طباعة هذه الصفحة

جرائم فرنسا

الإعتـراف بنصـف الحقيقـة

فنيدس بن بلة

خطا فرانسو هولاند، أمس، خطوة جريئة كسّر من خلالها الطابوهات، وحواجز التردد، والممنوعات وضغط اللوبيات والجماعات التي تدور في فلكها وتتمادى في إغماض الأعين عن حقائق الأشياء، بل، تصرّ على ترديد مغالطات وأمور ما أنزل اللّه بها من سلطان.كسّر هولاند الطابوهات، معترفا لأول مرة، بالمجازر المرتكبة في حق الجزائريين أثناء انتفاضة أكتوبر، وصرخته من أجل الحرية والسيادة رافضين الإنسياق وراء الأكذوبة الاستعمارية الفرنسية المتمسكة حتى النخاع بمشروع «الجزائر الفرنسية»، واستبداله للتمويه والمغالطة بـ«الجزائر جزائرية»، مثلما رفعه ديغول الذي أدرك في آخر المطاف بأن الجزائر في طريق الاستقلال، وشعبها لم يعد يقبل بخيار آخر غير الحرية والانعتاق.
هولاند الذي قرأ التاريخ من زاويته الحقيقية، وأدرك جيدا ما تحمله عبارة الاعتراف، خطا هذه الخطوة، وأكد أمام الملأ ما تحمله مجازر أكتوبر، وما تتضمنه من جريمة في حق الإنسانية، كان من المفروض أن يزجّ بمرتكبيها في المحكمة الدولية الجنائية، ويعاقبون.. وينالون جزاءهم تماما مثلما حدث مع قادة يوغسلافيا العسكريين السابقين.. وما جرى، لضباط حرب آخرين في إفريقيا وغير إفريقيا.
لكن العكس حصل.. والانتقائية حدثت.. وصار الجلادون الفرنسيون أيام الحرب الاستعمارية الطويلة بالجزائر، يتباهون بجرائمهم .. ويكرمون.. وخرج إلينا أكثرهم من منابر الفضائيات يرددون ببرودة دم ما اقترفوه ضد الجزائريين، ذنبهم أنهم ثاروا من أجل الحرية، مؤكدين أنهم لن يقبلوا بالمشروع الاستيطاني الذي يجعل سكان البلد الأمين الأصليين (انديجينا)، لا حقوق لهم..
الأكثر من هذا، خرج الكثير من السفاحين، عن أخلاقيات الضمير، وراحوا يروون بتلذذ ما اقترفوه من جرائم تجاوزت حدود المنطق والمعقول.. وصدرت لهم مذكرات تروي ما ظل يعتبرونه «أسرار حرب» من فنون تعذيب، ودمار، وإبادة..
ساروا في هذا المسلك، سابحين عكس التيار، بعدما وجدوا الغطاء السياسي من رؤساء فرنسا السياسيين وقادتها العسكريين..
وطل علينا سركوزي في سابقة خطيرة ليزيد في إستفزاز الجزائريين ويولد فيهم حرارة المطالبة بالاعتراف والاعتذار عندما قال «إن الأبناء لا يعتذرون لما اقترفه الأجداد».. ويعود خطوة إلى الخلف بالمساواة بين الضحية والجلاد..
عكس هذا التوجه، اتخذ هولاند الخيار الآخر، كاشفا عن سياسة مغايرة، يراهن عليها في فتح صفحة جديدة قوامها الثقة والصفاء.. وهي صفحة بدأت باعتراف الرئيس جهرا بالجريمة المرتكبة من البوليس الفرنسي تحت قيادة موريس بابون يوم ١٧ أكتوبر ,,١٩٦١.
في انتظار خطوات أخرى تعترف وتعتذر عن جرائم فرنسا الاستعمارية التي تجاوزت وحشيتها جرائم النازية والفاشية، لكن ظلت تحت الكتمان، في عهد حكومات متعاقبة.
هولاند اختار الواجهة الأخرى، ورأى أن خمسينية الجزائر فرصة ذهبية للكشف عن رؤية أخرى، ونظرة أخرى تمهّد الأرضية لعلاقات جديدة مع الجزائر.. تبنى على الثقة أولا وأبدا..
خرجته أمس، خطوة أولى في انتظار قرارات شجاعة ومبادرات يعلن عنها أثناء زيارته المرتقبة للجزائر.