طباعة هذه الصفحة

الوضع الميداني لازال معقّدا

تضارب الأولويات يعرقل مسار التّسوية في ليبيا

حمزة محصول

يعالج سكان بنغازي الليبية جرحاهم الذين أصيبوا خلال التفجيرات التي استهدفت مساجد المدينة مرتين في أقل من شهر، وينتظر سكان تاورغاء في الصّحراء القاحلة الضوء الأخضر لدخول منازلهم التي غادروها نازحين، وتبحث أطراف الأزمة في عواصم العالم عن حل طال انتظاره.

ينتهي غدا موعد تسجيل المواطنين الليبيين داخل وخارج البلاد، في القوائم الانتخابية تحسّبا للاستحقاقات المقرّرة هذه السنة، والتي تحظى بدعمين تقني وفني من قبل الأمم المتحدة.
سيتوجّه الليبيون إلى صناديق الاقتراع إذا، حينما تتلاءم الظروف والأوضاع السياسية والأمنية، وإلى ذلك لازال الوضع قاتما، حيث تعاني الدولة المحطمة من  خطر الخلايا النائمة للجماعات الإرهابية وأزمة اقتصادية خانقة ووضع إنساني صعب، ناهيك عن الانسداد الحاصل بين أطراف العملية السياسية.
وبعد سقوط عشرات القتلى والجرحى في تفجيرات مساجد بنغازي، تضاءلت فرحة النصر على الإرهاب وحلّت محلها اليقظة والحيطة الدائمة لتفادي حوادث مماثلة في التجمعات السكنية والمرافقة العمومية وبالأخص المساجد.
ووجدت القوات الأمنية التابعة للمشير خليفة حفتر، نفسها أمام تحدي التكيف مع النمط الجديد للأنشطة الإرهابية، إذ لابد من تغيير آليات الاستراتيجية الأمنية في بنغازي وغيرها من المدن.
ولعل أول خطوة هامة للتصدي لفلول الإرهاب المختبئ في كهوف وتضاريس واعرة، هو بناء جهاز استخباراتي فعّال، الأمر فهمه حفتر جدا لمّا حاول إلحاق جهاز الأمن الوطني بقيادة الأركان التي يتولاّها، ولقي معارضة شديدة من قبل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس الحكومة المؤقتة غير المعترف بها دوليا عبد الثني، واللّذان أصرّا على إبقاء الجهاز تحت وزارة الداخلية.
ولا تتوقّف التحديات الأمنية عند هذا الحد، حيث أنّ نزع الألغام من أخطر المهام المسندة لقوات الجيش الليبي شرق البلاد، والتي تخلّف ضحايا مدنيين وعسكريين، بحسب تقارير أممية.

مغامرة؟

ويمضي التحضير لإجراء انتخابات عامة في ليبيا، في وقت لم يتم توحيد المقاتلين تحت راية المؤسسة العسكرية المحترفة، ولازالت الفصائل تفرض منطقها في مختلف المناطق مع موالاة واضحة تجاه هيئة سياسية معيّنة.
ويعتبر بعض المتابعين للوضع أنّ استمرار غياب القبضة الأمنية عن مؤسّسات الدولة الموحّدة، يجعل من الاستحقاقات مغامرة وهروبا نحو الأمام، لأنّ السّلطات التي سيختارها الشعب ستجد نفسها أمام تراكمات قديمة ومعقّدة، قد تفوت عليها التفرغ للتنمية والاهتمام بانشغالات المواطنين.
كما تطرح قضية تأمين وتسيير العملية الانتخابية، فرغم الدعم الفني والتقني المتفق عليه مع منظمة الأمم المتحدة قصد ضمان «شفافية الانتخابات»، لا تبدو الضمانات كافية لتحقيق هذه الغاية بالشكل المطلوب، في ظل استمرار سيطرة المليشيات المسلحة على عدة مواقع رغم التزام العديد منها بالنظام العام، والولاء للهيئات السياسية التي تحوز على الشرعية الدولية.
وبين هذا وذاك تتخبّط ليبيا بين أولويات متشابكة تتمثل في الحرب على الإرهاب، نزع أسلحة المليشيات وتوحيد مؤسسة الجيش، والذهاب نحو عملية سياسية لتستمد السلطات المنتخبة شرعيتها من الشعب.
وتخلتف الأطراف الليبية فيما بينها بشأن تقديم قضية على أخرى، إذا ترى جهات بالتوجه نحو مؤتمر شامل تعقبه مصالحة وطنية تذيب الخلافات والضغائن، فيما تعتقد أخرى استرجاع أجهزة الدولة للسلاح وبسط القانون على الجميع لتمهيد الطريق نحو المصالحة.

أيّ دور للمجتمع الدّولي؟

التزمت مجموعة من الدول الأوروبية قبل أيام بمنح بعض ملايين الدولارات إلى ليبيا كمساهمة في إنجاح العملية الانتخابية، في وقت ستكون البعثة الأممية للدعم شريكا أساسيا للجنة العليا لتنظيم الانتخابات.
تفتقد خطوات المجتمع الدولي في سياق تسوية الأزمة الليبية، منذ سنوات إلى الفعالية اللازمة، إذا لا تملك في رصيدها ما يمكن أن يرتقي إلى إنجازات هامة، فالاتفاق السياسي الموقع سنة 2015، لا يلقى الإجماع وتواجه عملية تعديله عراقيل معتبرة، ظهرت خلال جلسات اللجنة المشتركة لمجلس النواب والمجلس الرئاسي، ولم تتوّج بيانات المبعوث الأممي المتتالية بأيّة نتيجة ملموسة، ماعدا الاصرار على مواصلة نهج الحوار.
لذلك تحاول القوى الكبرى بإجراءاتها المتسارعة تحقيق شيء يحسب لها، قد يكون تنظيم الانتخابات والتي لن تبصم على حل نهائي إذا ما تمّ إجراؤها في الوضع الراهن.

ليست جادّة؟

منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي لم تبد الدول الكبرى نفس الحزم في التعامل مع الأزمات المعقّدة التي تعيشها ليبيا، فرغم معاناتها من ظاهرة الهجرة غير الشرعية لم تبد دول الاتحاد الأوروبي نية جادة ومعقولة للتعامل مع المآسي الإنسانية التي تحصل في البحر المتوسط يوميا.
فتحت الضغط الشديد منحت تركيا 6 مليار دولار، للتعامل مع تدفق اللاجئين بعدما هدّد أردوغان بإغراق أوروبا، واقترح ماكرون إنشاء مراكز استقبال في الدول المنبع للهجرة، لدراسة طلبات اللجوء، وعندما تعلق الأمر بليبيا، لم تقدم أي برامج فعالة، بل هدّدت القادة الأوروبيين سنة 2014 باستخدام القوة وقصف القوارب التي تحمل المهاجرين في عرض البحر.
وكان المشير خليفة حفتر قد طلب من الرئيس الفرنسي ماكرون مساعدات بقيمة 30 مليار أورو لمواجهة الهجرة غير الشرعية، وتسلّل الإرهابيين نحو أوروبا بدءا من الحدود الجنوبية الليبية، فيما وقّعت حكومة الوفاق الوطني الليبية اتفاقا مشتركا مع الحكومة الايطالية للتعامل مع قوارب الموت.
ورغم التقارير الدولية التي أثبت تورط مليشيات مسلّحة في غرب ليبيا، تتاجر بالمهاجرين غير الشرعيين ومتورطة في عمليات تهريبهم إلا المجتمع الدولي لم يحرك ساكنا، وصدر تهديد لفظي من ماكرون باستخدام القوة العسكرية ضدهم.

 صراع علني

ومع تنامي جولات الأطراف السياسية الليبية نحو العواصم الإفريقية والدولية، لا تخفي دول مثل أمريكا، روسيا، إيطاليا، فرنسا وبريطانيا دعمها العلني لوحدة واستقرار ليبيا، ويأتي ذلك على لسان رؤساء هذه الدول ووزراء خارجيتها.
لكن ما يقلق الليبيون من الدور الذي تلعب القوى الكبرى، هو التراشق اللفظي بين إطارات عسكرية ودبلوماسية، تحذّر تارة من تعاظم النفوذ الروسي في ليبيا، وتحذّر من تقارب أطراف الأزمة الليبية مع عاصمة معينة دون سواها، ما يعني حربا ضروسا تجري في الخفاء بينها على صيغة الحل النهائي.
وينعكس عدم التوافق الدولي بشكل مباشر على التوافق الداخلي الليبي، إذ تتعثّر جهود رأب الصدع بين الليبيين في كل مرة، بدليل أنّ مبادرة الصّلح التي تمت بين أعيان مدينتي تاورغاء ومصراتة طيلة سنتين، لم تجد طريقا للتجسيد حيث حرمت أهالي تاورغاء من العودة إلى ديارهم  ولازالوا يبيتون في العراء.

 إرادة فلاذية

 قد تنجح خطّة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة في بلوغ مخرج للأزمة، ولكن في ظل الظروف الراهنة وإن يحدث تقدّما إيجابي على الصعيد سيكون الحل أعرج، فالخلايا النائمة للإرهاب لا يمكن القضاء عليها بمؤسسة عسكرية غير مكتملة الأركان، ولن يشعر المواطنون بالسكينة التامة ومظاهر التسلح الفوضوي بادية في مختلف المناطق.
ويحتاج المجتمع الليبي إلى نخبة سياسية ذات إرادة فلاذية صلبة لتحقيق الحل النهائي التوافقي عبر تقديم التنازلات والمناورة على الصعيد الدولي من أجل الحصول على دعم جدي من قبل المجموعة الدولية.