طباعة هذه الصفحة

جثامين متفحّمة في طولكرم..

المجرم ذاتـه.. والـطـائـرات ذاتها..

بقلم : بهاء رحال

هذه المرة ليست في غزّة، بل في طولكرم التي شهدت بالأمس عمليتي اغتيال نفّذتها قوات الاحتلال، وارتقى على ‏إثرها تسعة شهداء، الأولى في ساعات الصباح الباكر حين قصفت مركبة كان يستقلّها الشبان، ‏فاحترقت وتفحّمت أجسادهم، ولم يستطع أحد من الأقارب التعرّف على من كان في المركبة من ‏شدّة النيران التي أتت على الأجساد في مشهد يدمي القلب ويوجع الروح، ثم أتبعها بساعات قليلة ‏عملية استهداف أُخرى ارتقى على إثر العمليتين تسعة شهداء، في أوج الصباح، وقد غطت سحابة ‏الحزن قلوبنا لمشاهد الأجساد المحترقة والمتفحّمة.


شهداء احترقت أجسادهم بفعل القصف، واحتاج الأمر ساعات حتى تمكّن ذووهم من الاستدلال عليهم ‏من خلال بعض ما كان بحوزتهم، وليس من خلال ملامحهم وتقاسيم وجوههم التي غابت، فقد ‏احترقت الوجوه والأجساد تفحّمت، وعلى الفور خرجت الادّعاءات بأنّ الاحتلال تصدى لهم أثناء ‏توجّههم لتنفيذ عملية، وتباهى بهذه العملية المجرمة التي حدثت بحقّ شبان في عمر الورد، لم ‏تتجاوز أعمارهم مطلع العقد الثاني، فأودت بحياتهم وارتقوا شهداء على يد جنود الاحتلال.‏
بين غزّة وطولكرم مشاهد الموت والقصف والاغتيال واحدة، فالعدو واحد، والاحتلال يواصل ‏حربه في قطاع غزّة كما يواصلها في الضفة الفلسطينية والقدس، في ظلّ انحياز أمريكا المتواصل ‏والدعم الدولي المريب، وهذا ما يدفع حكومة ‏الحرب لمواصلة عملياتها الإجرامية، ومواصلة قتلها المنظم كما في كلّ المشاهد والصور التي ‏نراها.‏ مشاهد الأجساد المتفحّمة في طولكرم تُعبر عن نوايا الاحتلال بتوسيع رقعة الإبادة الجماعية ‏لشعبنا الفلسطيني، وليس هناك ما هو أوضح من ذلك، فهذا التصعيد الدموي ينبئ بما يخطّط له ‏الاحتلال، وبما تريده حكومة نتنياهو، وبما تمارسه على الأرض من قتل وقصف وقضم وضم ‏وتهويد وبناء مستوطنات وحصار اقتصادي وتقطيع أوصال المدن عن بعضها، وتضييق سبل ‏العيش، وفرض واقع مستحيل يحقّق غايات الاحتلال وسياساته العنصرية المتطرفة، ووسط هذا ‏يقول الفلسطيني “أتراها ضاقت علينا وحدنا؟!”، ويظلّ يبحث عن صوت العدالة الغائب رغبة في ‏النجاة والحياة بكرامة وحرية واستقلال‎.‎
التصعيد المترافق مع حرب الإبادة في غزّة، بدأ منذ اليوم الأول للحرب، فلم تسلم قرية أو مدينة ‏أو مخيم، بل إنّ الاعتداءات متواصلة كلّ يوم، ليل نهار، وهي تترافق مع عمليات الاستيطان ‏والنهب وسرقة الأرض، وهذا كلّه يأتي ضمن سياسة معروفة يسعى لتنفيذها الاحتلال في الضفة ‏وغزّة والقدس، فهم يريدون طمس الهوية والوجود الفلسطيني، والسيطرة على الرواية والتاريخ، وبسط ‏النفوذ التام من خلال سياسات عنصرية في مقدمتها دفع المستوطنين للسيطرة على الأرض، سواء أ‏كانت جماعات رعوية أم زراعية، وقتل أكبر عدد من الفلسطينيين واعتقالهم، سعيًا للتهجير الذي ‏يصطدم بعنفوان البقاء الفلسطيني، الرافض لكلّ أساليب التهجير، المصرّ على البقاء فوق أرضه ‏ووطنه، المؤمن بحقّه الطبيعي والتاريخي.‏ تصعيد في طولكرم وآخر في نابلس، وتطهير عرقي في غزّة يجري منذ عشرة أشهر، ‏واستعلاء وصل الاعتداء على الشيخ الجليل، خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، ‏بالتحقيق وفرض إجراءات قمعية بحقّه، كما يقومون بفرض إجراءاتهم القمعية على كلّ ‏المقدسيين، بالتنكيل والضرب ومنعهم من الوصول إلى المسجد الأقصى وبالاعتقال والتعذيب، ‏وغيرها من وسائل وأساليب الهدف منها تضييق الخناق على أهلنا في القدس.‏ القدس وغزّة والضفة وحدة جغرافية واحدة، أراد أن يفهم نتنياهو وحكومته، أم لم يريدوا، فلن ‏يغيروا في ديموغرافيا الوجود مهما ابتدعوا من وسائل، وعلى العالم أن يصحُوَ من غفلته، وأن ‏يعمل على تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. فلا شيء ‏أقلّ يمكن أن يوقف هذا الصراع، ولن تحقّق سياسات فرض الأمر الواقع شيئًا، فالحق لا يسقط ‏والشعوب تنتصر حتمًا.‏
التصعيد المترافق مع حرب الإبادة في غزّة بدأ منذ اليوم الأول للحرب، فلم تسلم قرية أو مدينة ‏أو مخيم، بل إنّ الاعتداءات متواصلة كل يوم، ليل نهار، وهي تترافق مع عمليات الاستيطان ‏والنهب وسرقة الأرض.