طباعة هذه الصفحة

تحـفيزات و تسهيـلات لدخــول هـذا المجـال

المؤسسات الناشئة ...مستقبل أيدي الشباب

عمار حميسي

دخلت الجزائر مرحلة جديدة بعد الانتخابات الرئاسية الماضية، حيث جسد الرئيس تبون وعوده من خلال البحث عن سبل جديدة للاستثمار خارج المحروقات ومنح الفرصة للشباب في بعض المجالات والاهتمام بالشركات الناشئة أو startup من خلال تأسيس وزارة متخصصة في هذا المجال يقودها وزير شاب لديه خبرة كبيرة في هذا المجال ويحمل على عاتقه تطوير هذا المجال من خلال تشجيع الشباب على دخول هذا المجال دون خوف أو رهبة من خلال تحفيزهم وتشجيعهم على بدء الخطوة الأولى.

المجال إلا أن الوقت لم يضع بعد وبإمكاننا تدارك ما ضاع منه خلال الفترة المقبلة التي ستعرف طفرة كبيرة في هذا المجال الاقتصادي المجهول لدى العديد من الشباب.

ماهي المؤسسات الناشئة أو startup ؟

ارتكب الكثير من الناس الأخطاء في تصنيف الشركات الصغيرة وقولبتها على أنها شركات ناشئة لكن ليس عن هذا النوع نتحدث حيث تتميز الشركات الناشئة بكونها شركات شابة يافعة وأمامها خياران إما التطور والتحول إلى شركات ناجحة  أو إغلاق أبوابها والخسارة، والشركات الناشئة هي شركة في المرحلة الأولى من بداية عملها التشغيلي وكثيرا ما يتم تمويل هذه الشركات في البداية من قبل مؤسسيها الرياديين في محاولة منهم للاستفادة من تطوير منتج أو خدمة يعتقدون أنها مطلوبة نظرا للإيرادات المحدودة أو التكاليف المرتفعة فإن معظم هذه العمليات صغيرة الحجم ليست مستديمة على المدى الطويل بدون تمويل إضافي من أصحاب رؤوس الأموال الجريئة.
وأضحت الشركات الناشئة من أهم الأسباب لتعزيز مداخيل الدول من السيولة النقدية بالنظر إلى المكاسب العديدة التي تحققها في وقت بسيط كما أنها غير مرتبطة بمصاريف كثيرة بحكم محدودية عدد عمالها الذين لا يتجاوز عددهم 30 كأقصى تقدير وهو ما يجعلها وسيلة مهمة للاستثمار.

دراسة السوق  سبيل النجاح

في أواخر التسعينات كان النوع الأكثر شيوعا من الشركات الناشئة هي شركات (الأنترنت) أو ما يسمى بـ (الدوت كوم)  كان من السهل للغاية الحصول على رأس مال استثماري خلال ذلك الوقت بسبب المنافسة الشرسة بين المستثمرين للتكهن بظهور هذه الأنواع الجديدة من الشركات ولسوء الحظ فإن معظم هذه الشركات الناشئة على الأنترنت قد تراجعت في نهاية المطاف بسبب ضعف عمليات الإشراف الرئيسية عليها من طرف العديد من المؤسسين الذين ضيعوا الكثير من الوقت و هو ما أثر على استمرارها لسنوات أخرى في هذا المجال. 
تحتاج الشركات الناشئة إلى النظر في البنية القانونية التي تناسب كيانها خاصة أن الملكية الفردية مناسبة عندما يكون المؤسس هو أيضا الموظف الرئيسي في تلك الشركة الناشئة ومختلف الصيغ في هذا المجال هي بنية قانونية قابلة للحياة للشركات التي تتكون من عدة أشخاص لديهم ملكية مشتركة وفي الغالب يكون من السهل إنشاء الشراكات بين الشركاء  ويمكن تخفيض المسؤولية الشخصية من خلال تسجيل شركة ناشئة كشركة ذات مسؤولية محدودة.
تحتاج الشركات الناشئة إلى استثمار بعض الوقت والمال في مرحلة البحث تساعد أبحاث السوق على تحديد الطلب على المنتج أو الخدمة يتطلب من الشركات الناشئة إيجاد خطة عمل شاملة تحدد بيان المهمة والرؤى والأهداف المستقبلية بالإضافة إلى استراتيجيات الإدارة والتسويق.
يجب على الشركات الناشئة أن تقرر ما إذا كانت أعمالها تتم عبر الأنترنت في مكتب أو مكتب منزلي أو متجر هذا يعتمد على المنتج أو الخدمة التي يتم تقديمها على سبيل المثال قد تحتاج إحدى الشركات الناشئة التكنولوجية التي تبيع أجهزة الواقع الافتراضي إلى متجر واقعي لإعطاء العملاء عرضا موجها لإبراز مميزات المنتج وإعطاء فرصة لتجربة المنتج مرة أخرى للتاكد من نجاعته.
يتيح التمويل الجماعي للأشخاص الذين يؤمنون بشركة ناشئة أن يساهموا بالمال عبر منصة تمويل جماعي وقد تجمع الشركات الناشئة في كثير من الأحيان الأموال عن طريق أصحاب رؤوس الأموال الجريئة وهم مجموعة من المستثمرين المحترفين الذين يتخصصون في تمويل الشركات الناشئة.
قد تستخدم الشركات الناشئة قرض أعمال صغير لبدء العمليات لدى البنوك ـ عادة العديد من الخيارات المتخصصة متاحة للشركات الصغيرة ـ والقرض الصغير هو منتج منخفض الفائدة قصير الأجل مصمم خصيصا للشركات الناشئة  وحتى تحصل عليه لابد أن تملك الشركات الناشئة غالبا خطة عمل مفصلة.

 تشجيع الشباب

اعتمدت الدولة الجزائرية العديد من الأساليب من أجل تشجيع الشباب على إنشاء الشركات الناشئة في مختلف المجالات من خلال تنظيم العديد من الملتقيات والمعارض في العديد من الولايات من أجل تقريب الشباب من هذا المجال وتشجيعهم على دخوله من خلال مرافقتهم بالعديد من التحفيزات والتسهيلات التي تسمح لهم بتحقيق نجاحات عديدة وهو ما سيزيد من إقبال الشباب على مجال إنشاء الشركات الناشئة.
وفي هذا المجال نظم مؤخرا ملتقى في أدرار حول الشركات الناشئة، حيث أكد مشاركون في ورشة تكوينية حول كيفية إنشاء مؤسسة ابتكارية ناشئة نظمت في إطار «منتدى أدرار 2020» للمؤسسات الناشئة أن المؤسسات الناشئة باتت تشكل رهانا حقيقيا للإقتصاد الحديث والرقمي.
وخلال هذا اللقاء التكويني الذي احتضنته المكتبة العمومية للمطالعة أعرب شباب مشاركون عن استفادتهم من التوجيهات التي قدمها المؤطرون حول كيفية إنجاح هذه المؤسسات التي تعد رهانا حقيقيا في نجاعة منظومة الإقتصاد الحديث والرقمي الذي تعتمد عليه اقتصاديات عديد البلدان في العالم.
وفي هذا الجانب، يرى الشاب حلاوة رضا أن التوجه نحو هذا المجال سيضع التنمية  في مسارها الصحيح حيث سيساعد في القضاء على الذهنيات السلبية والمحبطة لعزائم الشباب وأفكارهم الابتكارية.
كما يسمح ذلك أيضا بتصحيح الوجهة والمفهوم الحقيقي للمؤسسة الناشئة في تعاملها مع السوق من منظور عالمي باستغلال التكنولوجيات الحديثة التي ما تزال تستهلك من طرف الشباب في أمور هامشية رغم الإمكانيات المالية المعتبرة التي سخرتها لها الدولة نظرا لجدواها الفعالة في الإقتصاد الرقمي واقتصاد المعرفة.
ومن جهتها، أشارت الطالبة الجامعية جبايلي آسيا أن الورشة التكوينية مكنتها من اكتساب مهارات والتعرف على هيئات لم تكن على دراية بها من قبل سيما ما تعلق بكيفية تجسيد مشروع ابتكاري وأسلوب العمل ضمن فريق عمل.
وبدورها أوضحت الطالبة داداو فايزة أن هذا اللقاء أزال لديها اللبس عن الفرق بين المؤسسة الصغيرة في مفهومها الكلاسيكي المألوف والمؤسسة الناشئة التي تعتمد في نشاطها على أسلوب عمل ابتكاري يعتمد على إنضاج فكرة وتجسيدها في وقت قصير وبأقل جهد.
ومن جانبه أشار أستاذ التعليم الثانوي رحماني عبد الله أن اعتماد إستراتيجية المؤسسة الناشئة سيساعد الشباب حاملي الأفكار الإبتكارية على تجسيدها وإعطائها نجاعة ميدانية من خلال المرافقة.
وذكر في السياق ذاته أنه وقف على عينات عديدة من الطلبة حاملي أفكار ابتكارية واعدة والذين لم يتمكنوا من الاستمرار فيها لتجسيدها.
أما الشاب عبد الفتاح مبارك فقد ذكر أن الورشة ساهمت في توضيح مفهوم المؤسسة الناشئة والتي تتمثل في طريقة عملية سريعة لتفعيل فكرة وتقديم منتوج مربح بأقل جهد وتكلفة وتتجاوز الطريقة الكلاسيكية التي يتم العمل بها مع أجهزة التشغيل والتي تستنزف الوقت في غالب الأحيان.
وتضمنت هذه الورشة جانبا دراسيا نظريا وآخر تطبيقيا وتشمل إعداد البطاقات الأولية للمشاريع الإبتكارية وتحديد العملاء الأساسيين لهذه المشاريع ومعرفة احتياجات الجماعات المحلية بما يمكن المؤسسة الناشئة من تقديم حلول عملية ذكية للإحتياجات المحلية للهيئات والمتعاملين الإقتصاديين مثلما أوضح مؤطر الورشة مستشار التكوين عز الدين شيباني.
وتندرج هذه الورشة في إطار الاستراتيجية الجديدة التي انتهجتها السلطات العليا للبلاد بخصوص إنشاء هيئات خاصة لاحتضان ومرافقة وتمويل المؤسسات الناشئة مثلما جرى شرحه.
وتعبّر هذه الخطوة عن إرادة سياسية قوية في الاستجابة لتلبية احتياجات فئة الشباب في إشراكهم في بناء النسيج الإقتصادي الوطني وهو ما سيفتح الأبواب أمام الشباب عبر مختلف الولايات حتى يساهموا بحلولهم الذكية لمختلف احتياجات التنمية المحلية.
وشهدت فعاليات هذا المنتدى الذي نظم تحت إشراف الوكالة الوطنية لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الإبتكار بالتنسيق مع مصالح الولاية مشاركة أزيد من خمسين مؤسسة وهيئة بما فيها أجهزة الدعم والمرافقة.
وتضمن برنامج هذا اللقاء الذي توزعت أنشطته بين أروقة الفقارات للمعارض والمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية وسط مدينة أدرار تنظيم ورشتين تكوينيتين حول تصميم الإبتكار وكيفية إنشاء وتسيير مؤسسة مبتكرة على مستوى وحدة البحث في الطاقات المتجددة بالوسط الصحراوي ومعرض للمؤسسات الناشئة والمبتكرين بمشاركة ممثلي هيئات وأجهزة الدعم والمرافقة.

إجراءات عملية  للمرافقة الشباب


وكشفت الوزارة الأولى في فترة سابقة عن وضع جملة من الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز وتنويع مداخيل الاقتصاد الوطني وأعلنت عن تسهيلات لفائدة الشباب المستثمر من أصحاب الشركات الناشئة بما فيها تخصيص 3 آلاف محل تجاري لفائدتهم وصندوق وطني لدعمهم.
وكانت الحكومة تهدف من خلال هذه الإجراءات إلى البحث في مشاريع الشباب أصحاب الشركات الناشئة بحلول ذكية  وقررت الحكومة إنشاء ثلاث مناطق تكنولوجيا لفائدة الشباب أصحاب الشركات الناشئة، إنشاء صندوق وطني لدعم الشركات الناشئة ودراسة انضمام الجزائر «لسمارت افريكا» مطلع سنة 2020، كما تم إنشاء محافظة للطاقة المتجددة والفعالية الطاقوية يعتزم تنصيبها أواخر سبتمبر الجاري مع وضع تسهيلات تسمح لصغار المستثمرين بتسجيل الشركات الناشئة في السجل التجاري.
وتهدف الحكومة من خلال هذه الإجراءات وغيرها إلى حماية الاقتصاد الوطني وتنويعه خصوصا وأن قانون المالية 2020 يحمل مساعي تعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني وتحسين مناخ الأعمال وعقلنة النفقات العمومية والواردات من الخدمات والسلع تنويع وتوسيع مصادر تمويل الاقتصاد الوطني إلى جانب تحسين مداخيل الإيرادات العادية لميزانية الدولة عبر الرفع من أداء عمليات التحصيل الجبائي وتبسيط الإجراءات الجبائية والجمركية ومكافحة التهرب الضريبي كما شددت الدولة طبقا لما تضمنه قانون المالية الجديد على إعفاء المؤسسات الشبانية واستثمارات الشباب الحامل للمشاريع من الضرائب والرسوم المختلفة وإقرار تحفيزات لهم وتسهيل وصولهم إلى العقار لتوسعة مشاريعهم.