طباعة هذه الصفحة

ثقافة الركب بتيبازة

جسر للتواصل بين الفئــــات الاجتمـــــاعية

تيبازة: علاء ملزي

لا تزال ثقافة الركب راسخة في أذهان أعداد لا يستهان بها من سكان المناطق الجنوبية لولاية تيبازة، وهي الثقافة التي توارثتها الأجيال تباعا وساهمت في رسم معالم واضحة وبارزة للتعايش والتضامن والفرجة في أجواء إحتفالية.

 في هذا الاطار، يؤكّد قرومي عبد الله، أحد المهندسين البارزين لركب بني مناصر، على أنّ هذا الأخير يستعدّ للرحيل والسفر حينما يتمّ الاعلان عن الموعد عن طريق البرّاح ليتوجه الى ضريح الولي الصالح سيدي براهيم الغبريني بشرشال وزاوية سيدي أحمد بن يوسف بمليانة بولاية عين الدفلى وزاوية سيدي بلحاج ببلدية عريب بعين الدفلى، وكذا سيدي الحاج بن شرقي بمنطقة العطاف ضمن أربع رحلات متفرقة تضم في تركيبتها البشرية مختلف الفئات الاجتماعية من شباب وكهول ومسنين ومن الجنسين، مشيرا الى كون  هذه العادات التي توارثتها الأجيال تباعا لم يتمكن أحد من طمسها من الوجود بالرغم من التأثيرات السلبية الحادة التي تعرّضت لها خلال العشرية السوداء، ولا تزال قائمة وبشكل لافت بحيث يتم تحديد موعد انطلاق الركب عن طريق ثقافة البرّاح، عقب التوافق بين القائمين على شؤونه ليلتحق به الراكبون تباعًا، إلا أنّ الذي يفصل بين ما كان متداولا منذ عقود من الزمن والوقت الراهن يكمن في استعمال وسائل النقل الحديثة حاليا، فيما كان الركب يتنقل على البغال والأحصنة ومشيا على الأقدام من ذي قبل، كما انتشرت ألعاب الخيل والبارود والضرب على البندير خلال عقود خلت من الزمن، الأمر الذي لم يعد متداولا بشكل لافت حاليا، ولكن الذي لا يزال قاسما مشتركا بين العهدين يكمن في كون الركب لا يحيد عن ترديد المدائح الدينية بكل أطيافها وطرق أدائها بمعية تلاوة القرآن الكريم الذي يعتبر محورا رئيسيا في العملية كلها ويعتبر بمثابة الرباط الذي يجمع بين الراكبين انطلاقا من نقطة التجمع الأولى وانتهاء بضريح الولي الصالح الذي يتم قصده، ويستغلّ القائمون على الركب هذه المناسبة للدعوة لنبذ الخلافات وتجنب الخصام والتعايش في سلام في ظلال المصالحة والوئام.
أشار العضو المنظم لركب بني مناصر عبد الله قرومي الى كون زاوية سيدي أحمد بن يوسف بعين الدفلى مثلا تستقبل ثلاثة أفواج متفرقة على شاكلة ركب بحيث يلتحق بها كل من ركب بني مناصر من منطقة مناصر و ركب بني فرح من بلدية مسلمون بتيبازة فيما يعنى الركب الثالث بركب بومعد وما جاورها من نواحي عين الدفلى ليتم اللّقاء بمقر الزاوية، أين يتم عرض الصدقات وما يدعى بالمعروف ويتم التداول على تقديم المدائح الدينية وقراءة القرآن، اضافة الى ممارسة العديد من الطقوس والعادات التي يعتقد أصحابها بأنّها تقرّبهم الى الله وتجعلهم أقرب ما يكون من سيرة الأولياء الصالحين الذين ساهموا مساهمة فعالة في الحفاظ على الدين وتقديس العبادات وتهذيب العادات خلال فترة الاستعمار وما قبلها، إلا أنّ مسار الركب يختلف من منطقة لأخرى بالنظر لعدم تجانس المسافة التي تفصل نقطة الانطلاق بالنقطة المقصودة، بحيث يضطر الركب للتوقف أحيانا ببعض المناطق المعهودة ليتم استقباله بحفاوة وتنضمّ إليه وفود أخرى ليصل الى النقطة النهائية ضمن جمع غفير من المريدين والزوار والفضوليين بحيث يختص بعضهم في ممارسة الأنشطة التجارية لا غير ويستغلون الموقف والموعد أيضا لتسويق منتجاتهم للزبائن الذين ينحدرون من مختلف الفئات الاجتماعية.
لا يختلف الركب المتوّجه الى ضريح الولي الصالح سيدي براهيم الغبريني، بشرشال، عن سابقه من حيث توافد الركب من مناطق عدّة مجاورة ليتم اللّقاء عند الضريح، أين يتلى القرآن على مسامع الحاضرين وتردّد المدائح والأشعار الدينية وتقدم الصدقات قبل أن يدعى على المتصدقين والمدعوين والمشاركين في الركب في أجواء مفعمة بالخضوع والخشوع ويتفرق الجمع في آخر المطاف ليتم التمني بالعودة الى الموقع في العام المقبل، مع الاشارة الى كون الركب القادم من عريب بعين الدفلى يلتقي بركب بني مناصر بمدخل مدينة حجوط قبل التوجّه الى شرشال ضمن موكب تغمره روح التصوّف والتقرّب الى الله، وبعيدا عن الضغائن والأحقاد والأمراض النفسية.