طباعة هذه الصفحة

بين رحى الحرب

اليمنيون يعانون الويلات والعالم لا يبالي

فضيلة دفوس

إذا كانت الأضواء الإعلامية مركّزة على تطوّرات الوضع وانزلاقاته في جميع بلدان «الربيع الدموي»، فتنّة دولة تعيش الويلات في صمت بعيدا عن شاشات العالم التي تمارس التمييز والانتقائية في تغطية مآسي ملايين المغلوبين على أمرهم. الدولة هذه هي اليمن والمغلوبين على أمرهم هم اليمنيون، الذين نشدوا التغيير كغيرهم من الشعوب العربية قبل سبع سنوات فوجدوا أنفسهم بين رحى حرب مدمّرة تخوضها أطراف إقليمية على أرضهم.

العالم كلّه يركّز اهتمامه على ما يجري في سوريا وليبيا وغيرها من المناطق الساخنة، لكنّه يدير ظهره للوضع في اليمن، حتى أصبحنا نجهل ما يجري على الأرض، ونعجز عن إدراك وجوه اللاعبين هناك، وهم كثر وكلّ واحد يسوق مبرّرات تدخله ويدافع عنها، دون أن يلتفت إلى اليمني الذي يسقط أمامه إماّ بالرّصاص والصواريخ العبثية، أو بالأوبئة الفتّاكة والجوع.
الأزمة في اليمن بدأت مع «الربيع الدموي» برغبة جامحة للشعب في تغيير النظام الذي عمّر طويلا دون أن يحقّق شيئا للبلاد التي ظلّت ولا زالت من أفقر وأتعس البلدان العربية، لكن الرغبة المشروعة في التغيير، سرعان ما أخدت منحنيات تصعيدية خطيرة، وككرة الثلج كبرت الأزمة وتفجّرت إلى حمم بركانية بعد أن انقلب الحوثيون على الشرعية ووضعوا أيديهم بعد تحالفهم مع الرئيس المخلوع على عبد الله صالح، على صنعاء في الواحد والعشرين من سبتمبر 2014، ثم انطلقوا يتمدّدون في اتجاه الوسط والجنوب، وصولا إلى عدن وميناء المخا الذي يمكن منه إغلاق باب المندب، أحد أهمّ الممرات البحرية في العالم، نظرا إلى أنّه ممرّ إجباري لكل سفينة متجهة إلى قناة السويس.
لكن استيلاء الحوثيين على الحكم في اليمن لم يكن حدثا عابرا بالنسبة للبلدان المجاورة وعلى رأسها السعودية التي اعتبرته سيطرة إيرانية مباشرة على شقيقتها الجنوبية، ويندرج في إطار - ما أسمته الرياض ـ مشروع الجمهورية الفارسية التوسعي بالمنطقة، وبالتالي خطرا داهما يهدّد أمنها الاقليمي، لهذا تدخلت عسكريا في اليمن، وأطلقت «عاصفة الحزم» في 26 مارس 2015.
 واليوم تمرّ ثلاثة أعوام على انطلاق هذه العملية التي بدأت بمشاركة 10 دول، من بينها دول مجلس التعاون الست، في حين رحّبت مصر والأردن والمغرب وباكستان والسودان بالمشاركة.
و بعيدا عن الخاسر والرابح في هذه الحرب التي لا تبدو لها نهاية إلى غاية الآن، من واجبنا الوقوف عند الوضع الانساني الكارثي للشعب اليمني اليوم، حيث باتت الملايين منه على شفا المجاعة، والملايين الأخرى على حافة الموت إما بالأوبئة أو بالتفجيرات والصواريخ والرّصاص.
على شفا المجاعة
بات اليمن اليوم للأسف الشديد على شفا المجاعة، إذ يشهد أكبر أزمة إنسانية تهدّد ملايين اليمنيين المعرضين في الوقت نفسه للأمراض والأوبئة.
وقد طالبت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قبل يومين المجتمع الدولي بتوفير 350 مليون دولار للإغاثة في اليمن، معتبرة أنه «مبلغ تافه» مقارنة بما ينفق على الحرب.
وقال خيرت كابالاري، المدير الإقليمي لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال مؤتمر صحافي في عمان أن «يونيسف تطلب لبرنامجها الإغاثي لعام 2018 وحده 350 مليون دولار»، وأضاف «لأكون واضحا هو فعلا مبلغ تافه مقارنة بمليارات الدولارات التي تنفق على الحرب».
وقال كابالاري أن «الوضع في اليمن يفطر القلب، صدمت الأسبوع الماضي في صنعاء برؤية مئات، لا بل آلاف الأطفال يتسولون في الشوارع». وأضاف «كنت قبل سنوات مبعوثا من اليونيسف لدى اليمن ولم أرَ ما نراه واقعا اليوم».
وأضاف «نخسر وقتا ثمينا في مناقشة شروط يفرضها جميع الأطراف، شروط تمنعنا من إيصال المساعدات الإنسانية، السماح للمساعدات الإنسانية بالمرور لا يجب أن يكون مشروطا».
ومعلوم أنه بسبب الحرب، تدهور أيضا الوضع الاقتصادي باليمن، وارتفع معدل الفقر إلى 85%، وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا بأكثر من 60%، وبات الملايين معرضين لسوء التغذية.
وفي الوقت ذاته، انعدمت الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء، كما انقطعت مؤخرا رواتب كل القطاعات والدوائر الحكومية، وانتشرت أيضا الأمراض على غرار وباء الكوليرا الذي بلغ عدد المصابين به مليون شخص، وفق تقرير الصليب الأحمر الدولي.
الصورة قاتمة في اليمن، وليس هنالك من وصف للوضع، هناك أكثر بلاغة مما قدمه «مارك لوكوك» وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، الذي قال: «بأن الأوضاع الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني في الوقت الراهن تبدو كـ»الحال في يوم القيامة».. إذا لم تتغير الأوضاع في اليمن فإننا سنشهد كارثة إنسانية هي الأسوأ منذ خمسين سنة».
الأزمة في اليمن تمدّدت وتفاقمت وتحوّلت إلى حرب تقودها أطراف إقليمية لكن وقودها هو الشعب اليمني الذي يدفع الثمن الغالي دون أن يحرّك المجتمع الدولي ساكنا للإنهاء هذه المأساة.
ورغم هذا الواقع المرير، ومع غياب أيّ بادرة للانفراج في القريب العاجل على الأقل، يبقى السؤال مطروحا، هل بإمكان ‏مبعوث الأمم المتحدة الجديد لليمن مارتن غريفيث الذي وصل إلى صنعاء السبت الماضي في أول زيارة له إلى المدينة منذ تعيينه بمنصبه خلفا للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، من إقناع أطراف الأزمة والحرب بالجنوح إلى السلام؟ نرجو ذلك في أقرب وقت.