طباعة هذه الصفحة

»الشعب» تقف عند مسار التّشريعيات في الجزائر

الجزائريون يأملون في انتخابات في مستوى التطلّعات بعيدا عن التّزوير والتّهويل

حكيم بوغرارة

تستعد الجزائر لإجراء خامس انتخابات تشريعية يوم 04 مايو المقبل، تضاف لتلك الاستحقاقات التي جرت في سنوات 1997، 2002، 2007 و2012 دون احتساب تلك التي جرت في ديسمبر 1991 التي تم الغاؤها بسبب الظروف التي مرت بها البلاد في تلك الفترة، وكادت أن تؤدّي إلى سقوط الجمهورية.
تميّزت الانتخابات التشريعية في كل محطة بظروف خاصة عكست الوضعية التي كانت عليها البلاد، وكذا تطور الممارسة الديمقراطية ونضج الأحزاب في التعامل مع الاستحقاقات التشريعية لتشكيل سلطة تشريعية قوية في مستوى تطلعات الشعب الجزائري وجني ثمار الممارسة الديمقراطية والتعددية في البلاد.

بين تبادل حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي لريادة الترتيب وكسر حركة مجتمع السلم العرف في 1997 باحتلالها الصف الثاني أمام تراجع حزب جبهة التحرير الوطني الذي عاد بقوة منذ تشريعيات 2002.
العودة لمختلف الاستحقاقات التشريعية، يظهر أن الجدل والنقاش انتقل من حجز مقاعد بالبرلمان الى التخوف من العزوف والأوراق الملغاة التي بات حزبان قويان ينافسان مختلف الأحزاب في مشهد يعكس الصعوبات الكبيرة التي تتواجد عليها التشكيلات السياسية، خاصة مع كثرة الحركات التصحيحية وحركات التمرد الداخلية، ما جعلت المواطنين يعزفون عن الانتخابات في عدة مناسبات مع بروز الحديث عن الشكارة والمال الفاسد ودخول نسبة ضمان 04 بالمائة من الأصوات لتسجيل المشاركة في سياق الرقي بالتشريعيات.

تشريعيات 1997..
مشاركة قياسية من أجل إنقاذ الجزائر

بلغت نسبة المشاركة في تشريعيات 05 جوان 1997، حسب إعلان المجلس الدستوري ٦٠ . ٦٥ بالمائة، حيث بلغ عدد المصوتين ٩ . ١٠ مليون ناخب من أصل ٧ . ١٦ مليون ناخب.
من مميزات هذه الانتخابات التي عرفت مشاركة 39 حزبا و68 قائمة حرة، تسجيل 787 ألف صوت ملغى.
وأرجع المتتبّعون تلك المشاركة القوية إلى الظروف القاهرة التي كانت تمر بها الجزائر، وخاصة التهديد الارهابي الذي بدأ يتراجع بفضل مؤسسات الدولة التي رفضت الاستسلام، وكذا مختلف الخطوات الديمقراطية التي قامت بها الجزائر، وهي انتخاب السيد اليامين زروال على رأس الجمهورية في نوفمبر 1995، وكذا إدخال تعديلات على دستور البلاد الذي تضمن إبعاد الدين والثوابت الوطنية من الممارسة السياسية لتجنب العنف الاجتماعي وقطع الطريق أمام دعاة الفتنة والشقاق.  
أحدث التجمع الوطني الديمقراطي «الأرندي» آنذاك مفاجأة كبيرة بنيله الصف الأول بـ 155 مقعدا متبوعا بحركة مجتمع السلم «حمس» التي غيّرت تسميتها بعد التعديلات الدستورية التي فازت بـ 69 مقعدا، وسجل حزب جبهة التحرير الوطني «الأفلان» انهزاما تاريخيا بحصوله على الصف الثالث بـ 64 مقعدا.
من النتائج أيضا فوز حركة النهضة بالصف الرابع بـ 34 مقعدا وجبهة القوى الاشتراكية «الافافاس» بـ 19 مقعدا في الصف الخامس مناصفة مع حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية «الأرسيدي».
واحتل الأحرار المرتبة السابعة بـ 11 مقعدا، وافتك حزب العمال 04 مقاعد والحزب الجمهوري التقدمي 03 مقاعد والاتحاد من أجل الديمقراطية والحريات مقعدا والحزب الاجتماعي الليبرالي مقعدا واحدا.
كانت تشريعيات 1997 مهمة للجزائر سياسيا، حيث تخطّت الحصار السياسي والإعلامي الذي كان مفروضا عليها، وحضر الانتخابات مراقبون من كل أنحاء العالم، غطى أكثر من 300 صحفي أجنبي الاستحقاقات والإطلاع على حقيقة ما يجري في البلاد بعد أن كانت مختلف وسائل الاعلام الغربية والفرنسية تقدّم مغالطات وتزرع الشك لحشد الرأي العام العالمي ضد الجزائر.
     

انتخابات 2002 ..
الأفلان يسترجع أمجاده الضّائعة

تميّزت الانتخابات التشريعية لسنة 2002 بعودة حزب جبهة التحرير الوطني إلى الأغلبية بالمجلس الشعبي الوطني في مشهد جعل الجميع يتأكد من تجذر الحزب في المجتمع وقدرته على تجاوز المراحل الصعبة التي عرفها منذ تأسيسه في 1954.
شارك في تلك الاستحقاقات التي جرت في 30 مايو 23 حزبا و129 قائمة حرة وبلغت نسبة المشاركة ١٧ . ٤٦ %، حيث صوّت ٢ . ٨ مليون ناخب من أصل ٩ . ١٧  مليون ناخب مسجل، وامتنع عن التصويت ٦ . ٩ مليون وألغي 867 ألف صوت.
عرف عدد الأصوات الملغاة تطورا كبيرا بحوالي 10 بالمائة بالمقارنة مع انتخابات 2002، وهو الأمر الذي زادت حدته كثيرا وبات مصدر قلق للأوساط السياسية.  
وتحصل «الأفلان» على 199 مقعدا بجمعه ٦ . ٢ مليون صوت متبوعا بـ «الأرندي» الذي نال 47 مقعدا وبعدد أصوات بـ 610 آلاف.  
وأحدثت حركة الإصلاح الوطني مفاجأة كبيرة بحصولها على 43 مقعدا متقدمة على حركة مجتمع السلم، التي نالت 38 مقعدا بعد أن صوت لها 523 ألفا.
وتحصّل الأحرار على 30 مقعدا قبل الحزب العمال الذي جاء في الصف السادس بـ 21 مقعدا، وتحصلت الجبهة الوطنية الجزائرية على 08 مقاعد رغم فتوتها والنهضة وحزب التجديد الجزائري وحركة الوفاق الوطني على مقعد واحد لكل منها.
وتميّزت تلك الانتخابات بمقاطعة حزبي جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بسبب أحداث منطقة القبائل.

تشريعات 2007..
العزوف في أعلى مستوياته

عرفت ثالث انتخابات تشريعية في الجزائر يوم  17 مايو 2007 نسبة مشاركة ضعيفة بـ ٧٦ . ٣٥ في المائة، وهو ما جعل ظاهرة العزوف ترتفع للسطح مرة أخرى. وتساءل الجميع عن سر هذه الظاهرة الجديدة التي باتت تزاحم الأحزاب السياسية، وتميزت تلك الانتخابات بمشاركة 24 حزبا و102 قائمة حرة، وعرفت ارتفاع الهيئة الناخبة ببلوغها ٧ . ١٨ مليون مسجل.
وبالإضافة إلى الأصوات الملغاة التي بلغت 965 ألف، لم يدل سوى 6 . 6 مليون واجبه الانتخابي، وهي الاستحقاقات التي تصدّر فيها حزب جبهة التحرير الوطني الريادة بـ 136 مقعدا متبوعا بالتجمع الوطني الديمقراطي الذي نال 62 حزبا. وجاءت حركة مجتمع السلم في الصف الثالث بـ 51 مقعدا، ونال حزب العمال 26 مقعدا والتجمع من اجل الثقافة والديمقراطية 19 مقعدا، وارتفع تمثيل الجبهة الوطنية الجزائرية الى 15 مقعدا في ثاني مشاركة لها في الانتخابات التشريعية، وكان عدد الأحزاب الممثلة في الغرفة السفلى للبرلمان 22 حزبا، وساهم انخفاض نسبة التصويت في تمكّن الكثير من الأحزاب بأصوات منخفضة من حجز مكانة في المجلس.
ويظهر أنّ الحركات التصحيحية التي اندلعت على مستوى عديد الأحزاب وخاصة أزمة حزب جبهة التحرير الوطني 2004 / 2005 قد ألقت بظلالها على الساحة السياسية مع انتقال العدوى لحركة النهضة وغيرها من الأحزاب التي عاشت أوقاتا عسيرة، ومع التناول الاعلامي المكثف لتلك الأزمات وانتشار العنف في الخطاب السياسي، الأمر الذي جعل الهوة تزداد بين الأحزاب والشعب الجزائري الذي عاقب رداءة الساحة السياسية بالعزوف، وهو المصطلح الذي أطلقه وزير الداخلية السبق نورالدين يزيد زرهوني الذي كان يرفض الحديث عن المقاطعة.

تشريعيات 2012..
«حزب الأوراق» الملغاة
٧ . ١ مليون ناخب

ارتفعت نسبة المشاركة في تشريعيات 10 ماى 2012 الى ١٧ . ٤٣ بالمائة بالمقارنة مع انتخابات 2007 ولكن بقيت النسبة بعيدة عن التطلعات خاصة في ظل الظروف التي جرت فيها، حيث عرفت نزول أولى قوانين الاصلاحات التي شملت الاعلام والانتخابات والأحزاب السياسية وحالات التنافي معه العهدة البرلمانية التي سبقت الدستور الذي دخل حيز التنفيذ في بداية سنة 2016.
تشريعيات 2012 التي تزامنت مع ما يسمى بـ «الربيع العربي» وتدهور أوضاع الأمة العربية والإسلامية وامتدادا النشاط الارهابي، وبداية تدهور أسعار النفط وتعالي دعوات التقشف وترشيد النفقات.
ووصل عدد الناخبين المسجلين في القوائم الانتخابية حسب المجلس الدستوري الذي أعلن النتائج النهائية للانتخابات  الى ٦ . ٢١ مليون ناخب، فيما بلغ عدد المصوتين ٣ . ٩ مليون. أما الأصوات المعبر عنها ٦ . ٧ مليون، وكانت المفاجأة كبيرة في عدد الأوراق الملغاة ٧ . ١ مليون ورقة.
وتحصّل حزب جبهة التحرير على 221 مقعد أما التجمع الوطني الديمقراطي فتحصل على 70 مقعد وتحالف الجزائر الخضراء على 47 مقعدا وجبهة القوى الاشتراكية على 21 مقعدا تليها كتلة الاحرار، أما باقي المقاعد فقد تقاسمتها باقي التشكيلات السياسية.

انتخابات 04 مايو
2017 محطّة للتّنافس النّزيه

تسعى السلطات جاهدة لتنظيم انتخابات تشريعية نزيهة بعيدا عن أيّة تلاعبات من خلال دسترة الهيأة العليا لمراقبة الانتخابات، وفرض نسبة 04 بالمائة من الأصوات في كل ولاية من خلال جمع التوقيعات، وغيرها من الخطوات في سياق الاستجابة لطلبات الأحزاب للمشاركة في الانتخابات وضمان الانتقال لمرحلة جديدة من الممارسة الديمقراطية.
وبعيدا عن تحالفات التيار الاسلامي لجمع الشتات ومقارعة الأحزاب الوطنية والديمقراطية وعن التخوف من «الشكارة» والمال الفاسد وانحياز الاعلام والترويج للخطاب العنيف وغيرها من السلبيات، يبقى الأمل كبيرا في مشاهدة انتخابات في مستوى تطلعات الجزائريين الذين يأملون في مؤسسات قوية تمثيلية لهم بعيدا عن الجدل العقيم وصراع الديكة، وتصفية الحسابات والبهرجة الزائدة التي أضاعت الكثير من الوقت على الجزائريين، وفوّتت عليهم فرصا كثيرة لتجاوز المرحلة الانتقالية.