طباعة هذه الصفحة

الباحثة في التاريخ، ليلى بلقاسم  بالمركز الجامعي  غليزان:

بيان نوفمبر كرّس النظرة الإستراتجية والمسؤولية الوطنية

وهران: براهمية مسعودة

تامين الجزائر من الأخطار الداخلية والتهديدات الخارجية

أعاد إدماج الإنسان الجزائري في حركة التاريخ والجغرافيا
أنموذج لحركات التحرر  في تقرير مصيرها وصنع مستقبلها

أكّدت الدكتورة بلقاسم ليلى، أستاذة التاريخ بالمركز الجامعي  غليزان  على أهميّة القيم والمبادئ التي تزخر بها مواثيق الثورة الجزائرية وفضائلها في الحفاظ على استقرار الجزائر وثباتها أمام الأخطار الداخلية والتهديدات الخارجية، مستندة في ذلك الى  بيان نوفمبر الذي كرّس النظرة الإستراتجية والمسؤولية الوطنية من أجل إقامة دولة كاملة السيادة.
أشادت بلقاسم في تصريح ل»الشعب» بعبقرية وتحضر محرروا وثيقة اول نوفمبر التي  حملت المشاعر الوطنية والقيم الفكرية والمبادئ السياسية والدلالات والآفاق المستقبلية من أجل التأسيس للدولة الجزائرية التي غيبها الاستعمار الفرنسي قهرا وإعادة بعث الجزائري، باعتباره سيد القرار في إطار هويته الشخصية الجزائرية.
وبحسب الدكتورة فان بيان نوفمبر  ينم على الخطاب العصراني_الحداثي الذي لا يرى تناقضا بين طبيعة الدولة المراد بعثها وبين إقرار الحريات الديمقراطية والأخذ  بقيم الحداثة، من خلال تسييد الدولة  الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة هدفا للمعركة الثورية التحريرية خيارا.
تطرقت الدكتورة  إلى مجموعة المبادئ والقيم التي  تعكس العمق الاجتماعي والبعد الإنساني، وكذا   نظرة الثورة التحريرية إلى الإنسان بكونه أداميا قبل أن يكون مشروع حرب وصراع، وغيرها من الحقائق التي جعلت الرأي العام الفرنسي يتحمل كل مسؤولياته اتجاه جرائم حكوماتهِ وعسكرييه، وكذا الأمر مع أحرار العالم، بدليل التزام الثورة التحريرية بالمبدأ الإنساني والأخلاقي في الحرب بشهادات جنود وضباط فرنسيين، إذ تمّ التقيد  بقوانين الحرب المستمدة من  مبادئ الإسلام القويم والمواثيق الدولية، على حد تعبيرها.
وأوضحت الأستاذة الباحثة أنّ «حفظ السلم والأمن الاجتماعي، من أهم مبادئ بيان نوفمبر 1954، الذي ركّز على شرعية الكفاح الجزائري وقضية العادلة وعلى الطبيعة السلمية ولا عنيفة للإنسان الجزائري ورفض الظلم والقهر واستعداده للحرية في سبيل تحرر الوطن واستعادة الحقوق المصادرة لأكثر من قرن وربع،  وتفادي الخسائر وإراقة الدماء ..»
كما اعتبرت أنّ «بيان أول نوفمبر ترجم النظرية الوحدوية،  ما أعطى الثورة  بعدا تضامنيا واستراتجيا ومصيريا من أجل كسب المعركة ضد  أعتى القوى الاستعمارية،  وأكدّ  أنَّ المعركة ضد الاستعمار الكولونيالي الامبريالي الذي سخّر كافة الإمكانيات المتاحة لتكوين مشروعه الاستيطاني الأوروبي،  وعلى هذا المفهوم الإنساني والفكري وقع التعاطف والمساندة من قبل المغاربة والعرب  وكل أحرار العالم بمختلف ألوانهم وإيديولوجياتهم
وفي معرض حديثها نوّهت بلقاسم بعبقرية محررو ومفجرو بيان أول نوفمبر الذي استهل بعبارة أيها «الشعب» في اختبار نفسية الشعب الجزائري الذي نقم الأوضاع حد القنوط، فرموا بالثورة الى الشارع  وحمّلوه مسؤوليتها، فاحتضنها بكل أمانة من أجل تحديد مصيره، فكانت الثورة بمثابة الاستفتاء العام على إنهاء مرحلة كولونيالية عصيبة صوت فيها الشعب بنعم من خلال انضمامه لها بمختلف أطيافه وفئاته.
 
وأشارت الباحثة  في هذا الإطار إلى كفاح الأمير عبد القادر  الجزائري(1832-1847)  من أجل حرية واستقلال الجزائر التي احتلها المستعمر الفرنسي   وصادر مؤسساتها ومكوناتها ورموزها،  وسعى الامير الى إعادة بعثها، غير أنّ  مشروعه الوطني عُطل.
  وجاءت ثورة التحريرية  لاستئناف دورة التأسيس والبناء فالدولة التي نادى بها  بيان نوفمبر  كرستها  قوى وطنية على غرار الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري  بقيادة فرحات عباس جمعية العلماء وحركة انتصار الحريات الديمقراطية والتي تضمنت المفهوم الشامل للحريات الديمقراطية،  وإقامة نظام عادل والدعوة للمشاركة الشعبية في إطار المبادئ الإنسانية والفكرية،  لننتقل من مرحلة التنظير إلى مرحلة التجسيد لنخب  سياسية صقلت أفكارها وتوجهاتها  من خلال ممارساتها في إطار  الحركة الوطنية.
وختمت بلقاسم حدثيها قائلة « الفاتح من نوفمبر هو خلاصة المقاوم ...ثم السياسي... ثم المسلح.. أبان  من خلاله  مفجروا الثورة التحريرية عن عبقريتهم في قراءة كل حسابات الاستعمار الفرنسي والظروف الدولية والموقف العالمي، وعليه فإن ثورة الفاتح من نوفمبر شكلت تطورا حضاريا أعاد إدماج الإنسان الجزائري في حركة التاريخ والجغرافيا، وكان أنموذجا لغيره من حركات التحرر في العالم،  بل ساهم في انعتاق الكثير من الشعوب...»