طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تستطلع الظّاهرة بعاصمة النّفط ورقلة

إشكالية تحديد المسؤولية الطبية بين القضاء والقدر

ورقلة: إيمان كافي

في ورقلة وبناءً على استطلاع «الشعب» نجد محدودية في الحالات التي تم اللجوء فيها من طرف المريض أو ذويه لإيداع شكوى للتبليغ عن التعرض لخطأ طبي إلى الجهات المختصة من أجل التحقيق فيها، حيث أن بعضها مازالت في أروقة العدالة، أما الحالات التي اكتفى أصحابها بالصمت استنادا لمنطق «القضاء والقدر» فهي عديدة.

ورغم تطور الأرقام في عدد الحالات المبلغ عنها مقارنة بالسنوات الفارطة، حسبما ذكر العديد من الممارسين في مجال الصحة ومتابعين للشأن الصحي، إلا أن هذه الثقافة الاجتماعية لازالت تفرض نفسها بقوة وتبقى حائلا أمام التبليغ عن الكثير من حوادث الأخطاء الطبية التي يعتبر المرضى وذويهم بأنهم كانوا ضحايا لها وتحرمهم من استرجاع حقوقهم عن طريق القانون حتى تتخذ العدالة مجراها.
وعديد الحالات التي يدّعي أصحابها أنهم كانوا فيها ضحايا لأخطاء طبية ويقرون بذلك عبر منصات أخرى غير رسمية لا يجرؤ عدد كبير منهم على المطالبة بالتحقيق أو إيداع شكاوى للجهات القضائية المختصة وهو ما يجعل الأرقام التي تقيدها سجلات الأخطاء الطبية لا تعكس الواقع في ظل وجود حالات عديدة خارج التصنيف.
وتبرر بعض الحالات تخوفها من اللجوء إلى التبليغ لعدم تمكنها من جمع كل الإثباتات والأدلة على وجود الخطأ الطبي، وفي حقيقة الأمر يفتح هذا الموضوع أيضا الباب واسعا أمام قضية ينقصها الكثير من الوعي الجماهيري ألا وهي تحديد ماهية الخطأ الطبي.

دعوة إلى الحرص لتحديد الخطأ الطبي والرّفع من الكفاءة بالتّكوين والرّسكلة

ويبدو جليا من خلال متابعة ارتباط أغلب الحالات التي ادعى أصحابها أنهم كانوا ضحايا أخطاء طبية حدثت مؤخرا على مستوى بعض المؤسسات الإستشفائية العمومية بولاية ورقلة وتحول بعضها إلى قضايا للرأي العام بالإهمال الطبي وعدم التكفل بالحالات في حينها رغم نفي الجهات المعنية ذلك.
ومن بين الحالات التي اعتبر أصحابها أنهم كانوا ضحايا أخطاء طبية وقعت في مستشفيات الأم والطفل بكل من ورقلة وتقرت وحاسي مسعود، حالة السيدة (س - ج) في بداية العشرينات من العمر والتي تعرضت حسب روايتها إلى خطأ طبي رجحت أنه كان في خياطة الجرح بعد وضعها لمولودها الأول على إثر عملية ولادة طبيعية، الأمر الذي جعلها لم تتماثل للشفاء كما أنه وبعد مرور حوالي أسبوع ساء وضعها نظرا لزيادة الألم والأوجاع، وتعرضت لمضاعفات صحية لم تفهم سببها، وبعد استشارة الطبيب تقول أنها ظلت لمدة تتنقل بين مصلحة الاستعجالات ومستشفى الأم والطفل، وفي كل مرة تتوجه فيها إلى إحدى هاتين المصلحتين يتم الطلب منها الانتقال إلى الأخرى إلى غاية اتفاق الطاقم الطبي على ضرورة إخضاعها لعملية جراحية انتقلت بعدها إلى مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة من أجل إجراء عملية جراحية أخرى لتصليح ما سمته بالخطأ الطبي.
هذه السيدة التي مازالت قضيتها لدى العدالة بعد شكوى قدمتها للإبلاغ عن تعرضها لما اعتبرته حادث خطأ طبي، قالت إن ما زاد من سوء حالتها هو المعاملة السيئة التي تعرضت لها من طرف القابلات، ناهيك عن الكلمات السلبية التي تم تداولها على مسامعها وهي على طاولة الولادة، كما أشارت إلى أن هذه الحادثة لم تمكنها من الفرح بمولودها الأول كغيرها من الأمهات بل رهنت حياتها وهي في عز شبابها بالمتابعة الطبية وعدم القدرة على الحركة والمشي بصفة طبيعية رغم مرور ما يفوق الخمسة أشهر على الولادة كما أنها ونظرا لحالتها الاجتماعية الصعبة اضطرت إلى بيع عدة أغراض من بيتها بما فيها غرفة نومها من أجل تغطية مصاريف العلاج الذي مزال متواصلا.  

 التّسمّم العقربي يكشف المستور ويخرج المسكوت عنه للعلن

وفي عينات لحالات أخرى تعلقت بالتسمم العقربي، من بينها ما تم إيداع شكاوى فيها ومنها أخرى مازالت قيد التحقيق فيما خلصت نتائج التحقيقات في بعضها إلى عدم وجود أي خطأ طبي متعلق بالإهمال أو التأخر في التكفل بها. ومن بين أبرز الحالات حادثة وفاة الدكتور عائشة عويسات التي تعرضت للسعة عقرب يوم 25 أوت، ودخلت إلى مصلحة الاستعجالات بالمؤسسة العمومية الاستشفائية محمد بوضياف على الساعة الثالثة وأربعين دقيقة تمشي على قدميها، كما أكد أحد أفراد عائلتها أين تلقت حقنة وقيل لهم أنها سترتاح بعد ساعتين إلا أن حالتها كانت تسوء وتدهورت بمرور الساعتين وفي حدود الساعة العاشرة نقلت إلى مصلحة الإنعاش قبل أن توافيها المنية يوم 3 سبتمبر الماضي ورغم نفي تعرضها للإهمال الطبي مزال ذويها متمسكين بأنها كانت ضحية له وصنف مقربون من حالة أخرى وقعت بعد ذلك إثر تعرض طفل لتسمم عقربي هو الآخر بالإهمال أيضا نظرا للتأخر في تشخيص الحالة مما تسبب له في مضاعفات صحية وفضلا عن تمسكها بوجود الخطأ الطبي تشير بعض هذه الحالات إلى ورود عنصر سوء المعاملة، حسبما أكده أصحابها سواء للمريض أو مرافقيه.
ويطرح بعض ممارسو وإطارات الصحة توجيها آخر للموضوع يتعلق أساسا بضرورة إعادة النظر في المنظومة الصحية خاصة في الأمور التنظيمية، وما يتعلق بتحديد شروط كفاءة تطبيقية لتوظيف الأطباء وشبه الطبيين، وهنا يقترح الكثير منهم أيضا الاهتمام بالتكوين المستمر والمتواصل للممارسين وضرورة توفير كل الإمكانيات اللازمة لضمان تكفل أمثل بالمرضى.
ويشير آخرون إلى أهمية إيجاد وسائل مساعدة لتحديد طبيعة الخطأ الطبي والمسؤولية الطبية التي تقع على الممارسين، حيث يرى بعضهم أنه يجب عدم تركيز تحديد تحقيقات الأخطاء الطبية في مرحلة الطب الشرعي فقط بل إخضاع كل مراحل تلقي العلاج إلى التحقيق بما فيها تشخيص الحالة وغرف العمليات مع استحداث وسائل أكثر تطورا لتحديد الخطأ الطبي بدقة من أجل حماية حق المريض وممارسي الصحة معا.  
وعلى الرغم من تأكيد الطبيب الجراح المتقاعد محمد درويش الذي اتصلنا به للحديث في الموضوع، أن احتمالية الخطأ في أي عملية جراحية تبقى واردة وبنسبة مئوية ضئيلة إلا أن الالتزام بالجانب الأخلاقي للمهنة واجب على الجميع، كما أن كل الطواقم الطبية يجب أن تكون مجندة ومسؤولة من أجل تجنب احتمال ورود أي خطأ سواء في مرحلة تشخيص الحالة أو في باقي مراحل العلاج، مشيرا إلى أن التكوين المتواصل والرسكلة يبقى عاملا أساسيا للحفاظ على فعالية أداء العاملين في مجال الصحة.
من جهته نائب رئيس لجنة الصحة بالمجلس الشعبي الولائي الدكتور الصيدلي محمد لمباركي، اعتبر في حديث لـ «الشعب» أن «الخطأ الطبي موضوع شائك جدا فمن خلال هذا المصطلح الذي يبدأ بكلمة خطأ بمعنى غير متعمد، وهو يتعلق بالطبيب كإنسان يخطئ ويصيب، فإنّنا إذا عاقبنا من قام بالخطأ فمن الواجب أن نكرم من قام بالصواب على أتم وجه، وهذا العنصر الغائب للأسف في منظومتنا الصحية حسبه لأن الخطأ الطبي هو عدم قيام الطبيب بالتزاماته الخاصة التي تفرضها مهنة الطب كمهنة نبيلة لها علاقة مباشرة بالإنسانية والأخلاق العامة».