طباعة هذه الصفحة

الباحث في الشؤون العسكرية توفيق هامل لـ«الشعب»:

أمريكا تريد التفوق النووي ولا تتقبّل توازن الردع

أجرى الحوار: حمزة محصول

يتحدّث الباحث في الشؤون العسكرية، د.توفيق هامل، في هذا الحوار، عن خلفيات العقيدة النووية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية، وكذا تداعياتها على الأمن والسلم الدوليين، متوقعا فشل جهود مكافحة انتشار الأسلحة النووية ولجوء بعض الدول للأسلحة غير التقليدية لحماية نفسها.

«الشعب»: كشفت الإدارة الأمريكية عن وثيقة تضمنت صياغة عقيدة نووية جديدة، والعمل على رفع قدراتها في مجال الأسلحة النووية ذات القدرة التدميرية المنخفضة، ماذا يعني ذلك؟
د. توفيق هامل: لم تتقبل الولايات المتحدة الامريكية، يوما، مبدأ «الدمار المتبادل المضمون»، وبقيت دوما تحاول عبر السنوات الالتفاف عليه لبلوغ الريادة النووية.
ويتوقّع بعض الخبراء الأمريكيين أن تكون أمريكا بلغت هذا التفوق النووي»، ومن المحتمل أن يكون لديها القدرة على تدمير الترسانة النووية الطويلة المدى لروسيا والصين بالضربة الأولى.
التفوق النووي، يعني أن أمريكا لديها ثالوث نووي، مكون من  طائرات إستراتيجية صواريخ باليستية عابرة للقارات وغواصات لإطلاق الصواريخ الباليستية القادرة على تدمير القوات النووية لخصم مع أول هجوم.
وبالتصاعد زمنيا، من إدارة بوش الأب إلى إدارة ترامب، لم تخفي الولايات المتحدة الأمريكية إمكانية اللجوء إلى الأسلحة النووية حتى ضد الدول غير النووية، وقرار العقيدة النووية الجديدة بامتلاك أسلحة نووية منخفضة القوة التمديرية يدخل في سياق  إعادة التوازن تجاه آسيا، وتريد واشنطن مواجهة التهديدات التي مصدرها الدول وبالأخص روسيا، الصين، إيران وكوريا الشمالية.
المقاربة الجديدة القائمة على آسيا والمحيط الهادي، ليست مجرد إعادة تقييم جيوغرافي، فقد الإرهاب تدحرج إلى الأولوية الثانية بالنسبة لأمريكا، وعوضت الصين وروسيا تنظيم القاعدة وداعش الإرهابيين كتهديد مستقبلي للأمن الوطن الأمريكي.
ومن أجل استيعاب الأهمية والقلق الذي تثيره الوثيقة، يجب أولا فهم، «النموذج الأمريكي للحرب»، فاللجوء إلى الأسلحة النووية متجذر في الثقافة الاستراتيجية الأمريكية وهو يرتبط دوما بالقوة المدمرة.
هذا النموذج يرتكز على نظريات متعدّدة، ومرتكزة على المعلومات، حرب الشبكات المركزية، العلميات السريعة والحاسمة، وكذلك الصدمة والرعب، وتهدف هذه المفاهيم إلى القضاء على خصم بأسرع وقت ممكن بدل إيجاد وسيلة لتطبيق القوة العسكرية باتباع الأهداف السياسية الواسعة.
والرغبة في تدمير العدو بسرعة، موجودة دائما، لكن دون إلزامية اللجوء إلى قوة مدمرة في معركة حاسمة وهو ما يفسر اللجوء على القنابل النووية المنخفضة القوة.
وأمريكا، تبحث بشكل مثالي، على تحقق الشلل الحركي، للقوات المسلحة والمنشآت الحربية للعدو بدل إبادته، وبالنسبة للرأي العام الأمريكي، يسمى هذا «الصدمة والرعب»، والقدرات الأمريكية على مباغتة وإرهاب الخصوم تتطلب «السرعة، الحركة، المرونة والمفاجأة» لتحقيق انتصار سريع بأقل قدر ممكن من الخسائر ويتحقّق الأمر بحيازة أسلحة عالية الدقة وعمليات حرب نفسية، هذه هي الخصائص المفتاحية للنموذج الامريكي للحرب.
في الأسابيع القليلة الماضية، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن سياسة الأمن القومي للسنة الجارية، وسخِر منه الأمريكيون بأنه لم يفهم ما ورد فيها، هل تعتقد أن لترامب علاقة مباشرة بقرار صياغة العقيدة النووية الجديدة؟
 ينصّ القانون الأمريكي، على تقديم تقرير للكونغرس كل سنة، يتضمّن في الغالب مجمل السياسيات الوطنية في أوقات السلم والحرب، ويحدّد في الوقت ذاته اهداف الدولة في السياسة الدولية، وتضبط الآليات والموارد الواجب تسخيرها لتنفيذ كل تلك الأهداف والمصالح، ويتمّ إعدادها من قبل مجلس الأمن الوطني وتوقع من قبل الرئيس.
تطبيق الاستراتيجية الوطنية للدفاع، لا يسلك مسارا عقلانيا وإنما سياسيا، وينجم عن مفاوضات وتفاهمات بين مختلف الفاعلين داخل الدولة، كالشخصيات والمؤسسات المؤثرة، وعندما تتضارب المواقف والرؤى يضطر الرئيس للتدخل والفصل النهائي، ويتمّ إعادة التقرير من قبل خبراء ويتم إدخال التغييرات من خلال المجموعات النافذة والمؤثرة للغاية.
تعقيدات اتخاذ القرار النهائي، تجعل من استراتيجية الأمن الوطني، نتيجة لضغوط تنافسية وليس لمنطق خاضع لرؤى فاعلين عقلانيين في العالم، ومعروف عن الولايات المتحدة الامريكية الخلافات المستدامة بين الأطراف الكبرى (البيروقراطيين، المجتمع المدني وأطراف المعارضة، حول القيم الموارد المالية والمصالح..الخ).
ومبدئيا لم يتغير شيء في استراتيجية الأمن الوطني الأمريكي منذ سنة 1890، المصالح والأهداف بقيت نفسها، وفي هذا السياق الرئيس يدمج رؤيته من خلال تصريحات عامة مثل «توسيع الديمقراطية» في عهد كلينتون، «الريادة من الخلف أو إعادة التوازن تجاه آسيا» في عهد أوباما، و»أمريكا أولا» في عهد ترامب، ولكن من ناحية الأسس المسار لم يتغير.
 روسيا والصين انتقدتا بشدة الوثيقة الأمريكية، واعتبرتا أنها مبنية على تبريرات واهية، هل سيعيش العالم سباقا جديدا نحو التسلّح؟
 إعادة التوازن تجاه آسيا والمحيط الهادي، لا يرتبط برئاسة معينة، وبالتالي فهي سياسية لن تتغير بتغير الإدارات الأمريكية.
وعمليا، لا يوجد مسؤول أمريكي ينظر بعين الارتياح التام لروسيا والصين، ويوجد اتفاق بين أكبر حزبين أمريكيين، حول حتمية تركيز السياسية الخارجية الأمريكية على آسيا.
وأكدت المجلة الأمريكية المتخصصة في شؤون الدفاع «كوادرينيال ديفونس رفيو»،  سنة 2014، حتمية إعادة التوازن نحو آسيا، ونادرا ما تجد وثيقة امريكية استراتيجية لا تأتي على ذكر الصين وروسيا كخصمين أو عدوين حيويين.
والاستراتيجية العسكرية الوطنية لأمريكا لسنة 2015، توقعت بوضوح أن نشوب حرب مع قوة كبرى احتمال جد متنامي. وحدّد نسخة 2015 من الاستراتيجية البحرية، منافسين استثنائيين لأمريكا، هم الصين، روسا وإيران، كذريعة للإبقاء على حضور مباشر في المناطق الحيوية في العالم.
والسؤال الحقيقي هنا، هو من يهدّد من؟. من العبث الإدعاء بأن أمريكا مهدّدة، فمقارنة ميزانية الدفاع للبلدان تبين أن الكفة لصالحها، والحقيقة أن البنتاغون أصبح قسما لإظهار القوة العالمية لأمريكا وليس هيئة للدفاع والأمن الوطني. لقد طور الأمريكيون مفهوما جديدا للأمن يمزج بين الأمن الوطني وإظهار القوة العالمية.
ومن المحتمل جدا، أن العشرية القادمة ستتسم بالخصومة الشديدة بين الولايات المتحدة، روسيا والصين، مثلما كان عليه الحال في الحرب الباردة، والحروب بالوكالة ستعود بقوة إلى الجنوب الكبير، وسوريا مثال حي على ذلك، وهي نقطة انطلاق نحو المجهول هذه المرة.
 ألا يقوي التوجه الأمريكي الجديد، حجّة كوريا الشمالية ودول أخرى مثل إيران لمواصلة برنامجهم النووي، من أجل تحقيق توازن الردع؟
 صحيح، العقيدة الامريكية النووية الجديدة، خطيرة جدا،  وأمريكا لم تكن يوما جادة، في جهودها لمكافحة انتشار الأسلحة النووية، وقد تحدث خبراء أمريكيون عن إلزامية ربط مراقبة التسلح والسياسة العسكرية بنفس الأهداف الأساسية للأمن كمنع نشوب الحرب وخفض تكاليف التسلح وتقليص العنف المؤدي إلى الحرب.
وبالتالي يجب أن يتم كبح أنظمة الحرب، لأن الدول مثلما هي قادرة على التهدئة قادرة على تشجيع الحرب الاستباقية، وإذا ما استمرت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في إهمال العوامل التي تدفع البلدان على امتلاك السلاح النووي، فإن جهود وقف انتشار أسلحة الدمار الشامل ستؤول على الفشل.
وبهذه العقيدة التهديدية، ستشجع كثير من الدول على ضمان أمنها بوسائل أخرى غير تقليدية.
والحقيقة أن المشكل هيكلي لأن النموذج الأمريكي للحرب، ليس استراتيجي وليس سياسي، وهمّه الوحيد هو الانتصار التكتيكي عبر (التسوية السريعة لنزاع، والسحب السريع للقوات الأمريكية دون حساب الأهداف السياسية والوضعية ما بعد الحرب».
هذا الأمر يؤكد من خلا أن مبررات السياسية الامريكية القائلة بعدم البدأ أولا في استخدام الأسلحة النووية، يلقى مقاومة شديدة من قبل بعض الفاعلين في قطاعي الدفاع والساسة الخارجية.  
فصناع القرار والخطط الدفاعية مترددين دوما بشأن حرمان المجمعات الحربية الكبرى من خاصية الأسلحة الفتاكة، على الرغم من أن المبدأ الأساسي لنظرية الردع يقوم على أن «تقليص اللجوء لهذه الخيارات يساهم في الاستقرار الإستراتيجي».
ولكن الجيش الأمريكي مرتبط ثقافيا بتفضيل الحلول التكنولوجية على حساب مقاربات أخرى، واللجوء إلى الأسلحة المنخفضة القوة التدميرية، يندرج ضمن سياق عام يتميز بالبحث عن الريادة التكنولوجية في مواجهة عدو».  
ويعتبر الأمريكيون، أن الحرب بديل عن المفاوضات أو بالأحرى كجزء من مسار مفاوضات جارية، وبوضوح المفهوم الأمريكي للحرب نادرا ما يمتد إلى ما بعد الفوز بالمعارك.
وبما أن النموذج الامريكي للحرب لا يحوز على إمكانية الانتقال من الانتصار بالمعركة إلى نجاح استراتيجي يظل مجرد نموذج بسيط للقتال، وهذا ما يشكل مشاكل جادة للسلم والأمن الدوليين.