طباعة هذه الصفحة

تنام على آثار تروي حضارة عريقة

عنابة.. عروس الشرق الجزائري

عبد القادر حمداوي

 تشتهر بجمال طبيعتها وآثارها التي تعود إلى قرون خلت.. تمتاز بثروة تراثية كبيرة جعلها واحدة من أعرق مدن الوطن الحبيب، ..كل زائر ينبهر من جمال المنطقة ورونقها، فالروافد المتفرقة تؤدي إلى البحر. تتميز بالخصوبة وتعد من اغنى المناطق الزراعية بسهلها، وترتفع بها الكثافة السكانية.
وإذا تجولت عبر ازقتها التي تنام على وقع الاثار التاريخية كل واحد منه يروي حكايته. انها عنابة التي ترصدها «مدن وتاريخ» في هذه الوقفة من استطلاعات «الشعب».

 
عنابة تأسست على يد الفينيقيين في 12 قبل الميلاد و عرفت باسم هيبو ، كما أعطت للخليج الذي تقع عليه اسم هيبو نينسيس سينوس وتحالف هيبو مع قرطاجة لقربها منها وكانت عنابة مقر الملوك النوميديين. أطلق الرمان عليها ريجيوس ويعني الملكي، تعرضت عنابة لحصار الوندال بعدما سقطت بيدهم عام 431 م بقيادة جنسريق فدمرت المدينة بسبب احتلالها من قبل الوندال.
في تلك الفترة مات القديس اوغسطس ونجا مكتبه من الدمار الذي لحق بالمدينة،احتل البيزنطيون المدينة عام 533 م عبثوا بها كما فعل الاحتلال الروماني والوندال.

نضال عبر الزمن
جاء الفنيقيون إلى عنابة ووضعوا أعلامهم أكثر من ذلك عنابة أرض أمنة وغنية تتوسد التاريخ من عمقها أو في أسفلها او حتى من أعاليها، مدينة تاريخية متميزة بمآثر التاريخ .
تقع عنابة شرق الجزائر ثالث مدينة من حيث الأهمية، يحق لها أن تتباهى بماضيها المجيد تكثر فيها المباني الفتية الرائعة بطبيعتها الخلابة فقد تضافرت جهود الطبيعة الحسناء، كانت ارفع مكانة في الجمال والكمال .
اطلق عليها الفينيقيون اسم هيبو نيسا احتل الرومان المدينة بعد هزيمتهم لقرطاج خلال حرب بيو نيلك الثانية غيروا أسمها إلى هيبو بجيوس وكانت مركزا للمسيحية الأولى.
البيزنطيون الذين استعمروا البلاد أكثر من قرن كانوا خلاله مع السكان في صراع عنيف لم تهدأ عاصفة طيلة هذه المدة.
جاءت الفتوحات الإسلامية و فتحت سنة 697 م شهدت المنطقة تراجعا رهيبا إلى درجة أنها تغيبت عن كتابة التاريخ متسلسل خلال الفترة الإسلامية وفي الحكم التركي كانت تحت حكم الداي.
نظمت فيها نشاطات تجارية لفرض نفوذها على سكان المناطق .
كان الجندي العربي يمتاز بإيمان وعقيدة ولأن الواحد منهم حين يتقدم للمعركة لا يفكر في النكوص والشيء الذي كان ينشده الموت أو الاستشهاد .ولقد استاء الجزائريون من معاملة موسى ابن نصير من خليفة الوليد وكان الخليفة نسي أو تناسى ما قام به هذا القائد من معجزات حتى استوى المسلمون بفضل السدود التي كانت تعترض طرقهم وزحفوا على أعداء الإسلام و المسلمين بحيث كان زحفهم في بلد الأسبان.
تعد الجزائر بموقعها الممتاز على البحر الأبيض المتوسط من أهم مدن الساحل وأسست في عهدها مدن أخرى كعنابة وبجاية وجيجيل وتنس وشرشال الحضارة الرومانية عمت شواطئ الجزائر بصفة قاسية.
قابلها السكان بمقاومة شديدة لأن الرومان لم يكادوا يوطدون أقدامهم في هذه المنطقة حتى كشفوا عن نواياهم السيئة وعزمهم على استعمار بلادهم والتحكم الجائر في أهلها وممتلكاتها .

زمن الفتوحات
العرب انشاوا بسرعة حضارة جديدة كثيرة ظهرت افعالها وتمكنوا لحسن سياستهم من جعل أمم كثيرة على انتحال دينهم ولغتهم و ثقافتهم، واستقبل العرب الفاتحين الذين كانوا يأملون العدل منهم وعرفوا كيف يجعلون حسن السياسة رائدا لهم بهذه الروح العالية فتح عقبة بن نافع شمال إفريقيا، لم تمكن هذه المياه في البحر الأبيض المتوسط حلوا من المغامرين المسلمين لقد فتحوا الاندلس واضطربت العلاقات البحرية والتجارية المنظمة بين دول المغرب واوروبا.
سقطت القسطنطينية في يد الأتراك عام  1453 واشتد ساعد البحرية التركية في البحر الأبيض كان سقوط غرناطة اخر القواعد الاندلسية في يد الاسبان عام 1492 اضطهاد الأسبان لبقايا الأمة الأندلسية المغلوبة ونزول الأندلسيين بعد الغارات اتجهوا إلى بعض القواعد الساحلية مثل وهران، الجزائر، بجاية وعنابة ووهب الكثيرون منهم حياتهم للجهاد في سبيل الله.
وفي هذا الوقت بالذات بدأ العثمانيون يفرضون ارادتهم على المملكة البيزنطية ووجهوا نظرتهم لإفريقيا وفكروا بدورهم في المغرب العربي واستولوا عليه.
وقد قضى على مطمع الأسبان الذين تزعموا الحركة الصليبية، قام الأخوين خير الدين و عروج بمجابهة الأسبان، تمكن عروج وأخوه من أن يجمعا عددا كبيرا من المراكب وأن يبحرا من جيجل قاصدين الجزائر وعند نزول الأسبان قرب الجزائر حاصر عروج الأسبان ولم يبق بالمراكب من بحر سواهما. وعسكر جنوده بالقرب وتم الاستيلاء على المراكب كلها. لقد أساء الاتراك من حيث لا يشعرون أساءوا للجزائريين، كانت نكبة العثمانيين كبيرة مهدت للتآمر وتمكن الاتراك من طمس معالم تاريخنا و سنحت الفرصة للفرنسيين ان يحتلوا ارضنا.

مسجد بومروان هندسة معمارية اندلسية
 في عنابة مسجد سمي على الوالي الصالح ابو مروان الذي نزل بعنابة عام 1087 وتوفي بها سنة 1111 م ومن المؤكد ان هذا المسجد بني خلال هذه  الفترة، وكان المسجد في الفترة الزيرية وأن بعض ملامح المعمارية متطابقة مع مسجد القيروان بتونس مع وجود قبة البهو كالتي توجد في جامع الزيتونة، وبعض المعطيات التي ظهرت في تأسيس وبناء مسجد ابي مروان كان في العهد الزيري، يمتاز مسجد سيد مروان بنمط قائم على الأعمدة التي كانت مستديرة، يقع هذا المسجد في قلب مدينة عنابة كقصر القصبة وثكناته ومنازله القديمة.
سارع الاستعمار بتدخلاته التي قامت بها الإدارة الفرنسية بتحويله الى المرافق وصمد امام كل العواصف والنزوات وواصل رسالته الدينية والتربوية بشكل مشرف بلا هوادة.
وقامت فرنسا بالتنافس الصليبي بهجوم على الجزائر وتبعته حملة مؤلفة من 100 سفينة تمكنت من الاستيلاء على بعض المدن الساحلية واستعصت عليهم بقية المدن التي كانت بعيدة عن الساحل.
اعترضت هذه الحملة الاستعمارية بمقاومة شديدة بحيث لم يتمكن الاستعمار الفرنسي من احتلال الجزائر إلا بعد سنة 1937 م، كما أن المناطق الغربية نفسها لم يتمكنوا من اخضاعها إلى بعد زمن طويل.
هجرت معها اعداد كبيرة من المستوطنين الفرنسيين ما يقارب المليون وراحت فرنسا تصادر املاك الجزائريين ومنحها  للمهاجرين، وخاصة الأراضي الخصبة التي منحت للمعمرين وكانت التجارة والصناعة والمواد الأولية في خدمة الفرنسيين،  بينما حرم السكان من صناعاتهم المحلية، وفي ميدان التعليم حدث ولا حرج لقد انخفض عدد الطلاب وحصروا وظائف التعليم بالفرنسيين او من يحسن الفرنسية لمحو اللغة العربية لكن هيهات هيهات 132 سنة حاولت فرنسا أن تمحوها، ولكن الجزائريون كانوا ينادون الجزائر وطننا واللغة العربية لغتنا والاسلام ديننا.

آثار شاهدة على حضارات عريقة
وعنابة مدينة تاريخية يحتوي متحف المدينة على الكثير من الاثار وتماثيل لمختلف الحقبات التي مرت من هنا يبين الآثار وجه البلاد جمالا ساحرا أخاذا، فالمدينة مقصدا للزوار والسائحين وقبلة للرائحين يحجون اليها ليستمتعوا بحوادث العصور التي تستهوي القلب.
مثلا نجد في مدينة عنابة عدة أحياء قصديرية محاذية للمدينة أطلق عليها الاستعمار الفرنسي اسماء مختلفة لوادي سيبوس الذي لا يمكن للإنسان أن يسكن هذه الأحياء، فالفيضانات الجارفة تنظر اليها فرنسا لهذه الكوارث ولا تحرك ساكنا هذه صورة مبسطة تعكس سياسة فرنسا في الجزائر.
ظلت الجزائر تقاوم و استطاعت بثوراتها أن تكبد المستعمر الفرنسي خسائر فادحة في الأرواح والعتاد بالإيمان بالله والوطن.
بقي محافظا ومتمسكا بدينه وعاداته وتقاليده وشخصيته العربية الإسلامية، بقي الشعب الجزائري في هذه الفترة من التأمل يبحث عن الوسيلة الناجعة، كانت الانتفاضة 08 ماي 1945 منعرجا جديدا في تاريخ الجزائر، قام العدو الفرنسي بأعمال الانتقام والبطش بالطيران يقصف القرى، مما أدر إلى قتل الألاف من الجزائريين.


بن عودة وآخرون قادوا الثورة من هنا
ايمانا بالثورة  المسلحة التي عم لهيبها في كل مكان بأعضاء المنظمة الخاصة بدون تردد لأنهم متأكدين و مستعدين لخوض المعركة دون ادنى شك وهم : مصطفى بن بولعيد محمد بوضياف، العربي بن مهيدي، ديدوش مراد وغيرهم، تم عقد اجتماع للجنة المتكونة من اثنين وعشرين عضوا بتاريخ 17 جوان سنة 1954 م بالمرادية وكان اجتمعا تاريخيا كانت الخطوة الأولى في مسيرة الثورة.
شارك الشهيد ديدوش مراد [14 جويلية 1927م – 18 جانفي 1955م] في مظاهرات 1 ماي 1945 بالعاصمة، وانتخب في المنظمة الخاصة العسكرية ( لوص los ) في منتصف فيفري 1947م عضوا فيها ومسؤولا حضر اجتماع جماعة  22 بحي المدينة يوم 20 جوان 1954 الذين قرروا العمل لتفجير الثورة، عين في منطقة السمندو أو الشمال القسنطيني برئاسة مراد ديدوش وعند ما حل الموعد وحضر الفاتح من نوفمبر 1954 استعد ديدوش مراد للمهمة مع رفاقه.
في اول نوفمبر 45 شن ديدوش مراد ورفاقه هجوما على ثكنة السمندوا العسكرية وهجوما آخر في الحروش وتم خلالها الاستحواذ على قطعتي سلاح. لم يعش ديدوش مراد طويلا بعد اندلاع الثورة سرعان ما استشهد بعد شهرين.
استعد للانتقال من بني وليان الى دوائر الصوادق بمنطقة السمندو هو وجماعته صباح يوم 18 جانفي 1955 توقفوا عند وادي بوكركر، تم الوشاية بهم اسرع العدو بحصارهم واستمرت المعركة يوما كاملا الى غاية الخامسة والنصف مساء. استشهد خلالها ديدوش مراد وستة مجاهدين وعد استشهاده دفن في مقبرة السمندو وأخذ الناس يزورون قبره باستمرار خاصة في المناسبات والذكريات.
رأت فرنسا ان ذلك يمثل خطرا عليها لأنه يحي في الناس ويزكي روح المقامة والتضحية والاستشهاد فيهم فمنعت الناس من زيارة القبور .
 أما بن عودة مصطفى (سي عمار) عضو مجموعة الاثنين والعشرين، ولد بن عودة في عنابة يوم 27 سبتمير 1925 من عائلة مناضلة. انخرط منذ صغره في الكشافة الاسلامية وانظم في سنة 1943 الى حزب الشعب تأثر بحوادث 08 ماي 1945 أيما تأثر، آمن بحتمية العمل المسلح، اشرف في سنة 1947 على المنظمة السرية بعنابة وبعد اكتشاف المنظمة القي عليه القبض وسجن، نظم رفقة زيغود وآخرين عملية الفرار الشهيرة في افريل 1951 والتحق بالأوراس، أرسل إلى القبائل فتعرف على الكثير من المناضلين هناك شارك في اجتماع الاثنين والعشرين التاريخي وعاد إلى الشمال القسنطيني رفقة ديدوش مراد للإعداد للثورة، بذل جهودا جبارة من أجل انجاح انطلاقة الثورة وأشرف على منطقة عنابة وشارك في تنظيم عملية 20 أوت 1955 شرق قسنطينة، حضر مؤتمر الصومام وكلف خلاله بمهمة جلب الأسلحة من تونس المهمة التي اداها بنجاح رغم الصعوبات التي اعترضته.
ما يزال على قيد الحياة أطال لله في عمره.

خط موريس لم يُوقف المدّ الثوري
وقد قابلت الحكومة الفرنسية هذه الحوادث بتجهيز كامل قواها العسكرية واستنجدت فرنسا بفرق من المظليين وسلحت البوليس وشدت الحراسة في المدن والقرى حول الإدارات والجسور وغيرها.
ويقول الصحافي الفرنسي (شوفيل) في صحيفة لوفيغاروا الصادرة في 14 سبتمبر 1959 وقفت أمام ضابط مركز من مراكز القيادة و يريني خط موريس على الخريطة ويقول لقد اختارت جبهة التحرير الوطني ان تدور معركة الأمم المتحدة هذا العام في خط موريس.
ثم امتطيت طائرة عمودية أقلتني من عنابة إلى قرية لامي وهناك علمنا ان جيش التحرير قطع خط موريس في مكانين خلال الليلة الماضية وتركت الطائرة إلى السيارة التي ركبتها صحبة ضابط بدأ تعليقه بقوله هناك الحرب ففي هذه المنطقة لا يوجد مدني واحد، وفي الليل يتسرب جنود جيش التحرير من خلال الغابة ويخربون الخط.
نترك أركان هذا البناء يتكلم، سيحكي لنا الأخبار ما كان منها بعبد الملك بن مروان،احمد بن علي البوني هو الشيخ شرف الدين احمد بن علي بن يوسف البوني الأمازيغي المالكي ولد في مدينة بونة (عنابة) سنة 520 هـ وتوفي بالقاهرة سنة 622 هـ تفنن في عدة علوم واخذ عن جماعة منهم رحل إلى الأندلس، التقى بعلماء منهم ابو القاسم الصهبي وابن ستكوال والفقيه احمد بن جعفر، الخزرجي وله مؤلفات كثيرة منها: كتاب في الوعظ، شرح أسماء الله الحسنى، شمس المعارف.
كان هؤلاء من الأوائل الذين حملوا تاريخ أمتنا يزخر بكثير من العلماء والأبطال الذين كان لهم أثر كبير على المجتمع أجمع.
ظهر في أمتنا عظماء كان لهم حضور كبير تعلموا وعلموا وتركوا أشياء تدل على أنها خالدة خلود الزمان.