طباعة هذه الصفحة

المنظومة التّربوية أحدثت نقلة في تاريخ المدرسة الجزائريّة، أ ــ بوعزة:

توجّه التّعليم بعد الاستقلال أفشل المخطّط الفرنسي في محو الشّخصية الوطنية

خالدة بن تركي

 المدرســــة الأساسيــــة والتّمســــك بالإنتمـــاء العــربي الإسلامــي أهم الإنجــازات

 الشّـروع في إصلاحــات بنظـــرة جديـدة للتّعليـــم


مرّت المنظومة التعليمية في الجزائر بعد الاستقلال بمراحل أساسية تركت بصماتها في تاريخ التعليم، الذي عرف تحديات كبرى، خاصة بعد بلوغ نسبة الأمية في أوساط الشعب الجزائري أكثر من 90 بالمائة، وكذا الهجرة الجماعية لنحو 18 ألف معلم و1400 أستاذ، الأمر الذي أحدث فراغا كبيرا، حاول القائمون على الحكم تداركه من خلال الاستعانة بالخبرات العربية للنهوض بالتعليم، ووقف أهداف فرنسا الرامية إلى ضرب العمود الفقري للمنظومة التربوية.

أجمع المختصّون في التاريخ، وعلى رأسهم الأستاذ بوعزة بوضرساية في حديثه لـ «الشعب « أن المنظومة التربوية مرّت بأربع مراحل، بهدف تحسين التعليم الذي يعتبر هوية الأمة وثقافتها، حيث عرفت مرحلة الرئيس أحمد بن بلة بإستعادة اللغة العربية اعتبارها الوطني وبدأ الاهتمام الفعلي بالمنظومة التربوية، وكذا افتتاح المدارس لأبناء الجزائر كمرحلة تمدرس أولى ما بين سنتي 1963 و1964 أين شرع في التدريس باللغة العربية، وتقرّر البدء بالتعريب المرحلي بداية بالسنة الأولى ابتدائي، وأعطي للعربية حجم ساعي كبير في تدريس كل المواد بها.

تشكيل لجنة وطنية للنّهوض بالتّعليم وتعريبه

تركة ثقيلة ورثتها هذه المرحلة التي كان يسبح فيها الشعب الجزائري في الجهل والأمية والفقر، أين حاول القائم على الحكم الرئيس الراحل بن بلة تدارك الفراغ، بعد هجرة المعلّمين إلى الاستعانة بالخبرات العربية وتعريب التعليم، والنهوض به من خلال تشكيل لجنة وطنية لوضع تصورات كفيلة بالاهتمام بالتعليم، تضمّنت تعريب التعليم وجزأرته وكذا دمقرطته، أي يصبح إجباريا على كل أبناء الجزائر بدون استثناء، حيث انعقد أول اجتماع  في 1962 تقرر فيه الاعتماد على الإطار الوطني الجزائري، مع فتح المجال لكل الأطفال، بمن في ذلك الذين تجاوزوا سن العشر سنوات.
أوضح الأستاذ بوعزة في شرح له حول المراحل التي مر بها التعليم في الجزائر، أن البداية كانت عام 1967، حيث صدر قرار تعريب السنة الثانية لكل المواد المبرمجة، عدا اللغة الأجنبية التي استمرت إلى غاية 1969، مع الإهتمام بالكتاب المدرسي من خلال اختيار ما يتطابق مع مبادئ ثورة أول نوفمبر، وكذا بداية التخطيط التنموي للمنظومة التربوية.
ومن المخططات التي اهتمت بالمنظومة التربوية المخطط الثلاثي الأول 1967 ــ 1969، الذي أعطى أولوية كبيرة للمنظومة التربوية، واقتطع ميزانية معتبرة لتحقيق ذلك، ثم الفترة 1970 ــ 1978، وهي بداية للإصلاح الشامل للتعليم في المضمون والبرامج،  وطرق التعليم ممّا أبرز بعض المشاريع الإصلاحية منها مشروع 1973 خلال المخطط الرباعي الأول والثاني ثم مشروع 1974 والمشروع المعدل في عام 1976.
أهم ما ميّز المرحلة حسب بوضرساية، تنصيب المدرسة الأساسية خلال الموسم الدراسي 1980 ــ 1989 التي كانت تهدف لإصلاح المدرسة الجزائرية انطلاقا من مجموعة الأسس منها التمسك بالإنتماء العربي الإسلامي، غرس مبادئ الوطنية، المحافظة على مكاسب الثورة وتلقينها للنشء والتحصيل العلمي والمعرفي للقاعدة الشبانية، والتي تميزت بمجموعة من النقاط منها إعطاء الحق الكامل للطفل الجزائري في التمدرس لمدة تسع سنوات متتالية بشرط أن تكون اللغة العربية لغة التعليم الأساسية، مع الاهتمام بالقدرات الخاصة بالتلميذ في إطار المخطط الخماسي الأول 1980 ــ 1984، وفيه نالت التربية والتعليم الحظ الأوفر من الميزانية العامة للجزائر.
وبالنسبة للمخطط الخماسي الثاني 1985 ــ 1989، كان للمنظومة التربوية اهتمام خاص من حيث الميزانية شأنه شأن التعليم الثانوي الذي لقي اهتماما كبيرا، على غرار التعليم الإبتدائي، حيث عرف إصلاحات مهمة وكان في البداية يعتمد على دورة تعليمية للتلميذ مدتها 3 سنوات في ثلاث شعب الرياضيات، العلوم والفلسفة وهو النمط السائد خلال فترة الاحتلال الفرنسي، وهي مرحلة خصت فترة كل من الرئيسين بن بلة وبومدين، أما مرحلة الشاذلي وما بعده أضيفت بعض المواد العلمية في إطار إصلاحات، مع إنشاء شعب جديدة منها العلوم الإسلامية، بالإضافة إلى ظهور وإنشاء الجذع المشتركة بداية من عام 1993 وهذا دليل على الاهتمام بخصوصيات التلميذ الجزائري.

إصلاحات تجسدت بعد عودة الاستقرار

بالمقابل، أكّد بوعزة أن مرحلة التسعينات عرفت خاصيتين أساسيتين هما إنشاء المجلس الأعلى للتربية بتاريخ 12 نوفمبر 1996 الذي يعنى بكل مراحل التعليم والثقافة، حيث أصدر وثيقة تحمل عنوان نحو نظرة جديدة للتعليم، وقدم إصلاحات قادها عبد الرحمان بن صالح لتأتي بعدها لجنة بن زاغو، وإن كانت إصلاحات اللجنة حادت عن الأطر، إلا أنها تبقى إصلاحات يجب ذكرها، على حد قوله.
بعد عودة الأمن في البلاد، عاد الاهتمام بشكل أكبر لمنظمة التعليم، وبدأ التطبيق الفعلي للإصلاحات من حيث التأطير الكلي للتربية وتكوين كفاءات متميزة في كل التخصصات، وأكد في إطار مشاريع الإصلاحات، أنه لا يجب البحث عن الاستيراد في ظل وجود كفاءات بإمكانها وضع برنامج إصلاحي يستغل إيجابيات المنظومة، ووضعها في إطار مشاريع تتناسب وعاداتنا وتقاليدنا، على غرار قضية اللغة الفرنسية التي أصبحت فاشلة والعالم يتجه نحو الإنجليزية، الأمر الذي يجب اعتماده في التعليم الجزائري بأطواره الثلاث.
نظام التّعليم الجزائري تجربة يجب الاستلهام منها
اعتبر أستاذ التاريخ، أنّ إصلاح نظام التعليم الجزائري في السنوات الأخيرة رغم نقائصه يبقى تجربة ينبغي أن يؤخذ منها الإيجابي، لتكوين مهارات قادرة على مواجهة تحديات الألفية الثالثة، مثل التفكير النقدي والإبداع والمشاركة والتواصل والعلاقة مع وسائل الإعلام والتكنولوجيا والمبادرة والتفاعل، غير أن هذا لا يمنع من العودة إلى الأصل، وهو النظام الكلاسيكي القديم الذي أثبت نجاعته في عديد المرات، والذي بني على قاعدة الانتقال من الجزء إلى الكل،عكس المنظومة الحالية التي تعتمد على الكل قبل الجزء، الأمر الذي أحدث خللا في التعليم يجب تداركه مستقبلا، أضاف يقول.
وفي تحليله لمراحل التعليم العالي، قال الأستاذ إنها مرت بعدة مراحل 1962 ــ 1970، حيث ورثت منظومة تعليمة استعمارية وهي جامعة الجزائر ومدرستين، ليتم بعد هذه السنة إنشاء وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي قامت في السنوات بين 1971 ــ 1984 بتعريب القطاع، والاعتماد على التأطير الجزائري وديمقراطيته، وكذا تعريب العديد من التخصصات على غرار العلوم الإنسانية والاجتماعية.
كانت فترة 1985 ــ 1989 بداية وضع خارطة جامعية بخلق أو تأسيس جامعة التكوين المتواصل ومراكز جامعية، 1990 ــ 2020 تأسيس المجلس الأعلى للتربية الذي اهتم بالتربية والتعليم بكل مستوياته وكذا لا مركزية التعليم العالي، أي خلق مراكز ببعض الولايات، حيث يوجد 35 مركزا جامعيا بغض النظر عن الجامعات.
بالإضافة الى النقلة المسجلة في الهياكل البيداغوجية، تبقى قضية النظام القديم دكتوراه دولة ونظام الماجستير ونظام «دييا» مع الإصلاحات التي عرفتها الجامعة، تغير إلى نظام دكتوراه ثم دكتوراه علوم ودكتوراه «أل أم دي» الذي حكم عليه بالفشل، على حد قوله. وحسب بوضرساية، أنه كان من الأفضل الإبقاء على نظام ليسانس ما بعد التدرج على النظام القديم أربع سنوات ليتكون الطالب بالنسبة للعلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم الأخرى، ماعدا العلوم التقنية والطبية التي تتطلب 5 سنوات على غرار النظام القديم، لكن التخصصات التي مسّها النظام الجديد يسجل فيها نقص كبير من حيث التكوين، ما يلزم التفكير مليا في التخلي عن هذا النظام.
وأبرز الاستاذ في الختام دور الجامعة الجزائرية وكفاءاتها التي يمكن أن تواجه التحديات والتطورات، وتنافس كبرى دول العالم اقتصادي قائلا: «التكوين الجزائري متميز قادر على منافسة الدول المتطورة».