طباعة هذه الصفحة

الباحثة والأديبة وافية بن مسعود لـ”الشعب”:

علــى المرأة أن تكـف عــن المطالبة وتمـارس حقوقهــا بنفسهـــا

باتنة: حمزة لموشي

 لا أرى مجتمعنا ذكوريا أو سلطويا، بل مغلقا ومعتلا
 تاريخ الجزائر منحنا أسماء   بطلات يقتدى بهن

تحتفل المرأة الجزائرية بعيدها العالمي المصادف لتاريخ الـ8 مارس من كل سنة، “الشعب”، كعادتها قررت أن تشارك الجزائريات المبدعات هذه المناسبةمن خلال منح  الكلمة للحديث عن واقع المرأة وطموحاتها وأمالها.  وقد اختارت الجريدة  إحدى المبدعات في الجامعة الباحثة والأديبة الأستاذة وافية بن مسعود، لمحاورتها حول  ما تحقق من مكاسب للمراة الجزائرية ونظرتها للنساء المبدعات.

-  الشعب: من هي الأستاذة وافية بن مسعود؟
 د. وافية: من مواليد مدينة قسنطينة. إنسانة أولا وابنة ثانيا وباحثة وكاتبة وأستاذة ثالثا. وهذا يلخص تجربتي في الحياة. تجربة تجمع المتعة والتعب، والنجاح والإخفاق، حياتي مميزة، لأنني الابنة الثانية لعائلة بسيطة، غنية بالمحبة والتقدير والثقة، وهذا ما تحتاج إليه امرأة لتنجح. ولأنني باحثة وكاتبة وأستاذة، لا أستسلم للأفكار الجاهزة، وأعيد تقييم العالم وتصحيح مساري فيه ما استطعت إلى ذلك سبيلا، والأستاذية حملتني مسؤولية كبرى أمام الله وأمام المجتمع، وهو الأمر الذي علمني ألا أتساهل مع نفسي ومع الآخرين عندما يتعلق الأمر بهذه المسؤولية.

مراحل تعلمي قطعتها دفعة واحدة

-  كيف اخترت تخصصك هذا بالذات وكيف وفقت فيه؟
 أعتقد أنني قطعت مراحل تعليمي دفعة واحدة. الأمر شبيه بخط مستقيم ونفس واحد لا انقطاع له، وهو مجهد وممتع وحصدت نتائجه الرائعة. آنذاك لم يكن يهمني شيء سوى أن أفي بوعدي لأبي، وأن أحصل على الدكتوراه قبل سن الثلاثين، وقد فعلت ذلك بتوفيق من الله. أما اختيار اللغة العربية فمرتبط بأستاذي في مرحلة الابتدائي. علمني أن أحب كل حرف فيها نطقا ورسما، وأن أجعلها جزءا من شخصي. بعد حصولي على البكالوريا عام 1998، حاول والدي إقناعي للالتحاق بسلك المحاماة أو العلوم السياسية، إلا أنه دعم اختياري وسجلت بمعهد اللغة العربية وآدابها بجامعة قسنطينة. ثم انتقلت إلى جامعة عنابة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وحصرت بحوثي في دراسة علاقة الأدب بالفنون البصرية.
-  كيف ترى الأستاذة وافية واقع المرأة الجزائرية حاليا؟
 يرتبط واقع المرأة الجزائرية بواقع المجتمع الجزائري، وهو واقع صعب ويطرح تحديات دائمة. أقول هذا لأن المرأة في الجزائر تتحمل أعباءها وأعباء الآخرين، نتيجة قراراتها ونتائج قرارات الآخرين. إنها -في نظري- تتحدى نفسها كل يوم. هي كوكب دائم الحركة، إذا توقف عطاؤها يوما تتوقف الجزائر.
-  ماهي طموحاتك المستقبلية؟
 د. وافية: أرى أن الإنسان الذكي لا يفصح عن مخططاته أبدا قبل أوانها، لكن يمكن أن أشير على العموم، إلى أن أهم ما أفكر فيه هو أن أكون ابنة وأستاذة وكاتبة مميزة. أحب أن أتفرد في كل ما أقوم به.

حين تعيش حواء في وسط مسلوب الارادة

-  ما هي الصعاب والعوائق التي واجهتيها في مسارك ؟
 سأستثني أسرتي لأنها أكبر دعم لي. أما المجتمع والجامعة، فأنا لا أدقق على المطبات كثيرا، أخفض السرعة قليلا، وحين يمر المأزق أعود إلى أهدافي وحركتي، لكن ما أعاقني فعلا هو التفكير السلبي. قد يبدو ذلك غريبا، لكنك حين تعيش في وسط مسلوب الإرادة، وتحاول التحرك نحو الأمام سيعمل بالضرورة على سحبك إلى الخلف بطرق كثيرة.
-  كيف ترين واقع المرأة المثقفة في الجزائر الروائية والشاعرة والأديبة؟
 أعتقد أن وضع المرأة المثقفة تحسن كثيرا في الجزائر، فنظرة بسيطة على كثرة الأسماء النسوية في المشهد الثقافي، وكثرة نشاطاتها توضح ذلك. ومع هذا سأقول مازال الطريق طويلا أمامها، لأسباب عديدة، منها وجوب تحسين نظرتها إلى ذاتها وإلى المجتمع أيضا. فالكتابة ليست وساما نضعه لكنها فعل تغيير، وسمة امرأة مثقفة تجعل المسؤولية أكبر من عدد الروايات الصادرة والجوائز المستحقة.
-  المرأة العاملة والماكثة بالبيت هذه الجدلية. لا تزال تعود بقوة في مجتمع ذكوري بامتياز ما ‏رأيك؟
 لا أرى مجتمعنا ذكوريا أو سلطويا، بل أراه مجتمعا مغلقا ومعتلا سواء في ممارساته مع المرأة أم الرجل. فحين نتحدث عن الأمان أو حرية التعبير، الرجل الجزائري مهدد و مقموع مثل المرأة تماما. تجربتي مع الرجل الجزائري فيها نماذج رائعة تجعلني أحترمه وأسيره معه جنبا إلى جنب، أبا وأخا وأستاذ وزميلا إلخ. أما النماذج البشعة فهي كثيرة، لكنها تحفظ ولا يقاس عليها. إن المرأة بقوة الدين والقانون محترمة ودورها أكبر من دور الرجل في المجتمع الجزائري، وما يبقى عالقا فعلا هو أن تختار طريق الاستسلام للواقع وهذا سهل، أو دخول معترك الحياة والنضال مهما كانت النتائج.

نساء بوزن امة

-  حققت المرأة الجزائرية مكاسب في ‏ تعزيز مكانتها. ما رأيك وبماذا تطالبين في هذا الشأن ؟
 كلامي سيكون موجها إلى المرأة، لأنني لا أتوقع من الرجل الجزائري سوى أن يفعل ما تعود على فعله. يجب على المرأة أولا أن تكف عن المطالبة.  وتمارس حقوقها بنفسها في كل المجالات، قد تصطدم برجال أو نساء يحاصرونها، لكن سيأتي يوم تحقق فيه ما تريد، والتاريخ الجزائري منحنا أسماء يقتدى بها من لالة فاطمة نسومر إلى زهور ونسي.
-  ماهي المواقف او التجارب او الأمور التي تركت علامة فارقة في حياتك ؟
 كل يوم في حياتي معجزة في حد ذاته، ومع ذلك يمكن أن أتخير لك لحظة تجاوزت توقعاتي. خرجت سنة 2002 من جامعة قسنطينة بخيبة أمل كبيرة منعتني من احتلال المرتبة الأولى على دفعتي. قلت في نفسي كل ما فعلته من أجل مرحلة الماجستير في قسنطينة ذهب سدى، لكنني عدت للتسجيل في مسابقة جامعة عنابة. كنت لا أعرف فيها أحدا، ولا أعرف طرق تعليم طلبتها ولا توجه أساتذتها. وضعت في توقعاتي أن احتمال نجاحي لا يتجاوز 20 ، ويوم ذهبت لرؤية النتيجة وجدت اسمي على رأس قائمة الناجحين. لحظتها أدركت أن الله إذا حرمك شيئا فلأنه يخفي لك أفضل منه دائما. لم أفكر بعد تلك اللحظة في كل ما حرمت منه بل في كل ما أمتلكه.
-   تحدثي لنا عن بعض أعمالك الروائية ونجاحاتها .وبمن تقتدين؟
 نشرت مجموعتين قصصيتين: الأولى بعنوان: “وتحضرين على الهوامش” والثانية بعنوان “اشتباه الظل”، بالإضافة إلى رواية بعنوان”دوار العتمة”، لا أستطيع تقدير مدى نحاج هذه الأعمال فالأمر متروك للقارئ، إلا أنها تعبر عن تصورات جديدة للإنسان المعاصر وأخطائه ومشكلاته.
 لا أعتمد فكرة القدوة. أقرأ لأسماء كثيرة، بعض أعمالها أذهلني وبعضها الآخر لا يصل إلى درجة إقناعي، وهذه هي سمة المثقف، لا يحشر نفسه في خندق واحد أبدا. وبقائي على الحياد لا يمنعني من ذكر من أحب قراءة كتاباتهم كثيرا: أحمد رضا حوحو، والطاهر وطار من الجزائر، فرج لحوار من تونس، غسان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا من فلسطين، علي بدر من العراق، باولو كويلو من البرازيل إلخ.
- كلمة أخيرة للمرأة الجزائرية في عيدها العالمي؟
 أقول لها عبارة واحدة: “نصف يوم واحد لا يكفي المرأة لتكون سعيدة ومميزة، يلزمها عمر كامل لتفعل ذلك”. كما أشكرك كثيرا وأشكر جريدة الشعب على هذه المساحة من الحوار وأرجو ألا أكون قد أثقلت على قرائها، مع خالص تقديري للجميع.