طباعة هذه الصفحة

الدكتور رابح زاوي يقف عند مستجدات الأزمة الليبية

التصعيد الأمني والتدخلات الأجنبية حجر عثرة في طريق الحلّ

حوار: إيمان كافي

إنهاء الاقتتال في مدن ليبيا أولوية لتعزيز تواجد الدولة ومؤسساتها

رغم الجهود الهادفة إلى إقرار حل سياسي سلمي  للأزمة في ليبيا، إلا أن الكثير من العراقيل الأمنية والتدخلات الخارجية مازالت تمثل حجر عثرة أمام تحقيق هذا المسعى، فضلا عما باتت المعضلة الليبية تشكله من تهديد إقليمي، إذ غدت كل دول المنطقة في مرمى الانعكاسات الأمنية الخطيرة  للوضع المتفجّر في أرض شيخ الشهداء عمر المختار.
ولأن الجزائر كانت من بين الدول الأولى التي حذرت من انزلاق الوضع بليبيا، وشدّدت على ضرورة احتوائه قبل تفاقمه عبر اللجوء إلى حل سياسي توافقي، اعتبر الدكتور رابح زاوي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة مولود معمري بتيزي وزوفي حوار لـ»الشعب» أنه من المهم الاعتماد على المقاربة الجزائرية القائمة على تعزيز التعاون الأمني الإقليمي وتوسيع مراقبة الحدود، والعمل على الحد وبشكل كبير من حجم السلاح المنتشر في المنطقة، عبر تعزيز قنوات الحوار ودعم عملية بناء الدولة في ليبيا.
«الشعب»: معارك سبها الأخيرة في ليبيا خلّفت قتلى وأدت إلى نزوح عائلات وأسفرت عن هشاشة اقتصادية إلى أين يتّجه الوضع في الجارة الشرقية؟
الدكتور رابح زاوي: في البداية يجب الإشارة إلى موقع المدينة وأهميتها من الناحية السياسية وكذا الاقتصادية، فهي تقع جنوب غرب ليبيا، وسبق لها أن شهدت مثل هذه التوترات الأمنية خلال وبعد سقوط النظام السابق، وكانت تلك التوترات ترتفع حدتها تارة وتنخفض في أحيان أخرى، كما أنها منطقة من الناحية الأمنية تتقاسمها مجموعات مسلحة مختلفة منها ما يتبع عملية الكرامة وأخرى تقول إنها تتبع حكومة الوفاق.
 أما بالنسبة للأحداث التي عرفتها المدينة خلال الأيام الماضية فهي كانت بين كتائب قبائل التبو، وقبيلة أولاد سليمان، التي يتبع أفرادها اللواء السادس مشاة، وهي مواجهات أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، من ناحية أخرى أعتقد أنه من الضروري الإشارة إلى ارتفاع حجم تجارة تهريب البضائع والوقود في هذه المدينة بصفة خاصة والجنوب بصفة عامة كنتيجة حتمية لعجز الدولة وأجهزة الأمن الليبية عن فرض سيطرتها بشكل حقيقي على المنطقة، وهو الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على الاقتصاد الليبي الذي مازال عاجزا عن تحقيق نمو اقتصادي ثابت ومستقر، فإلى غاية الآن مازالت سنة 2010، تمثل سنة مرجعية للاقتصاد الليبي، حيث حقق خلال سنة 2017 ما قيمته 15 مليار دولار وهي حسب تقارير البنك الدولي تمثل ثلث ما حققته ليبيا سنة 2010.
أقرّ فائز السراج  خطة جديدة لإنهاء الاقتتال القبلي، وأكد أن الأمن والاستقرار يعدان أولوية لتحقيق المسار التوافقي ما تعليقكم؟
** في حقيقة الأمر كانت ومازالت الأولوية وستظل كذلك، فبدون استقرار أمني وبسط للسيطرة على كل شبر من الأراضي الليبية، باقي الأهداف لن يكون بمقدورها التحقق على أرض الواقع، حيث أن المجلس الرئاسي في البيان الذي أصدره يكون قد وضع إصبعه على مكان الجرح بالنظر إلى أن أي اعتداءات على معسكرات ومقرات الجيش هو اعتداء على السيادة الوطنية ويهدّد أمن البلاد بالكامل، وأن التوترات في المنطقة مثلما هي نتاج لإرث يهدف إلى نشر الفتن وتمزيق النسيج الاجتماعي الليبي هي كذلك تعبر عن واقع سياسيواقتصادي وأمني صعب، فإلى غاية الآن مازالت أجهزة الدولة عاجزة عن تحقيق الأمن والحدّ من تأثير الميليشيات المسلحة، هذه الأخيرة يبدو أن الوضع القائم في الجنوب يخدمها بشكل كبير بالنظر إلى العلاقة  التي أصبحت قائمة بينها وبين شبكات التهريب والجريمة المنظمة.
إنهاء الاقتتال الدائر يعد أولوية قصوى بالنسبة للسلطة القائمة من خلال تعزيز تواجد الدولة ومؤسساتها في الجنوب الليبي من جهة، وكذا دمج الوحدات السكانية والربط بين النسيج العمراني لمختلف القبائل وبناء اللبنة الأساسية للمواطنة الليبية القائمة على عدالة توزيعية ومساواة.
 تمّ مؤخرا تمديد تسجيل الناخبين للاستحقاقات المرتقبة، هل يشكّل هذا خطوة نحو بناء الدولة؟
 أكيد، هي خطوة هامة وضرورية لبناء الدولة وتعزيز الركائز الحقيقية للمشاركة السياسية الفاعلة، حيث أن تمديد آجال التسجيل في القوائم الانتخابية، سيعطي فرصة لجميع الليبيين للمشاركة في هذه الانتخابات والتوجه نحو الممارسة الحقيقية والفاعلة في بناء دولة الحق والقانون، وهنا نلاحظ أن حتى المجتمع الدولي بما فيه الأطراف الإقليمية في صورة الجزائر تدعم هكذا مسارات، والدليل هو دعمها الدائم للحوار بين الأطراف الليبية من أجل إيجاد حلّ يرضيها ويدفع بمسار بناء الدولة إلى الأمام.
ولعلّ تصريح رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح يصبّ في هذا الاتجاه، حينما عبّر عن الأرقام المحفزة لتسجيل الناخبين الليبيين، وهو الأمر الذي يعكس وجود وعي بأهمية تبني الانتخابات كخيار ديمقراطي حقيقي.
 حذر خبراء أمميون من استمرار النشاط الإرهابي في ليبيا، واعتبروا أن ذلك يهدّد استقرار المنطقة، كيف يتمّ - حسبكم - التعاطي مع هذه التهديدات؟
 أعتقد أن الأولى هو التذكير بالتحذيرات التي سبق وأن أطلقتها الجزائر في البدايات الأولى للأزمة الليبية، من انعكاسات التدخل في الشأن الليبي ومن خطر تجارة السلاح وانتشارها في المنطقة، لكن لا أحد توقع ما رأته الجزائر في تلك الفترة خطرا كبيرا قادما أثبتته الأيام فيما بعد، كما أثبتت صحة الموقف الجزائري من الأزمة.
 أما بالنسبة لتنامي النشاط الإرهابي فيكاد يكون تحصيل حاصل للفشل «الدولاتي» وعجز السلطة الليبية عن تشكيل وحدات أمنية وجيش ليبي بإمكانه الدفاع وتأمين الحدود الليبية، وهنا يمكن العودة والتذكير بحجم العمليات الإرهابية التي عرفتها ليبيا أو كانت منطلقا وقاعدة لها. حيث وفي أكثر من منطقة ليبية يحاول حاليا تنظيم داعش الإرهابي إعداد صفوفه من جديد بعد الإعلان عن إخراجه من مدينة سرت الساحلية في ديسمبر 2016،من قبل قوات تبناها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بطرابلس مدعومة بطيران القوات الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، كما أنه تمكّن من تنفيذ عمليات إرهابية في منطقة الجفرة الواقعة وسط البلاد والتي تعتبر نافذة الشمال على الجنوب الشاسع.
إذن هو خطر حقيقي يهدّد ليس ليبيا وفقط وإنما حتى دول المنطقة والجوار، وأعتقد جازما أن الخيار الأنسب للتصدي للظاهرة يكمن في الاعتماد على المقاربة الجزائرية القائمة على ضرورة تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول المعنية بالظاهرة وتوسيع مراقبة الحدود، والعمل على الحدّ وبشكل كبير من حجم السلاح المنتشر في المنطقة، وكل هذا يمرّ طبعا عبر تعزيز قنوات الحوار ودعم عملية بناء الدولة في ليبيا.