طباعة هذه الصفحة

من تفجير السيارات إلى نسف المنازل

العنف الطائفي سيـد الموقف في العــراق

فضيلة دفوس

لن نبالغ أو نجانب الصواب لو قلنا بأن العراق أضحى اليوم مسلخا بشريا حقيقيا، فمن لا يُقتل فيه برصاص قناص، فهو حتما سينسف بمفخخة مزروعة على الطريق العام او في مجلس عزاء او داخل سوق أو بجوار مدرسة.. ولاحظ للعراقي في النجاة حتى وهو بين جدران بيته مادام أن القتل غدرا امتد من تفجير السيارات إلى تفجير المنازل..
لقد أصبح الموت وأمسى رغيفا يوميا للعراقيين الذين سقط منهم ٩٧٩ قتيلا و٢١٠٠ جريحا الشهر الماضي وفي أوت قتل مالا يقل عن ٩١٦ مدنيا ومجموع من حصدتهم آلة العنف الهمجي بلغ ٤٤٥٠٠ منذ بداية  العام الحالي.

مع تصاعد وتيرة الهجمات والاغتيالات والتقتيل الغادر، أصبح الكل يحبس أنفاسه خشية عودة العنف الطائفي  الذي وضع بلاد الرافدين على شفا حزب أهلية ما بين ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ ، حيث كان يسقط في الأسبوع الواحد١٧٠٠ قتيل..
الأرقام كما نراها رهيبة ما يترجم حدة المأساة الأمنية التي يعيشها أهل العراق الذين تعكس أوجاعهم وآلآمهم المستمرة منذ عشر سنوات من الاحتلال وقبلها ١٣ عاما من الحصار والتجويع غطرسة الكبار وغدرهم واستهتارهم بأرواح الأبرياء وبحقوق الانسان الذين يزعمون ويتغنون بحمايتها صباح مساء..
ولامجال للشك، أن أمريكا هي المسؤولة عن العنف الطائفي الذي يفتك بالعراقيين الذين نراهم للأسف الشديد يحصدون الموت والفرقة بدل الحرية والديمقراطية التي وعدهم بها”بوش” ساعة قرر احتلال  البلاد، فنسف وحدتها وفتتها وفرقها الى مذاهب وأعراق وكيانات وحوّل العراق من فسيفساء تتناسق فيهاجميع المذاهب والأعراق وتتجانس لتشكل لوحة تبهج الصدور، الى مسرح للإرهاب وساحة للتجاذبات السياسية العقيمة، ما انعكس سلبا على الاقتصاد والوضع الاجتماعي وعاد بالهم والغم على الشارع الذي بات تائهابين المشافي والمقابر، يعود جرحاه ويدفن قتلاه.. وهو يتنمى أن يستيقظ يوما فيجد هذا الكابوس قد ولى دون رجعة..

أشكال مأساوية لحالات الإغتيالات

في العراق اليوم، بين كل مفخخة، مفخخة أخرى وبين كل مجلس عزاء مجلسا آخر، والقتل أصبح يتخذ أشكالا مأساوية فالمجموعات الارهابية التي تعث في الأرض فسادا وفي العباد اجراما، أصبحت “تبدع” في جرائمها وتطور من وسائل تقتيلها، فمن الانتحاريين الذين يفجرون أنفسهم في الأسواق والإدارات والمجالس والشوارع، الى السيارات المفخخة التي تحصد عددا كبيرا من الضحايا، مع العلم أن الارهابيين وزبانية القتل والغدر لا يكتفون بمفخخة واحدة، بل لقد أصبحت التفجيرات تتم بالجملة ففي يوم واحد، بل في دقائق معدودة تفجر عشرات السيارات وطبعا الهدف هو قتل أكبر عدد من الأبرياء وتحقيق الصدى الإعلامي، ثم وهو الأهم زرع الرعب والخوف في أفئدة الناس وخلق الفوضى الأمنية التي تعتبر مرتعا  للمفسدين والسراق ولصوص الثروة.. ولا يبدو بأن للإرهاب في بلاد الرافدين حدود أو سقف، بعد أن امتد الى تفجير المنازل بساكنيها ليصبح الزمن والأمان في خبر كان..

القتل على الهوية..
يتخذ العنف في العراق أبعادا خطيرة ليس فقط لأنه يجني على البشر، بل لأنه يرمي الى تفكيك وحدة الشعب ونسفها وتقسيمه الى مذاهب وأعراق وقوميات.. ولعلّ أشد ماأصبح يثير القلق هو القتل على الهوية او الاسم، وقد وقف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قبل أيام عند هذه المعضلة مشيرا الى أن الارهابيين تمكنوا من وضع الحواجز بين أبناء العراق، مؤكدا بأن الجماعات الإرهابية ودعاة الطائفية وضعوا بين أبناء البلد الواحد والجسد الواحد الحواجز التي أصبحت تصنف الناس، ووفق هذا التصنيف أصبح  القتل يتم، فالشيعي يسفك دم السنّي وهذا الأخير يهدر دم الشيعي.. وبيهما العراق يمزق بسكاكين أبنائه..

الوحدة على المحك
لا يمكن لاثنين أن يختلفا بشأن التهديد الذي يستهدف وحدة العراق، والحقيقة أن الواقع على الأرض هو الذي يعزز هذا الاعتقاد، ويؤكد بأن خطة تقسيم العراق ماضية الى التنفيذ لامحالة اذا لم يستفق العراقيون من غفوتهم ليتراجعوا عن شحذ سكاكين الطائفية بقصد تمزيق وحدة بلادهم الترابية والشعبية..
ولا أعتقد بأن الحديث عن هذا التهديد أمر غير واقعي أو مجانب للصواب، فللأسف الشديد الكل أصبح يرسم لمستقبل العراق خريطة تتوزع على ثلاث دويلات واحدة في الشمال للأكراد، وهي الآن شبه قائمة، والثانية في الوسط للسنة وثالثة في الجنوب للشيعة.
وفي الحقيقة، وبعد أن تمّ “ذبح” السودان وتمزيقه الى قسمين لا يمكننا أن نستبعد تكرار الجريمة مع أي دولة أخرى، خاصة وأن الأرضية أصبح في الكثير منها مهيأة لذلك اثر زلزال التغيير الذي ضرب قبل نحو ثلاث سنوات ومازالت هزاته الارتدادية تعصف بما يسمى دول الخريف العربي.

أين بوش ليرى “انجازه”؟!..

بألم شديد نتابع يوميات العراقي مع العنف والموت والطائفية، ومعه نحصي القتلى والجرحى ونعد اليتامى والأرامل والثكالى، وفي ذهننا سؤال واحد هل يرى “بوش” مافعله بالعراق؟
أجزم بأن الرجل الذي تولى مهمة تدمير بلاد الرافدين الشامخ وحقق مهمته القذرة بنجاح، لا يؤلمه أن يرى العراق وقد تحوّل الى أكبر منتج  للموت والمقابر وهو بكل تأكيد أراد وسعى الى هذه النتيجة المأساوية.
وأرجح أنه لا يتعب نفسه او يعكر صفو حياته بالإلتفات ولو صدفة الى ما خلقته فسحته الحمقاء في العراق.
إذا كان “بوش” يتحمل وزر ما يجري في العراق، فمن الأمانة والإنصاف ان لا يحمل الوزر كله، وسكين الجريمة لايجب أن تمسح فيه فقط، فمن يقفون وراء الإرهاب والجماعات الارهابية يتحملون نصيبا كبيرا في صنع المأساة العراقية  ومعهم ابناء العراق المتواطئين..
والى أن  يبزع الضوء من آخر النفق، يبقى بلد الرافدين يصارع سكاكين الغدر التي تقتل أبناءه وتمزق وحدته..

تغييب المشهد العراقي في الإعلام العربي؟

يبقى في الأخير أن نتساءل عن الأسباب التي جعلت المشهد العراقي يضيع في الاعلام العربي الذي نراه قد فقد  أخلاقه ورسالته وأصبح سلاحا يدمر الدول ويُلهبها صراعات دموية..
فلماذا يتجاهل هذا الإعلام ـ وعلى رأسه قنوات الفتنة التي تحولت الى معول تهديم، العنف في العراق وما يحصده من ضحايا يفوق عددها في أغلب الأحيان ما يسقط في سوريا التي أصبحت على شفا الحرب الأهلية..
لماذا لا يدين هذا الاعلام المأجور ما فعله الاحتلال الأمريكي ببلاد الرافدين وشعبه ويطالب بمحاكمته؟
في الواقع، هذا السؤال لا يحتاج إلى جواب مادمنا ندرك جيدا الرسالة التي أصبح يحملها هذا الإعلام.