طباعة هذه الصفحة

عبد القادر ولد أحمد لـ «الشعب»:

المظاهرات أثبتت أن الجزائريين أمة واحدة متماسكة

حاوره: العيفة سمير

يؤرخ عبد القادر ولد أحمد، أستاذ التاريخ بجامعة محمد الشريف مساعدية، بسوق اهراس، لفترة حاسمة من تاريخ النضال التحرري للشعب الجزائري مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي وقفت في وجه الأطماع الفرنسية المنادية بأن تبقى الجزائر فرنسية وسياسة ديغول وأذنابه من المعمرين الذين لازالوا إلى يومنا هذا لا يخجلون من هذا الطرح السخيف.

فجاء الرد الموحد من الشعب الجزائري في مظاهرات عارمة، جابت ربوع البلاد وخارجها، ردّا صريحا على الأطماع الفرنسية ودحرا لفلول الاستعمار من اندماجيين ومعمّرين، مسجلا صفحات مضيئة في معنى التشبث بالأرض والتصدي للمستعمر الفرنسي ومخططاته الجهنمية، الأمر الذي نحن في أمسّ الحاجة إليه في الوقت الراهن، ضمن التهديدات التي مست العالم العربي في سيادته وترابه، الوطن اليوم أيضا لا تقل حاجته إلى أبنائه الخيرين في الحفاظ عليه وصيانته من الأيادي العابثة.
بالعودة إلى هذه المحطة التاريخية الهامة، كان لنا هذا الحوار مع أستاذ التاريخ عبد القادر ولد أحمد بجامعة محمد الشريف مساعدية.

 الشعب: ما هي خلفيات مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التاريخية؟
الأستاذ ولد أحمد: مظاهرات 11 ديسمبر 1960 تعتبر وقفة وطنية لشعب يريد تأكيد وجوده في ظل آلة استعمارية أتت على كل ما يبرز معالم الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية آنذاك؛ شعب رد بعد أزيد من 130 سنة استعمار إدماجي على أنه شعب جزائري مسلم عربي، لا هو فرنسي ولا هو خليط إثنولوجي، كما روّجت له وعملت عليه الإدارة الاستعمارية في محاولات يائسة وبائسة لتفكيكه وتفريقه.
فبعد وقائع مظاهرات 09 ديسمبر 1960 والتي جاءت مؤيدة لسياسات ديغول والتي تنادي بأن الجزائر جزائرية وفرنسا لها الوصاية عليها، جاءت بعدها مباشرة مظاهرات 10 ديسمبر 1960 المؤيدة لها من طرف المعمّرين وأذيالهم آنذاك بأن الجزائر فرنسية، ليزحف الشعب الجزائري بعدها في 11 ديسمبر 1960 بقيادة جبهة التحرير الوطني، كرد ميداني وعملي في ذات الظرف، الذي تزامن مع زيارة ديغول إلى عين تيموشنت، معبّرا عن وحدة الوطن والالتفاف حول الثورة، رافعا شعار الاستقلال التام ومناديا بالجزائر العربية المسلمة، مع رفض مختلف محاولات الإدماج البائسة والتي نادى بها الفرنسيون والمعمّرون وأتباعهم آنذاك.
يومها خرجت مختلف الشرائح الاجتماعية إلى الساحات العمومية على المستوى الوطني، عبر كل المدن، بكثافة شعبية منقطعة النظير، متماسكة ومجندة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال وجبهة التحرير الوطني. أول الحراك الشعبي في هذه المظاهرات جاب أهم شوارع العاصمة الشعبية من بلكور باتجاه باب الوادي، الحراش، بئر مراد رايس، القبة، بئر خادم، القصبة ووداي قريش إلخ... لتعم بعدها ولايات الوطن، وهران، الشلف، البليدة، قسنطينة وعنابة ودامت لأزيد من أسبوع، تأكيدا صارخا على أن هذا الشعب أمة واحدة متماسكة وردا جاء في وقته المناسب جدا على كل الأطماع الفرنسية.

 ما مدى تغييرها للسياسة الاستعمارية آنذاك تجاه الجزائريين؟
 بطبيعة الحال، يذهب العديد من المؤرخين إلى أن مظاهرات 11 ديسمبر 1960 هي واحدة من أهم الملاحم التي رسمها هذا الشعب في سبيل الوطن، هي تعبير عن إرادة واحدة جاءت في الوقت المناسب، لأنها تزامنت والأصوات المنادية بالاندماج والاستعمار. كذلك سجلت جبهة التحرير الوطني آنذاك، صفحات ناصعة في سبيل تأطير هذا الشعب وزيادة الوعي تجاه القضية الجزائرية، فكانت آخر مسمار في نعش السياسة الاستعمارية الاستيطانية.
بُعدٌ آخر حملته مظاهرات 11 ديسمبر 1960، وهو البعد العالمي الذي أعطى دفعا قويا للقضية الجزائرية عالميا، على أن هذا الشعب محتل، يسعى بكل ما أوتي من قوة لنيل استقلاله وهو الحق المشروع الذي سلب منه، فيجب على العالم أن ينظر إلى هذا الشعب المنتفض بعين العقل، والمضطهد بالآلة الاستعمارية التي تفنّنت في تعذيبه وتشريده والتنكيل به، وفي الأخير تريد أن تضعه على الهامش وهو على أرضه ووطنه.

 ماذا يمكن أن تحمله المحطة التاريخية؟
تجمل لنا هذه الذكرى العزيزة على قلوبنا دروسا وعبرا لا يمكن أن نتجاوزها هكذا. تحمل إلينا معاني الوحدة في أسمى صورها، تحمل إلينا كيف يمكن للشعب أن يتمسك بأرضه، مهما تعددت الأساليب والتهديدات والقوى المتربصة بنا.
نحن اليوم في حاجة ماسة أكثر من أيّ وقت مضى إلى هذه المحطات التاريخية التي تعيد ربطنا بوطننا، والتي تعيد إلينا فخرا بناه الأجداد في سبيل أن يحافظوا لنا على هذه الأرض الطيبة، بل قدموا الغالي والنفيس لكي نحيا اليوم في جزائر مستقلة تنعم بالاستقرار والأمن.
اليوم، نستذكر هذه المحطة أيضا لكي نعرف كم هي باهظة تكلفة هذا الوطن الذي نحيا فيه اليوم، ما يعمق المسؤولية أكبر تجاه الحفاظ عليه، بل نعمل بكل ما أوتينا من قوة لكي نعزز استقلالنا السياسي الذي أفتكه أجدادنا من المحتل الفرنسي، باستقلال اقتصادي واجتماعي ووحدة وتكاتف نحمي به بلادنا من كل أطماع أجنبية يمكن أن تتربص بها.