلامتها الإقليمية، والتمسك بالحوار وبالاتفاق السياسي، كأساس وحيد لتسوية الأزمة، ورفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي أو اللجوء للخيار العسكري.
كما أيّدت دول الجوار خطّة المبعوث الأممي السياسية التي قدّمها لمعالجة الأزمة، وحثّت كافة الأطراف الليبية على إبداء المرونة الكافية خلال المفاوضات الجارية، والسعي للتوصل للتوافقات المطلوبة، وناشدتهم بالامتناع عن استخدام العنف.
وتحرص الجزائر بدورها المحوري في المنطقة المغاربية على أهمية تحقيق اختراق في مسار التسوية في أقرب وقت ممكن، تمهيدا لعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية وإنهاء المرحلة الانتقالية، وكذا تجنب حدوث أي فراغ سياسي أو أمني لن تستفيد منه سوى التنظيمات الإرهابية والأطراف الراغبة في عرقلة العملية السياسية، وارتهان مقدرات الشعب الليبي لحساب مصالحها الضيقة.
إنّ الجزائر بحكم تجربتها الناضجة والطويلة في حل النزاعات الداخلية وفق مبدأ الحوار والتسوية السلمية، تحذّر من تداعيات الأزمة الليبية على دول الجوار، وعلى رأسها الإرهاب وعودة المقاتلين الإرهابيّين الأجانب وكذا الهجرة غير الشرعية، مجدّدة التزامها بمرافقة الأطراف الليبية لإعادة الاستقرار في أقرب وقت إلى ليبيا وبناء مؤسسات قوية بها، وإقرار المصالحة والوحدة الوطنية. وهنا أريد أن أشير إلى أن تدخّل بعض الأطراف الإقليمية عقّد المشكلة الليبية، وأرى وجوب الحذر من بعض الأطراف التي تتعامل مع الجهات غير الشرعية في ليبيا.
❊ التحدي الإرهابي خطير على ليبيا والمنطقة، فكيف السّبيل لمواجهته؟
❊❊ نعم، نقدّر حجم التّهديدات الأمنية القادمة من ليبيا في ظل غياب مؤسسات أمنية قوية ودستورية، وتعدّد تدخل الاطراف الإقليمية والدولية ممّا حوّل ليبيا إلى حاضنة لأكبر الجماعات الارهابية تطرّفا ودموية.
لقد تحوّلت ليبيا إلى مستنقع دموي وكابوس مرعب في المنطقة، لاسيما بالنسبة لدول الجوار ومنها الجزائر، على خلفية انتشار وتنامي خطر الجماعات الارهابية وتمدّد تنظيم «داعش» داخل الفضاء الليبي وتوجيهه لتهديدات مباشرة للمنطقة. ولهذا رفعت الجزائر درجة الطوارئ من جاهزية وانتشار القوات المسلحة عبر الحدود لصد أيّ اعتداءات محتملة، خاصة وأنّ البلدين تربطهما حدودا طويلة، واتّخذت عدة إجراءات لحماية أمنها. وتبقى ضرورة تعزيز التكاثف والتضامن بين الدول المغاربية والعربية لمواجهة التحديات غير المسبوقة التي تواجهها في الوقت الراهن، وعلى رأسها انتشار خطر الإرهاب والفكر المتطرف، والتي تتطلب العمل على ترسيخ وحدة الصف ونزع فتيل النزاعات الطائفية والمذهبية والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية.
مخيّمات المهاجرين أصبحت مصانع لإنتاج المعاناة  
❊ الوضع الإنساني مثير للقلق في ليبيا خاصة بالنسبة للمهاجرين، وكذلك الوضع الاقتصادي برغم الثّروات التي تملكها، فما تعليقكم؟
❊❊ في الحقيقة منذ أن أصبحت ليبيا معبرا للاجئين الأفارقة إلى أوروبا، هناك كثير من الانتهاكات اللاّإنسانية في حقهم، إنّه أمر «فظيع»، في وقت أصبحت فيه أوضاع هؤلاء المهاجرين في المخيمات التي أقامتها الحكومة الليبية لا تطاق والانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان هي أسوأ، حيث يتعرّض السّجناء للضّرب بالعصي حتى يتراجعوا عن الأبواب.
وغالباً ما تحرس الميليشيات هذه المخيّمات الرّهيبة، بدون أن يتم تسجيل الأشخاص الموجودين فيها، لا توجد إدارة، ولا أحد يعرف ماذا يجري للناس، هناك حوالي 40 مخيما من هذه المخيّمات الرسمية، والميليشيات لا تزال تتعامل «بوحشية» مع المهاجرين حتى تتمكن من استغلالهم بشكل أكبر، من خلال بيعهم لمهرّبي البشر!
حسب اعتقادي، يجب أن تكون هنالك مقاربة قانونية وإنسانية للهجرة بطرق شرعية إلى أوروبا لإنهاء الوضع الفظيع في هذه المخيّمات، التي أصبحت مصانع لإنتاج المعاناة.
❊ كلمة أخيرة.
❊❊ خلاصة القول في هذا الحوار أنّ للأمم المتحدة دور كبير في دفع عملية التسوية السياسية للأزمة اللّيبية بكل ما تحمله من تناقضات وتحديات.
وتبقى الأمم المتحدة محقّة في التركيز على إعادة هيكلة العملية السياسية، واستعادة دورها القيادي في لمفاوضات لتعديل الاتفاق السياسي الليبي بشكل يسمح بتنفيذه من خلال خطة سلامة لكن، وبالنظر إلى واقع أن تحقيق التقدم من المرجح أن يستغرق وقتاً، فإنّ ثمّة حاجة أيضاً لتحقيق التقدم بشأن قضيتين تتّسمان بأهمية عاجلة: معالجة الوضع الاقتصادي في ليبيا وإطلاق مسار أمني، بالنظر إلى الموارد المحدودة للأمم المتحدة، فإنّها لا تستطيع القيام بذلك دون دعم لاعبين إقليميّين ودوليّين رئيسيّين.