طباعة هذه الصفحة

عجلت بالمفاوضات

جبهة أخرى للتمسك بالاستقلال

جمال أوكيلي

عند حلول ١١ ديسمر ١٩٦٠ كانت الثورة في سنتها السادسة وعلى وشك نيل الاستقلال، بعد أن ألحقت بقوات الاحتلال خسائر فادحة، أحبطت معنويات جنرالات الجيش الفرنسي، الذين شرعوا في تدوين تقارير ميدانية مفادها، استحالة القضاء على هؤلاء المجاهدين وما على «الساسة» إلا الذهاب إلى المفاوضات مع ممثلي «جبهة التحرير الوطني» وهو البديل الذي لا غنى عنه والوحيد بعد فشل الرهان على الأعمال العسكرية.

خلافا لما يدّعيه بعضٌ، فإن هذا التاريخ المرجعي في مسيرة كفاح هذا الشعب، جاء رسالة قوية من الجزائريين للاحتلال الاستيطاني بأنه مازال متماسكا وسائرا خلف قيادته الثورية، حتى تسترجع السيادة الوطني السليبة منذ ١٣٢ سنة، مهما كانت التضحيات.
وكان خروج الجزائريين في مظاهرات عارمة في نقاط عديدة من الوطن، للرد على كل الذين اعتقدوا بأن هذا الشعب «تعب» من الحرب... هذا غير صحيح ومردود على أصحابه، بدليل أن هذه الفترة عرفت معارك حاسمة أبلى فيها المجاهدون البلاء الحسن وردّوا الصاع الصاعين على هولاء في كامل جبال وصحاري الجزائر. مفنّدين تفنيدا قاطعا كل تلك الأقاويل الدعائية والتصريحات المغرضة، ناهيك عن أن في هذه السنة استشهد كبار القادة والضباط والمجاهدون وخيرة أبناء هذا الشعب الثائر.. ونحن على مشارف الحرية.
لابد من التأكيد في هذه الخلفية التاريخية، أن الجزائريين ثاروا ضد ديغول، الذي أراد أن يشوّه مطالب هذا الشعب بأنها مادية لا أقل ولا أكثر. في حين أن كل هذه التضحيات منذ ١٨٣٠ كانت من أجل طرد هذا المحتل والحصول على الاستقلال الوطني.
هذا هو الهدف الأول والأخير وليس هناك مطالب أخرى. أبدا ما عدا دحر هذا المحتل وجعله يجر أذيال الهزيمة على أرض الثوار، لا ينساها أبدا، وتبقى وصمة عار في جبينه كذلك وهذا ما حصل بالفعل..
لذلك، فإن ١١ ديسمبر ١٩٦٠ زاد من عنفوان الثورة وعجل باستقلال الجزائر، بدليل أن كلمة هذا الشعب كانت واحدة موحدة من خلال الشعارات المرفوعة والهتافات المسموعة في أحياء المدن الجزائرية، التي كانت مسرحا لهذا الرفض الشعبي للاحتلال.
خلال هذه الأثناء استفاق ديغول من سباته العميق، وتحت ضربات الثوار الجزائريين الموجعة والقاسية، إضطر الجلوس إلى طاولة المفاوضات، رغم محاولاته اليائسة للتأثير على الجو العام، من خلال وعوده الكاذبة تجاه الجزائريين والسعي لخلط الأوراق... كل ذلك باء بالفشل الذريع.
هكذا، كان هذا الموعد حاسما في الانتقال بالثورة إلى سقف أعلى في إنجاز أهدافها الوطنية، كما ورد ذلك في وثيقة أول نوفمبر، ألا وهو الاستقلال الوطني دون نقصان. وهكذا بدأت مرحلة تاريخية في مسار الثورة من خلال الشروع في المفاوضات تمهيدا لإعلان الاستقلال. وليكون ١١ ديسمبر ١٩٦٠ حلقة من الحلقات القوية من محطات الثورة الجزائرية، عزز كل ذلك الزخم النضالي الوطني باتجاه تحقيق الهدف الفاصل.. هذا ما كان يريده الجزائريون منذ أن انتفضوا ضد الاحتلال، مقدمين قوافل من الشهداء البررة.. لتعيش الجزائر حرة ومستقلة.