طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تفتح ملف أسواق الجملة

الكل يختفي وراء حجّة قانون العرض والطلب

جمال أوكيلي

توقّع انخفاض الأسعار قريبا

أصابع الاتّهام موجّهة دائما إلى سوق الجملة من قبل الخضارين العاملين بالتجزئة، كلّما أردت الاستفسار عن الأسباب الكامنة وراء الزّيادات المفتوحة في أسعار هذه المواد الاستراتيجية، إلاّ ويحيلونك فورا على مسؤولية هؤلاء وكأنّ هذا الفضاء الخاص بالتزود بكل ما يريده بائعو الخضار عالما آخر يصعب أو بالأحرى يستحيل دخوله أو اقتحامه، هذا ما يفهم دائما من أولئك الذين يعطوننا تلك الصّورة المخيفة عن أسواق الجملة، وما يرافق كل هذه المزاعم التي يروّج لها البعض هو تداول أوصاف مرعبة كذلك، ففي كل مرّة نسمع عن «السماسرة» و»المضاربين» وغيرها من الأسماء التي أصبحت لصيقة بأسواق الجملة، تظهر الصّورة غير الطبيعية لهذا المكان وكذلك العاملين به.
ولابد من الإعتراف هنا بأنّ أسواق الجملة خارجة عن نطاق أي مراقبة إدارية، وهذا منذ فترة بعيدة جدّا تعود إلى الستينات والسبعينات، وخير نموذج على ذلك ما كان يعرف بـ «لي هال» ببلكور (بلوزداد حاليا)، كل الفلاحون يأتون ببضاعتهم إلى عين المكان لبيعها، وهذه الصّيغة معمول بها في الولايات الأخرى.
ولا يمكن نقل تلك الكميات من الخضر والفواكه خارج هذه الأطر المهنية، تباع بأسعار معقولة خلافا لما يدّعيه البعض، أصحاب التجزئة الذين يضيفون هوامش غير مقبولة تماما بعيدة كل البعد عن الواقع، وهذا كلّه من أجل استرجاع تكاليف غير معلنة كالنقل، البنزين، التوقف في الحظيرة، الانتظار الطويل، الإزدحام المروري. كل هذه التّفاصيل تدخل في السّعر المحدّد للخضر والفواكه دون أن يشعر المستهلك بكل تلك الإضافات.
هناك كلام يحمل الكثير من التجني على أسواق الجملة، ترسخ في ذهنية العديد من الناس بأن المسؤولية كل المسؤولية  ما يحدث للأسعار، تقع على عاتق المتحكّمين في مفاصله بالمنطق الذي يرونه، المهم أنه لا يكون أقل ممّا يرغبون فيه، أي لا ينزل السعر إلى المستوى المتدني الذي كنّا بالأمس نقف عليه. لقد ولّى ذلك العهد إلى الأبد، ما دام دخلت فيه عوامل أخرى لا يتحكّم فيها الإداري أو عون المراقبة، كل عملية الضبط تجري خارج نطاق هؤلاء الذين يلتحقون متأخّرين في معرفة ما يجري بعيدا عن أعينهم، ومهما كانت محاولات المراقبة فإنّه يصعب على أصحابها فرض حالة معيّنة دائمة، وهذا لعدّة اعتبارات أهمّها عدم استقرار أسواق الجملة في سقف ثابت، لأنّ العملية تجارية بالدرجة الأولى تخضع للعرض والطّلب، هذا ما يجعل الأمر معقّدا أحيانا لا يمكن فهم هذه المعادلة.
نحاول من هذا الملف الذي أمامنا وعبر مراسلينا، أن نقتفي آثار هذا الشّبح الذي يسمى بسوق الجملة، من خلال الولوج في خباياه واكتشاف خفاياه، وهذا بإعطاء الكلمة لأناس على دراية تامّة ومعرفة دقيقة واطّلاع واسع على آليات عمله، الغائبة عن الكثير من الناس للوصول إلى على الأقل الإجابة عن التساؤل السّائر هل هو بريء ممّا يلصق به من أقوال أو متّهم حقيقة في إحداث كل هذا الارتباك في منظومة تسويق الخضر والفواكه، وما مدى علاقته بعدم استقرار هذه الفضاءات.