طباعة هذه الصفحة

مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية بجنيف:

الهجرة غير الشرعية أكبر تحديات أوروبا بعد الحرب الباردة

أجرى الحوار: حمزة محصول

عواصم توظف المسألة ورقة سياسية لتحقيق مصالحها والنفوذ

عرف الاتحاد الأوروبي، الأسبوع المنصرم، خلافات حادة بين أعضائه، على خلفية رفض إيطاليا استقبال سفينة إنسانية على متنها عشرات المهاجرين ضمنهم نساء حوامل وأطفال قصر،  واستضافتها اسبانيا في النهاية بعد تراشق دبلوماسي غير مسبوق بين باريس وروما، حيث انتقدت الأولى تصرفا لا اخلاقيا للثانية بينما رفضت الأخيرة ما اعتبرته «دروسا منافقة».
ويوضح، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف، د.رياض الصيداوي، في هذا الحوار، أسباب تفاقم التراشقات الأوروبية حول مسألة الهجرة غير الشرعية، وما إذا كانت أزمة عابرة، أم عامل ينبأ بإضعاف الاتحاد الأوروبي على مستويات عدة.


«الشعب»: تسببت السفينة الإنسانية «اكواريوس» التي كانت تقل أزيد من 600 مهاجر غير شرعي، في أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين باريس وروما، بما يمكن تفسير تنامي التصدع بين دول الاتحاد الأوروبي في قضية الهجرة؟
د.رياض الصيداوي: جوهر المشكلة، هو أن ثقل الهجرة غير الشرعية نزل كله تقريبا على إيطاليا، ولو نظرنا إلى خريطة البحر الأبيض المتوسط، نجد أن إيطاليا (باستثناء مضيق جبل طارق) هي أقرب بلد أوروبي لتونس، ليبيا والجزائر، وبالتالي من الطبيعي أن تكون أو رحلة بحرية لهؤلاء المهاجرين غير الشرعيين نحو جزر ايطاليا.
الذي حدث، أن روما تقول أنها تحملت لوحدها وبشكل كبير تدفق المهاجرين من جنوب المتوسط، رغم أن اتفاقيات المحاصصة بين دول الاتحاد الأوروبي، وترى أن فرنسا لم تلتزم بحصتها وترفض استقبال المهاجرين من ايطاليا، وبالتالي تقوم بتخلي صارخ عن الالتزامات التي ساهمت في صياغتها داخل المجموعة الأوروبية.
وأرادت إيطاليا من خلال رفضها استقبال سفينة أكواريوس الإنسانية أن توصل رسالة احتجاج  قوية وانتفاض ضد فرنسا، بعدما بات تشعر أكثر من أي وقت مضى أن أزمة الهجرة غير الشرعية هي مسألة إيطالية وليست مسألة أوروبية.
 على هامش أزمة سفينة اكواريوس، جرى اتفاق بين المانيا وايطاليا والنمسا، لتشكيل محور ثلاثي للتعامل مع الظاهرة، وهو الأمر الذي أزعج الرئيس الفرنسي ماكرون، هل يمكن اعتبار الخطوة أول إجراء عملي ينهي التحرك الأوروبي المشترك حيال مختلف الملفات؟
 الاتحاد الأوروبي، كمنظمة تلقى ضربة موجعة، بعد انسحاب بريطانيا في إطار ما سمي بالبريكسيت، حيث تسبب في تفككه من الداخل سياسيا، اقتصاديا ودبلوماسيا، نظرا للقوة الكبيرة التي كانت تملكها بريطانيا داخل المجموعة الأوروبية.
يضاف إلى هذا الزلزال، كثرة الملفات الحساسة والإستراتيجية التي باتت مطروحة وبإلحاح على طاولة المفوضية الأوروبية، وعلى رأسها ملف الهجرة، ولو نتحدث عن تشكيل المحاور بين دول أوروبية معينة، نجد أن فرنسا وألمانيا أول ما قام بتشكيل محور، وكانتا دائما بمثابة القاطرة التي تقود سياسة المجموعة، بينما اكتفت دول أخرى بدور التابع أو المستفيد ماليا من التواجد ضمن الاتحاد مثلما هو الحال مع اليونان.
وتنبئ سياسة المحاور بإضعاف الاتحاد الأوروبي بشكل عام، خاصة مع صعود اليمين القومي (المتطرف) في عديد البلدان وتقاسمه حقائب الحكومات مع الاحزاب التقليدية، حيث تعزّز الشعور بتقديم المصلحة الوطنية على حساب المصلحة الأوروبية وكل هذه العوامل تؤدي إلى بروز هذه الخطوات الجانبية داخل المجموعة.
هل قضية الهجرة غير الشرعية بالنسبة للدول الأوروبية مكلفة إلى درجة أن تكون عبئا على اقتصاداتها أم أن هناك عوائد غير ظاهرة تستفيد منها البلدان المستضيفة؟
هي قضية مكلفة للغاية، خاصة بالنسبة لدولة مثل إيطاليا، بخلاف ألمانيا أغنى بلد أوروبي، التي استضافت أكثر من مليون مهاجر (لاجئ)، لأن لديها امكانيات استيعاب العدد الهائل لهؤلاء المهاجرين، لكن هناك من قال أنها احتاجت لفئة الشباب تحديدا لمواجهة الشيخوخة التي ارتفعت بشكل مقلق، وبالتالي هناك مصلحة اقتصادية، من وراء الشجاعة السياسية للمستشارة الالمانية انجيلا ميركل، والتي سببت لها متاعب داخلية وخارجية كبيرة.
يروج الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لمقترحه القاضي بإنشاء مراكز استقبال طالبي اللجوء والمهاجرين في دول المنبع  جنوب المتوسط والصحراء، هل هي فكرة عملية فعلا أم أنها بعيدة عن التطبيق؟
اعتقد ان دول المنبع مثل تونس، الجزائر والمغرب، لن تقبل  بنصب مراكز ايواء للمهاجرين الذين يتجمعون عندها أملا في بلوغ الضفة الشمالية للمتوسط.
أولا لأنها تملك السيادة التي تسمح لها برفض مثل هكذا مقترحات، وأيضا لأننا أمام هجرة غير شرعية، وليس أمام لجوء سياسي، والذي يفكر في الهجرة السرية، سيتجنب الدخول لمعسكرات أو التعامل مع مراكز الشرطة والسلطات الرسمية بشمال إفريقيا، وإنما يسعى لبلوغ الجنوب الأوروبي والاستفادة من جملة من الحقوق الفورية مثل الرعاية الصحية والأكل والتكفل اللائق.
وأعتقد أن مقترح ماكرون، يهدف إلى التخلص النهائي من ملف الهجرة وتحميله للدول الواقعة جنوب المتوسط، وإلا لماذا تتساءل عن أسباب هجرة كل هذه الأعداد من الشباب الإفريقي نحو أوروبا؟ لماذا لا تساعد دولهم اقتصاديا وتساهم في استغلال الثروات الغنية جدا في القارة؟ إن تعامل أوروبا مع المسألة يحمل بصمات السياسية الاستعمارية القديمة.
هل معنى ذلك، أن الدول الأوروبية، وبالأخص فرنسا، تستخدم المسألة، كورقة ضغط على دول بعينها؟
 طبعا، الدول الأوروبية تمارس سياسة الكيل بمكيالين، تنتقد دولا معينة في تعاملها مع المهاجرين غير الشرعيين، ولا تقوم بأي نقد ذاتي وتطالب من الجزائر، تونس والمغرب بفعل ما لا تفعله.
وهناك ضغوط كبيرة تمارسها على تونس التي دخلت المرحلة الثالثة من الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، حيث تستخدمها كمقابل للظفر بالصفقات الاقتصادية .
من يتحمّل اليوم المسؤولية الأخلاقية للهجرة غير الشرعية، هل الدول الإفريقية التي عجزت عن تلبية حاجيات شبابها، أم أوروبا المتهمة بالنفاق؟
 الجميع يتقاسم المسؤولية، ولكن بالدرجة الأولى الدول الواقعة جنوب الصحراء، والتي فشلت إلى حدّ بعيد في تثبت ساكنتهان رغم أن هناك من يقوم بصبّ المليارات من الدولارات في البنوك الأوروبية، وبالتالي فغياب الحكم الراشد وانعدام الشفافية ونقص الثقافة الديمقراطية عامل رئيس لمشكلة الهجرة.
لكن الدول الاوروبية تمارس أيضا نفاق دبلوماسي، حيث تعتبر شكليا اللجوء الانساني امرا مقدسا، وتعمل ظاهريا على سن قوانين لدراسة ملفات المهاجرين واللاجئين وإجراءات خاصة بالترحيل، بمعنى انها ترفع شعارات إنسانية براقة لكنها في الواقع تعامل المهاجرين بطريقة سيئة جدا.
وفي المجمل، الهجرة غير الشرعية، هي مأساة إنسانية بالدرجة الأولى، حيث يهلك 50 بالمائة ممن يمتطون قوارب الموت في البحر غرقا وتأكلهم الحيتان، وحدث ذلك ولازال أمام أنظار العالم، وشهدت عليه البوارج البحرية الحربية الأمريكية والأقمار الصناعية، ولكن لا أحد يحرك ساكنا.