طباعة هذه الصفحة

«الشعب» تقف عند عيّنات أليمة يعجز اللّسان عن وصفها

دعوات بالإصلاح وتحمّل المسؤوليات أمام ضحايا أدينوا بالمؤبد

البليدة: لينة ياسمين

الخوض في موضوع الأخطاء الطبية في هذه السنوات الأخيرة، بات كمن يقرأ كتب «أغاتا غريس تي»، وتشويقها المبدع في سرد وقائع بوليسية معقدة هي اكثر من رائعة، احيانا تنهي كتابا وأثره فيك تنتشي للحبكة وكيف أبدعت تلك السيدة الذكية في تفصيل دقائقها وفك طلاسمها، وفي أحايين تمل وتضع الكتاب وتكفر بما تكتب، لمقدرتها على صياغة الحل الى عقدة جديدة حتى تجد نفسك امام البداية فقط، وهنا نجد المقاربة لا تختلف ونحن نخوض في قصص لنماذج من مرضى وضحايا «أخطاء طبية»، اقعدوا وفصلت فيهم  محكمة الأيام، بأن يصبحوا ضمن زمرة «المعاقين» والمرضى ما تبقى لهم من حياة وروح.

«الشعب» وهي تستطلع موضوع الملف وجدت نفسها أمام عينات غريبة من ضحايا اخطاء، أبطالها اطباء يصنفون في مقدمة السلم الاجتماعي عبر كل الاوقات، لا يتقدمهم واحد أو أحد، ولكنهم والتاريخ يقر أخطأوا وتسبّبوا في خراب حياة مرضى كانوا يطلبون العلاج، وأحيانا الفحص فقط.

«زوليخة» من أمّ نشيطة إلى سيّدة حملت مقصّا في أحشائها 27 عاما

  تعترف زوليخة واحدة من مقيمات مدينة العفرون، أنها كل صباح حينما تستيقظ، ترتعب وتخشى النهوض من فراشها، كانت زوليخة الام الصبية تشعر بان كل أم في العالم وضعت بداخلها تقول وهي تصف ذلك، انها كانت تتقطع من شدة الألم، ومشكلتها أنها عاينت ألف ومائة طبيب وما يزيد ولكن لا احد حدد لها سبب الألم ومصدره، بل اكتفوا بوصف بعض المسكنات من العلاج الكيماوي وفقط، وشكوا بأنها من آلام المرارة والقولون العصبي، وظلت على تلك الأوجاع تعيش معها وداخلها، ما يزيد عن ربع قرن وسنتين بالتمام، وتضيف وتقول بان يومياتها تبدأ بألم حاد وكأنما أصابتها قطعة من معدن حاد واخترقت جسمها الطري، وأحيانا يختفي الألم أو تتناساه بعد أن تبدأ في أشغالها ومشاغلها ثم لا يلبث أن يعود في أي وقت شاء، واضطرت للتعايش مع الألم لمدة 27 عاما، تقوم بواجباتها المنزلية وتتكفل بصغارها وزوجها، وتستقبل ضيوفها وتحضر الأفراح والاقراح، ولم تقصر يوما في واجباتها، لكن في يوم من حياة العذاب تلك، تعرضت لوعكة صحية حادة، وألزمها ذلك في طلب من طبيب شاب، إجراء تحاليل وأشعة لموضع الوجع الجديد، وكان له ذلك، وتفحص الطبيب الشاب التحاليل، ونظر واعاد في أشعة بدت له غريبة، وكاد يصاب بانهيار في قواه العقلية والجسدية، وأعاد ما رأته حبيبتاه وكرر، وضرب بيد على جبينه وقعد، وقال لمريضته خذي هذا الدواء، ونضرب موعدا في الاسبوع القادم، وتحدث على جنب مع زوجها واخبره بأنه يلزمها عمل جراحي مستعجل، وسأله إن كانت أجرت جراحة سابقة، فرد الزوج بالايجاب، وأن ذلك كان منذ 27 عاما في بداية زواجه منها، استئصلت الزائدة الدودية، وجرى الموعد وتم ذلك واستفاقت «زوليخة» وهي تشعر بأنها لاول مرة من دون ألم، وكأنها ولدت من جديد  شكرت الطبيب وحمدت الله، وظهرت المفاجأة التي لم تصدقها لا هي ولا عائلتها، واعترف لها الطبيب بأنه استأصل من جسمها «مقصا طبيا» انشطر وصدئ وتآكل داخل بطنها بفعل الزمن وسوائل الجسم، ويبدو أن جراحتها الأولى نسي خلالها الطبيب الجراح مقصه، ولم يكلف نفسه عناء البحث عنه، بل لم تخطر على باله أنه يمكن أن يكون تركه داخل جسمها الناعم.

حمزة من رياضي مشهور إلى معاق

 وعلى ما يظهر أن قصص الاخطاء الطبية، باتت مثل المسلسلات السينمائية، وللمثال فقط، يذكر مشفى بوفاريك، قصة الطفل حمزة في العام 2011، ذهب به والده وهو لم يبلغ أشهره الـ 6 الاولى، لاصابته بالحمى، عاينه الطبيب وطلب بحقنه بدواء حتى تنخفض حرارة جسمه، وكان له ذلك، وعاد والد حمزة الى الدار وهو يعتقد بأن أزمته ستزول، لكن الوضع تعقد، واصبح حمزة يبكي كل يوم، وبدأت رجله تصاب باسوداد، عند موضع الحقنة بالتحديد، ولم يتردد الوالد وحمل ابنه من جديد الى المشفى، واتضح بان الحقنة لم تكن معقمة وتحمل ميكروبات، واشتد الحال على الصغير، واصبح لزاما بتر الرجل قبل أن يمتد المرض إلى باقي الجسم، وحكاية عبد الرزاق الرضيع صاحب العامين، هي أيضا مبكية ومحزنة، تقول والدته انها عند مولده تم الاقرار بوضعه في الحاضنة، لكن يبدو أن الفريق العامل وقتها نسي امره او تناساه، وبعد أن غادر ووالدته عيادة التوليد، استغربت والدته أن صغيرها لا يبصر ولا يهتم للاشياء المحيطة به، بل أن بياضا بدأ يظهر عليه، وبدات تعايد الاطباء وتروح وتجيء من دون امل، وقيل لها بأنه ولد ضرير وعليها ان تتقبل ذلك، ولكنها رفضت ولم تستلم، وحملته الى دولة اجنبية للعلاج، لكنها لم تكمل فهي معوزة وليس لديها من المال ما يكفيها، وهي الى يومنا ترجو وتطلب المساعدة.

 منظّمة الأخطاء الطبية تقترح حلولا لكنّها غائبة تماما

  وفي هذا الصدد يقول امين عام المنظمة الجزائرية للاخطاء الطبية، محيي الدين بوبكر متحدثا لـ «الشعب»، أن قائمة ضحايا الاخطاء الطبية لا تنتهي، معترفا في السياق بان امر الاخطاء وراد بين بني البشر، وأن الرسول الكريم عليه افضل الصلوات، تحدث في سنته عن ذلك، عند قصة المريض الذي افتاه أحدهم وقتها بالوضوء  وعدم جواز له التيمم، وهو المصاب بجرح فمات، ليضيف بأن المشكل ليس في وقوع الخطأ في حد ذاته، ولكن في تحمل المسؤولية والاقرار بالخطأ الطبي، ثم في تحمل مسؤوليات وتبعات ذلك، مضيفا بأن غالبية الضحايا إن لم نقل الجميع، يتم «طردهم» ولا تتحمل الجهة التي اخطأت «مسؤولياتها»، سواء كانت تلك الجهة طبيبا أو عيادة بكاملها.