طباعة هذه الصفحة

المصلحة قاعدة أساسية في الصـــراع وتسوية الأزمة

فنيدس بن بلة

أعطى د. أحمد ميزاب، رئيس اللجنة الجزائرية الأفريقية للسلم والمصالحة، قراءته في الأزمة السورية التي تعرف تطورات متسارعة، خاصة بعد التدخل الروسي. وهو تدخل كشف عن حقيقة ثابتة، أن المصلحة باتت القاعدة الأساسية في العلاقات الدولية والمواجهة بين كبريات الدول وصراعها حول مناطق النفوذ.

«باتت المصلحة قاعدة ثابتة في الصراع الجيواستراتيجي الذي اشتد في هذه المرحلة بمنطقة الشرق الأوسط وشكلت سوريا محوره الأساسي، بسبب تداخل الأطراف وتعددها دوليا، إقليميا ومحليا، غايتها تقاسم النفوذ والمواقع في الخارطة السياسية المتغيرة”، هكذا قال د.أحمد ميزاب رئيس اللجنة الجزائرية الأفريقية للسلم والمصالحة من منبر ضيف «الشعب»، مشددا على أن التدخل الروسي في الصراع بسوريا تحركه المصلحة وليس الإيديولوجيا، غايتها ضرب الإرهاب الذي غذت قواه وتنظيماته العواصم الغربية باعتراف هيلاي كلينتون في كتابها الأخير، مؤكدة أن “داعش” صناعة مخبرية أمريكية.
عن خلفيات التدخل الروسي وما يحمله من تداعيات وأبعاد استراتيجية، قال د.ميزاب، إن هذه المسألة تدخل في الحسابات الجيوسياسية ضمن مشروع خارطة الشرق الأوسط. وهي خارطة لا تريد موسكو أن تبقى أسيرة النظرة الأمريكية ورؤيتها البعيدة، باعتبارها أكبر استفادة من انهيار جدار برلين وتلاشي الاتحاد السوفياتي وتزعم القطبية الأحادية بعدما كانت ثنائية توجه العلاقات الدولية وتدير الصراع خلال حقب متتالية، بدءاً من الحرب الباردة إلى الوفاق الدولي، مرورا بالتعايش السلمي والانفراج.
تدخل روسيا في سوريا يدرج ضمن حسابات بوتين الذي يسابق الزمن من أجل إعادة مكانة موسكو في المعادلة الدولية وإسماع صوتها وموقفها بعد فقدانها الكثير من المواقع والنفوذ في أكثر من جهة. وما جرى في أوكرانيا والقرم هو وجه هذا الصراع الدولي الجديد والمواجهة المفتوحة بين روسا والغرب. وامتداد هذا الصراع إلى سوريا، يعني رغبة موسكو في الدفاع عن قاعدتها المتقدمة بالشرق الأوسط في ظل انهيارات واضطرابات تعرفها المنطقة العربية، تحت تسميات عدة لكنها تتفق حول الهدف والمغزى: ضرب كل ما هو معادي للغرب ويهدد مصلحته ونفوذه ومن ثم تأمين مصلحة إسرائيل وتقديمها بمكر على أنها “ديمقراطية” في واحة من الديكتاتوريات بالشرق الأوسط الممتدة إلى أفغانستان.
تدخل روسيا في سوريا وتحديد الهدف بدقة، ضرب التنظيمات الارهابية في مقدمتها ما يعرف بـ “داعش”، أحدث هزة في الفكر الاستراتيجي الغربي بقيادة الولايات المتحدة وولد اختلالا باعتراف أهل الاختصاص ومتتبعي الشأن السوري والصراع الدائر رحاه في الشرق الأوسط وليس بالرقعة العربية الضيقة فقط. هو تدخل من أجل إعادة التوازن إلى المواجهة المفتوحة بإعادة الكفة إٍلى النظام السوري بقيادة الأسد ومسانديه من إيران والقوى اللبنانية التي ترى في أي اختلال يؤثر على المقاومة العربية ضد إسرائيل ويسقط المنطقة برمتها في السيطرة الغربية التي تتحمل مسؤولية كثير ما يجري من حراك عربي باسم الديمقراطية والتغيير وما أفرزه من تداعيات خطيرة على النظام الأمني العربي الهش المخترق طولا وعرضا ولا يملك مقومات الصمود والحماية.
لكن أين تكمن القوة الروسية وهل تتحمل تبعات التدخل العسكري اقتصاديا في ظل أزمة مالية عالمية وانهيارات بالجملة في منطقتي الأورو زون والدولار وهي أزمة ذات تأثير كبير على موسكو؟
بالنسبة إلى الخبير الأمني والمحلل السياسي ميزاب، فإن لروسيا أوراقا عدة توظفها في الصراع بسوريا، يعترف الغرب بجدواها وقوتها، بدليل ردود فعل العواصم الغربية المتطابقة بشأن تدخل موسو العسكري الذي فاجأ الجميع وأخلط الأوراق.
توظيف روسيا لأسلحة متطورة أثبتت فعاليتها في الحرب على “داعش”، يحمل في مضمونه تحذيرا إلى الغرب، بأنه لا يمكن أن يكون وحده في لعبة الصراع.
تحركت روسيا، التي اتخذت من المفاوضات الإيرانية قوة لها، من أجل إحداث فجوة في المنظومة الاستراتيجية الغربية بقيادة أمريكا. وقد نجحت من قبل في محاولة التأثير على الاتحاد الأوروبي وتغذية تناقضاته عبر بوابة اليونان.
نجحت روسيا في هذا المسعى ومهدت الأرضية لحوار متوازن مع القوى النقيضة لسوريا وجرّها إلى جولة من المفاوضات تأخذ في الاعتبار المعطى السوري الداخلي ومتغيراته دون إملاء الحلول وفق وصفات جاهزة، تنفيذا لأجندات طبّقت في عدة دول عربية تعرف اضطرابا.
وما جرى في فيينا من مفاوضات، بداية التحول والمعطى الثابت في المتغير لتسوية سياسية متوازنة تأخذ في الحسبان مصلحة روسيا اليوم وغدا.