طباعة هذه الصفحة

كتاب «سطو على مدينة الجزائر.. تحقيق في عملية نهب جويلية 1830 « لبيار بيان:

مصـدر مهـم يكشـــف حجـم الجريمة الفرنسيـــة في سرقـة كــنز القصبــة

سهام بوعموشة

 أكـثر من 500 مليـون فرنـك لتـلك الفـترة ما يقابلـه 4 ملايير أورو

 المنتفعـون أفراد الجيـش وموظفـو وزارة الماليـــة وتجـار ومـلك الفرنسيين


بيار بيان، صحفي محقق، سلط الضوء على حلقة مظلمة من تاريخنا ومن المواضيع المسكوت عنها، بعد تحقيقات طويلة وجد بيار بيان آثارا غير واضحة للذهب المكتشف في أقبية القصبة، كانت غنيمة تقدر بقيمة 500 مليون فرنك لتلك الفترة ما يقابله 4 ملايير أورو، استفاد منها لويس فليب، والدوقة دو بيريه، وضباط في الجيش، مصرفيون، صناعيون كعائلتي سيليير وشنيدير، وحتى تطور صناعة الحديد والصلب الفرنسية كان بفضل ذهب الجزائر.
اعتمد بيار في تحقيقه الذي يعد مرجعا مهما للباحثين على مذكرة جان باتيست فلاندان، المقرر السابق للجنة تحقيق سبتمبر 1830، حول الإقتطاعات التي تمت على كنوز الجزائر، وتقرير محافظ الشرطة بييتري عن نهب كنوز الجزائر المؤرخ في 15 جويلية 1852 (الأرشيف الوطني، وكذا ملخص المحاضرة التي قدمها الأستاذ مارسيل إيمريت في الجزائر عام 1954 بخصوص كنز القصبة (أكس أن بروفانس، أرشيف ما وراء البحار ووثائق مارسيل إيمريت.
في رحلة البحث عن الحقيقة، أعاد بيار إحياء ذكرى كبار المغامرين معطيا حصة الأسد لجان باتيست فلاندان الذي كافح كي يفضح الناهبين، دون أن ينسى الماريشال دو بورمون العقل المدبر الفعلي لكل هذه المغامرة.
فلجنة التحقيق بالجزائر المكلفة بتسليط الضوء على تهريب كنز الجزائر علقت أعمالها، ودفنت الحكومة الجديدة الناجمة عن ثورة جويلية هذه القضية، وبحسب المؤلف، فإنه لأكثر من مائة سنة لم يكن هنالك أحد يذكر عمليات نهب كنز الجزائر، إلى أن اكتشف مارسيل إيمريت وهو مؤرخ وأستاذ بكلية الآداب بالجزائر تقريرا لمحافظ الشرطة مؤرخا عام 1852،  يؤكد استنادا على اكتشافات المقرر السابق للجنة التحقيق بأن هناك مبالغ هامة جدا تم اختلاسها، وبأن جزءا كبيرا من هذا النهب وصل إلى خزائن لويس فيليب الخاصة.
وأكد إيمريت في خلاصة عمله بأن هذا الكنز كان السبب الرئيسي لغزو الجزائر، نافيا بذلك التاريخ المتفق عليه بخصوص الدوافع التي أدت إلى القيام بهذه الحملة العسكرية، أي الإنتقام لإهانة داي الجزائر لفرنسا (حادثة ضرب القنصل دوفال بالمروحة)، والقضاء على القرصنة، وعزز  المؤرخ شارل أندري جوليان أطروحة مارسيل إيمريت دون أن يؤكدها أو ينفي التاريخ المتفق عليه.
 بالمقابل أعاد عمار حمداني وهو كاتب وصحفي جزائري إحياء أعمال مارسيل عام 1985، وجدت في بادئ الأمر رسائل رسمية أغلبها لم ينشر قط لقناصلة كانوا في الجزائر عام 1830، وهم قناصلة بريطانيا العظمى وهولندا وسردينيا والسويد، وكذا قناصلة فرنسا في سواحل البحر المتوسط ووثائق الحجر الصحي الذي تم في نفس الموانئ، قائلا: «حين كنت أعمل في أرشيف مملكة سردينيا بنيس اكتشفت شيئا فشيئا آثارا للذهب المهرب، وهكذا تمكنت ولأول مرة من سرد قصة السفينتين الشراعيتين الروسيتين المحملتين بالذهب اللتين وصلتا إلى فيلفرانش».
وأضاف أنه حين تم الاستيلاء على كنوز الذهب والفضة ونهب المخازن المليئة بكل ما هو ثمين وكذا المؤسسات الدينية ومنازل الخواص، وابتزاز الأتراك وفي الوقت الذي كان فيه جزء من هذه الغنائم يعبر البحر نحو طولون وموانئ أخرى، على أساس أنها غنائم حرب رسمية، مشيرا إلى أن هذا الكنز الشهير غطى النفقات التي ترتبت عن عملية الغزو، أي ما يقارب 48 مليون فرنك من الذهب والفضة في حين وصل كنز الإيالة إلى 250 مليون فرنك على أقل تقدير، أي أنه تم اختلاس 200 مليون على الأقل وهو ما يساوي 10 ملايير فرنك في عام 2001.
ويروي المحقق الصحفي أنه، في 12 جويلية 1830 كتب القائد العام الأمير دوبولينياك رسالة مخصصة كليا للكنز يقول فيها أن فيرينو ودو نييه وتولوزي أكدوا له أنه يحتوي على أقل تقدير على 80 مليون من النقد الذهبي والفضي، مشيرا إلى انه يجب الإضافة إلى الكنز في حد ذاته قيم المؤن والبضائع المختلفة التي تملكها الإيالة والتي يقدرها  بـ 20 مليون.
وفي 14 جويلية قام الجنود بتحميل 206 كيس من الكتان الرمادي مملوءة بالفضة، و57 سبيكة خام من الفضة بوزن إجمالي يساوي 4673 كغ من الفضة وسبيكة من الذهب وزنها 44 كغ، و20 صندوقا يبلغ وزن الواحد 120 كغ، و22 صندوقا يبلغ وزن الواحد 60 كغ و6 براميل يحوي كل واحد منهم على 2000 كوادروبل اسباني أو برتغالي.
 وبحسب الوثائق الأرشيفية فقد قدرت قيمة الكل 13 مليون و218598 فرنك، حيث كلف أوغوست سول وهو أحد ضباط الخزينة الملكية بمرافقة هذا الجزء الأول الظاهر من الكنز إلى طولون وتسليمه إلى ممثل وزارة المالية.
وفي 17 جويلية تم تحميل ما يقدر بقيمة 11 مليون و550 ألف فرنك ذهبي، وفي 18 جويلية كتب البارون دو نييه إلى ولي العهد أخبره انه أرسل 24 مليون إلى فرنسا محملة على سفن الملك، وحملت سفينة السيبيون في 22 جويلية من الذهب والفضة ما قيمته 5 ملايين و100720 فرنك، وفي 27 جويلية استلم سفينة النيستور ما قيمته 10 ملايين و240000 فرنك قادمة من خزينة الجزائر، وفي 7 أوت ما قيمته 3 ملايين و289600 فرنك تم حجزها من خلال خزينة الإيالة، إضافة إلى صندوقين من الأواني الفضية وصندوقا يحتوي على 23،950 كغ من الذهب و930، 4 كغ من الفضة.
كانت لجنة المالية في الجزائر تواصل اجتماعاتها بانتظام إلى غاية يوم 10 أوت حين بلغ مسامعها خبر ثورة جويلية فتوقفت عمليات الحساب ذلك اليوم : «مجمل الأموال والقيم التي وجدت في خزينة إيالة الجزائر تقدر بمبلغ 48 مليون و684 ألف و527 فرنك، ويبلغ إجمالي الأموال المرسلة إلى فرنسا على خمس دفعات متتالية 43 مليون و398 ألف و918 فرنك.، بحسب ما أكده الصحفي بيار.  
صرح بعض موظفي لجنة المالية بأن الكنز يحتوي على 70 مليون فرنك، إلا أن الضباط الفرنسيين يؤكدون على أن قيمة الكنز أربعة أضعاف هذا المبلغ، وأكد الخزناجي آخر أمين للخزينة بأن الفرنسيين قد وجدوا ما يفوق 500 مليون، بل وأكثر من ذلك بكثير، وفي 18 أوت 1836، استلم جان باتيست فلاندان رسالة من النقيب بيرصا الملحق السابق في قيادة جيش حملة الجزائر، تؤكد مرة أخرى قناعاته قائلا:
«بما أني كنت حاضرا عند الاستيلاء على الجزائر، وبالخصوص على تلك القصبة الشهيرة، أصرّح لكم وأؤكد بأنني لم أر شيئا أكثر إخلالا بالشرف، ولا نهبا مشينا أكثر من ذلك الذي تم فيها خلال ثمانية أيام كاملة.
تمت عمليتا نهب، الأولى للذهب والفضة والمجوهرات، إلى غير ذلك بقيمة تصل إلى 100 مليون على الأقل، حيث أنه لم يدخل إلى الخزينة على ما اعتقد سوى ما بين 40 إلى 50 مليون، أما الثانية والتي لم يسمح بها سوى لتغطية وحجب الأولى فقد خصت الألبسة والأثاث إلى غير ذلك.
لن اذكر أي اسم من أسماء ناهبي القصبة، ولكنني أعرفهم وأعدهم بحمايتي في حالة ما تمكنا من تكوين حكومة مصلحة. كما أني أصرح بأنني شهدت خروج ما لا يقل عن 60 صندوقا مليئا بالذهب من القصبة، وكان يحملها جنود من الكتيبة السادسة لمشاة الخط، ولم تنقل هذه الصناديق عن طريق البحر، بل أخذت الإتجاه المعاكس، إذ رأيت نفس الجنود يأخذون طريق حصن الإمبراطور، لقد تحدثت مع هؤلاء الجنود الذين أخبروني بأن كل تلك الصناديق كانت مملوءة ذهبا».
ويضيف المؤلف أن فلاندان لم يلفت انتباهه بأن هذه الشهادة تتوافق مع شهادة الضابط باجيس الذي كان قد سمع ضباط صف من نفس الكتيبة، يتحدثون عن سريتين تم تكليفهما في ليلة ما بين 5و6 جويلية 1830 بنقل صناديق ذهب من داخل القصبة إلى خارج المدينة، وختم النقيب بيرصا قائلا: «إن كانت هذه المعلومة مفيدة للخزينة الوطنية فاستعملوها، كما يطيب لكم، ولكن ثقوا بي إن قلت أن الوقت لم يحن بعد لفعل ذلك، فعليكم بالصبر «.
ويشير بيار في تحقيقه إلى أن عملية الاستيلاء على قسنطينة كانت أكثر عنفا من تلك التي واجهتها الجزائر، ونتجت عنها نفس عمليات النهب، ففي 1846 أراد  فلاندان نشر كتيبا بعنوان مذكرة حول الاستيلاء على كنوز إيالة الجزائر، يلخص فيه تحقيقه في تلك القضية، وهذا لابتزاز الحكومة الفرنسية، لكن هذه الأخيرة لم تصغ إليه.
 وتحدث المؤلف عن لويس غابريال ميشو، الكاتب الموثوق الوحيد الذي كتب بإسهاب عن عمليات نهب كنز الجزائر، قبل أن يقوم بذلك مارسيل ايمريت وعمار حمداني، كان لميشو مسارا متنوعا قاده إلى المشاركة في أوائل حملات الثورة، وذلك برتبة ملازم ثم برتبة نقيب ليتحول بعدها إلى صاحب مطبعة في باريس، ليناضل بشدة إلى جانب أخيه من أجل عودة الملكية، مما أدى لاعتقاله.
وبحسب بيار بيان فإنه فضلا عن الذهب والفضة النقدية التي كان من الصعب حسابها كاملة في البداية، والتي كان تقديرها من الوهلة الأولى بـ 250 مليون وتم إيجاد في خزينة الداي الخاصة ما قيمته 100 مليون من الماس وأشياء ثمينة أخرى، كما اكتشف في المدينة كنز بقيمة 30 مليون الذي أرسله داي قسنطينة كي يضعه في مكان آمن.  

حوالي 43 مليون فرنك دخلت صناديق الخزينة الملكية وأدرجت في ميزانية فرنسا

ويؤكد مؤلف كتاب «سطو على مدينة الجزائر» أن تقدير مجمل عمليات النهب أمر صعب، ولكن الأرقام التي قدمها سان جون في برقياته إلى وزارة الخارجية، والتي تتراوح بين 500 و750 مليون،  لا تبدو له غير معقولة، فالزيادة اليومية في تقديرات القنصل البريطاني تبررها عمليات النهب التي تمت تواكبا مع توغل الجيش الفرنسي.
وأضاف أنه  للتأكد من أن الرقم الذي قدمه سان جون (ما بين 500 و750 مليون) يكفي القيام بتقدير إجمالي لمختلف مكونات كنوز الجزائر، ويجب الإضافة إلى الكنز ألماس وحلي قدرها بيار دوفال القنصل السابق لفرنسا بالجزائر في عام 1828 بقيمة 107 ملايين فرنك.
علاوة على وثائق استفادة من الربع بقيمة تتراوح ما بين 8 و10 ملايين لفائدة انجلترا سلمها الداي حسين باشا إلى الجنرال دوبورمون، الثروات الخاصة لداي الجزائر وبأي قسنطينة التي تعد بالملايين، حجز على 273 بيت بمحتوياتها، عمليات النهب التي تمت في الأيام الثمانية الأولى من دخول الجيش الغازي إلى القصبة والتي يستحيل تقديرها، 1500 مدفع وأطنان من البارود تقدر بقيمة 5 ملايين، المواد الغذائية وغيرها من المنتوجات المختلفة التي تم اكتشافها في مخازن الإيالة والتي تقدر على الأقل بحوالي 20 مليون.
منتوج الذهب والفضة الذي تم العثور عليه في دار السك (70 رطلا من الذهب و10 قناطير من الفضة نهبها الجنود)، أي ما يقارب 200 ألف فرنك، ابتزاز الأتراك إذ يروي سان جون أن الفرنسيين اشترطوا فدية على 500 تركي بمبلغ 10 ملايين.
وتؤكد شهادات كثيرة أن كل الأتراك أغنياء كانوا أو فقراء، تركوا كل ممتلكاتهم مقابل عقود أو أوراق لا قيمة لها، وكانت الممتلكات تقدر بعشرات الملايين بل وحتى تفوق 100 مليون، لاشك أن الحصيلة تتجاوز 500 مليون، فلم يبالغ سان جون إذن في برقياته إذ سرق الفرنسيون في الأسابيع الأولى من الغزو ما يتجاوز 500 مليون فرنك (أي ما يساوي تقريبا 4 مليارات أورو)، قال المحقق الصحفي.
من استفاد من هذه الأموال؟ يقول بيان أن الدولة الفرنسية أخذت جزءا لا يستهان به من هذه الأموال، وتقول الرواية الرسمية أن ما يقارب 43 مليون فرنك دخلت صناديق الخزينة الملكية وأدرجت في ميزانية فرنسا، كما تم تخصيص ما يقارب 5 ملايين لجيش الغزو لتلبية حاجياته، ووصلت بواخر جزائرية ومدافع وذخيرة إلى أحواض ميناء طولون، و يشير أرشيف وزارة الحرب إلى عملية بيع بالمزاد لمواد غذائية وبضائع سلبت من مخازن الإيالة، ولكنها لم تحتفظ بأثر لوجهة حصيلة البيع.
كان المنتفعون من الجزء الأكبر لكنز الإيالة وعمليات النهب التي تمت في القصبة والمدينة وضواحي الجزائر، أفراد الجيش وموظفو وزارة المالية ومصرفيين وتجار ومغامرون بل وحتى ملك الفرنسيين، كانت دار سيليير وممثلها في الجزائر أدولف شنيديرة من بين المستفيدين الكبار من عملية الاستيلاء على كنوز القصبة، ومن المحتمل كذلك أن فرانسوا اليكساندر سيليير وادولف شنيدير ساهما في تبييض هذا المال عبر النظام البنكي الأوروبي، الشيء الذي يكون قد منحهما دور الحكم ما بين السلطة القديمة والجديدة.
 وقد خوّلت لهما مكانتهما وعلاقاتهما بشراء البضائع والمواد المختلفة التي تم نهبها من المخازن، وأيضا كسب أملاك الأتراك الذين اضطروا لمغادرة الإيالة وهذا كله بأسعار مناسبة جدا، لقد كان كاف لتزدهر أعمالهما من جديد وليتربعا على عرش صناعة الحديد والصلب في فرنسا.
ويختم المؤلف تحقيقه بأن رئيس لجنة التحقيق دولور راسل وزير الحربية جيرار في 8 أكتوبر 1830 قائلا :»في كل عمليات السرقات تلك، كان السيد سيرميه المقتصد العسكري المساعد، الشخص الوحيد المعروف لدرجة إثارة الشبهات، وقد رحل قبل أن نتمكن من الإستماع إلى دفاعه، كما أن دو نييه ترك الجيش حاملا معه في أمتعته سهوا، لاشك في ذلك بعض القطع منها ما كانت ثمينة».