طباعة هذه الصفحة

الأستاذة فايزة سبتي تقف عند الوجه المظلم للطفرة التكنولوجية

التنظيمات الإرهابية تخوض حربا قذرة على حلبة الأنترنت

إيمان كافي

أعطى الفضاء الرقمي صبغة جديدة للتهديدات الإرهابية في العالم، ورفع مستوى تنامي الخطر الأمني العابر للحدود، حيث أضحت الأنترنت حلبة للحرب ضد الإرهاب، كما تعتقد أستاذة الإعلام والاتصال بجامعة محمد لمين دباغين بسطيف، فايزة سبتي، التي أكدت في حوار مع «الشعب»، أن الإعلام الجديد الذي تتبعه التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش»، يجعلنا أمام نوع جديد من التحدي، هو»الإرهاب الالكتروني» الذي تجري وقائعه في الغرف المظلمة ووراء شبكات التواصل الاجتماعي بأنواعها، ما يجعل محاربته تتطلّب سياسة أمنية في مستوى هذا التحدي.

«الشعب»: باتت التنظيمات الإرهابية تعتمد في نشاطها الدموي وفي التجنيد والتعبئة على الفضاء الرقمي، فما تعليقكم؟
فايزة سبتي: شكلت التحولات السياسية بعد أحداث سبتمبر 2001، نقطة فاصلة في تغير طبيعة التهديد على مستوى الأنظمة العالمية لما تحمله هذه التهديدات من معطيات جديدة تؤثر على أمن واستقرار الدول في ظلّ تزايد خطر الجماعات الإرهابية، ولعلّ المنحى الخطير الذي بدأت التنظيمات الإرهابية باتباعه، تمثل في عدم قصر نشاطاتها الدموية على المجال المادي الواقعي، بل انتقلت إلى الفضاء السيبراني، وأصبح هناك شبكة إعلامية الكترونية بقنوات متعدّدة توسع نطاق الجماعات الإرهابية، فنتيجة للتطور التكنولوجي اتخذ الإرهاب أساليب وأبعادا جديدة وأشكال مختلفة، التي بمجملها تسعى إلى تهديد أمن المجتمع وتدمير ممتلكاته، وذلك تحت مبررات وشعارات تتباين من منظمات إرهابية إلى أخرى، فالجماعات الدموية  أدركت منذ الوهلة الأولى أنها معركة إعلام وصور ورأي عام بالدرجة الأولى، وأن العالم السيبراني هو السبيل الأمثل لكسب الحرب النفسية وكسب عقول الشباب، وبالتالي التأثير في الرأي العام ومنه صنّاع القرار.
لذلك يمكننا القول، إن الإعلام الجديد الذي تتبعه التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش «، يجعلنا أمام نوع جديد من الإرهاب، هو «الإرهاب الالكتروني» الذي تجري وقائعه على حلبة الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بأنواعها، وتشير التقارير، أن التنظيم الإرهابي «داعش» لديه 90 ألف صفحة باللغة العربية على موقع التواصل الاجتماعي «الفايسبوك» و40 ألف بلغات أخرى، إضافة إلى موقعه الذي دشنه التنظيم بسبعة لغات لابتزاز الشباب وضمّهم لصفوفه، فحوالي 3400 شاب انضم إلى داعش عن طريق حملات التجنيد الالكترونية واستخدام مواقع تحتوى على برامج حماية من تعقّب المخابرات كالواتس أب والتيليغرام.
 التهديد الذي أطلقه مؤخرا إرهابيو»داعش» ضد روسيا باستخدام تطبيق التيليغرام لديه دلالات متعدّدة، لماذا تمّ اختيار هذا الموقع بالتحديد وما المراد من وراء تهديد روسيا بالتحديد؟
  يبدو اختيار هذا الموقع الروسي التأسيس لتوجيه تهديد صريح لروسيا، إشارة واضحة بأن تنظيم» داعش» الدموي يرغب في شدّ انتباه العالم، والاظهار بأنه لا يزال ينبض وفي أوجه، كما أن استخدامه لهذا النوع من التطبيقات لنشر دعايته، يعود بالأساس إلى حرصه على الوصول بشكلٍ آمن إلى جمهوره، وذلك نظرا لما يحمله تطبيق التيليغرام من خصائص متمثلة في عدم القدرة على تتبع المرسل، فكل الرسائل المرسلة عبر التيليغرام تخضع للتدمير الذاتي بعد فترة معينة من قراءتها، كما يمتلك التطبيق واحدًا من أفضل بروتوكولات المصدر المفتوح الذي يدعم رسائل طرف إلى طرف آخر، أين يتم تشفيرها أيضاً وهذا يعني إمكانية تشفير أي رسالة مدى الحياة.
ويدل تهديد تنظيم داعش الإرهابي بشنّ هجمات وتنفيذ عمليات في روسيا «خلال وقت قريب جدا» وفق الفيديوهات المنشورة باللغة الروسية عبر تطبيق التيليغرام، على دلالتين أساسيتين، الأولى أنها ردّة فعل طبيعية للدور الذي تلعبه القوات الروسية في قصف دمويي التنظيم ومواقعه الإستراتيجية في سوريا.  
أما الدلالة الثانية، أن هذه التهديدات مجرد ردة فعل دفاعية في ظل الحروب الالكترونية الردعية أو الإستباقية ضد أي عمل هجومي قد تفكر فيه روسيا مستقبلا.
بعد الضربات التي تلقاها في العراق وسوريا، هل تراجع موقع «داعش» على خارطة التهديد الإرهابي؟
** أظن أن بداية العام الجديد كانت تجلي لخارطة تنظيم «داعش الإرهابي بتحركاته في أكثر من مكان، لإثبات بأنه مازال موجودا، إذ حرّض أنصاره على شنّ عمليات إرهابية في سوريا والعراق رغم أن هذا الأخير أعلن انتصاره على الدولة الإسلامية، ووسع كذلك من تواجده في إفريقيا، وتعاون مع التنظيمات الإرهابية المتواجدة هناك، وكثف أيضًا من حضوره في مواقع التواصل الاجتماعي، ودعا عناصره للدخول بقوة إلى الفيسبوك، تويتر والتيليغرام، ورغم أن التحركات السابقة تبدو مثل الشخص الذي يوشك على الغرق، ويتشبث بأي شيء للنجاة، إلا أن هناك تحذيرات من أن «داعش» لم ينته بعد، وأنه قد يعيد إحياء نفسه من جديد، مستغلا حالة الفوضى العارمة في الشرق الأوسط بصفة خاصة، والعالم بصفة عامة، كما أن هنالك الكثير ممن يعيد تراجع «داعش» إلى الخيار التكتيكي والاستراتيجي، لذلك فإن التنظيم جعل من مونديال 2018، في روسيا هدفا رئيسا للعودة للمشهد من جديد، وتهديدا لروسيا باعتبارها تلعب دورا كبيرا في القضاء على التنظيم بسوريا.
الفضاء الافتراضي ساعد التنظيمات الإرهابية على تنفيذ عملياتها بتكاليف أقل وعوائد أكبر وحماية أكثر، ما قولكم؟
 نظرا للطفرة التكنولوجية والضرورة الإستراتيجية أصبحت التنظيمات الإرهابية ترتكز على ما يطلق عليه «التواصل الاجتماعي المظلم»، إذ أن أنشطة هذه الجماعات أصبحت تعتمد على محتوى وسائل الإعلام الاجتماعي وخاصة منها التي لا يمكن تعقبها، فقد تحولت إستراتيجية «داعش» على سبيل المثال على مرّ السنين من تجنيد الأفراد عبر استخدام الفضاء الافتراضي إلى الإنزال الميداني في كل من العراق وليبيا وسوريا للمشاركة في القتال على أرضهم لتحقيق شيء أكثر واقعية من أجل قضيتهم من خلال العمليات الإرهابية التي ينفذها وهو ما يطلق عليه تسمية «الذئاب المنفردة»، وبذلك فإن التنظيمات الإرهابية استخدمت الفضاء الافتراضي لصالحها من خلال التأثير في الأفراد لارتكاب أعمال إرهابية على أرضهم بقليل من الموارد وعدم ترك أي أدلة لاقتفاء أثرها.
التنظيمات الإرهابية من مثيلات داعش استغلت الطفرة المعلوماتية وما أتاحته مواقع التواصل الاجتماعي كأرض خصبة حاضنة للفكر التطرفي التوسعي، ولم تستفد فقط من الفضاء الالكتروني التقليدي الذي يمكن الوصول إليه عن طريق محركات البحث التقليدية بل توسعت عبر ما يسمى «بالشبكات الداكنة» التي لا يمكن الوصول إليها كالتيلغرام، وعبر هذه الشبكات الداكنة يتمّ انتهاج منحى معين وهو نشر محتوى باللغتين العربية والانجليزية واستخدام اللغة المشفرة، فهذه الأخيرة تزيد من صعوبة تتبع وتعقب هذه الإشارات التي تتغير من قبل التنظيمات الإرهابية، وهذا هو الجانب المظلم السريع في الإعلام الاجتماعي.
ما السبيل لمواجهة هذا الخطر المتنامي؟
 ترتبط مواجهة التحدي الذي تشكله التنظيمات الإرهابية بالأساس، إلى توجهات القوى الكبرى في العالم التي لا تزال تصر على التعاطي مع الظاهرة الإرهابية الالكترونية كورقة من أوراق النفوذ وتحقيق المصالح وإعادة رسم خارطة المنطقة من جديد، إلا أنه إذا أردنا الوصول إلى حلول ميدانية وليست للاستهلاك الإعلامي والخطابات البروتوكولية، لابد من التعاون المعلوماتي بين جميع الدول لمواجه المدّ الإرهابي والتعاون الفني مع الشركات الواضعة لهذه التطبيقات لمراقبة وتتبع الشبكات الداكنة.
وفي الأخير، فإن تعزيز التعاون الدولي والإقليمي من خلال مراقبة كل دولة للأعمال الإجرامية الالكترونية الواقعة على أراضيها ضد الدولة أو جهات أخرى خارج هذه الأراضي بمساعدة المنظمات الدولية والهيئات المتخصصة، كفيل بمكافحة الإرهاب الالكتروني أو على الأقل بوضع حد لعمليات التجنيد الالكترونية.