طباعة هذه الصفحة

«الشعـب» ترصـد نشاطهم عـبر مطـاعم الرحمة بالعاصمة

شباب يتسابقون نحو فعل الخير في صورة تعكـــس تماســك المجتمــع الجزائـــري

استطلاع عمـــــــار حميســي

تعــــزيز قيــم التـاخـي والتــآزر مــن خـــلال العديــد مــن المبـــادرات الخيريـــــــة

يصنع شهر رمضان الحدث كل سنة بمجرد قدومه من خلال صور التضامن والرحمة التي تظهر على المجتمع الجزائري ويجسدها في الميدان مجموعة من الشباب همهم الوحيد القيام بعمليات تطوعية في مطاعم الرحمة دون انتظار كلمة شكر وهو ما يعكس الرغبة الكبيرة في عمل الخير.

وقامت «الشعب» بالتجوّل في بعض مطاعم الرحمة لغرب العاصمة من أجل الوقوف على الامكانيات التي وفرها القائمون عليها للمحتاجين وعابري السبيل من أجل الافطار في ظروف جيدة رغم بعدهم عن العائلة.
لم يكن من الصعب العثور على مطاعم الرحمة في ظلّ انتشارها الكبير وقد أخذنا منطقة غرب العاصمة كمثال فقط بما أنها منتشرة عبر كل ربوع الوطن في كل القرى والمداشر والبلديات والولايات. البداية كانت ببلدية سطاوالي التي عرفت تواجد العديد من مطاعم الرحمة وزرنا بعضها والتقينا مع بعض الشباب المتطوّع الذي سخّر نفسه لخدمة الآخرين في هذا الشهر الفضيل وهو ما يعكس قيم التضامن الموجودة في المجتمع.
 وأكد محمد وهو عامل بالبلدية أنه يقوم بهذا العمل منذ سنوات حيث قال «العمل التطوعي أمر يستهويني منذ الصغر، حيث كنت دائما ما أساهم في بعض الحملات التطوعية لتنظيف الحي او المسجد والآن نحن متواجدون في مطعم الرحمة الذي يوفر وجبات الافطار للصائمين».
وتواصلت الرحلة الى مطاعم اخرى وكنا في كل مرة نواجه نفس النوعية مجموعة من الشباب المتحمس لفعل الخير دون مقابل، حيث لاحظنا تواجد مجموعة من النسوة اللائي تكفلن بتحضير وجبات الافطار للصائمين.
و من خلال ملاحظتنا لنوعية الوجبات لاحظنا انها لا تختلف عن تلك المحضرة في المنزل ومن هذا هناك مغزى حسب نفيسة التي قالت «حرصنا كبير على تحضير وجبات في المستوى لا تختلف عن تلك المحضرة في المنزل حتى لا يحس الصائم الذي يأتي إلى مطعم الرحمة للإفطار بالفرق رغم ان دفء المنزل طبعا يختلف».
ويحرص القائمون على مطاعم الرحمة بتوفير جو ملائم لراحة الصائمين، حيث قال يوسف في هذا الخصوص «لا تخلو يومياتنا من روح الدعابة فعملنا هو تطوعي لفعل الخير فقط لكن الروح موجودة بين كل الموجودين في مطعم الرحمة واستطيع ان أؤكد اننا صرنا عائلة واحدة والوقت يمر بسرعة كما اننا لا نحس بالتعب بسبب العمل في ظروف جيدة مليئة بالفكاهة والضحك وهو ما يضفي لمسة على المكان».

التقليل من حوادث المرور من خلال إفطار المسافرين

ولم يقتصر تواجد مطاعم الرحمة على المدن او القرى بل تعداه الى الطرق السريعة التي تمر على المدن والقرى، حيث يتكفل مجموعة من الشباب في كل بلدية بنصب خيمة من اجل افطار المسافرين.
ولا يسمح للمسافرين بمواصلة السفر الا بعد الافطار وتناول الوجبة المحضرة خاصة اذا كان المسافر امامه طريق طويل من اجل الوصول وبالتالي افطاره ضروري لضمان مواصلة السفر في ظروف جيدة.
وخلال تواجدنا بمنطقة بواسماعيل غرب العاصمة لاحظنا خيمة تم نصبها على الطريق السريع تقوم بمنح الوجبات الساخنة للمسافرين الذين يمرون يوميا على هذا الطريق، حيث قال محمد في هذا الأمر «هذه الخيمة قمنا بنصبها خلال اليوم الاول لشهر رمضان و هدفنا توفير الوجبات للمسافرين الذين يمرون يوميا ويتزامن مرورهم مع موعد الافطار، حيث نقوم باستقبالهم هنا ووفرنا اماكن للعائلات حتى لا يحس المفطر بالفرق ويفطر مع عائلته».
واكد محمد ان الهدف الأول هو تفادي حوادث المرور حيث قال «لا يخفى عليكم ان هناك العديد من الأشخاص من يقوم باستعمال السرعة حتى يصل في موعد آذان المغرب وهو ما يتسبب في العديد من حوادث المرور ومن جهتنا هدفنا الأول هو التقليل من هذه الحوادث من خلال حثّ المسافرين على تناول وجبة الافطار هنا ثم مواصلة السفر وهناك العديد منهم من تفاجا للظروف الجيدة التي وفرناها هنا ونوعية الوجبات التي لا تختلف عن تلك التي يتم تحضيرها في المنزل».

التطوّع.. مبادرة ذاتية لوجه الله

ويُعد التطوع مبادرة ذاتية من المتطوع لتقديم عمل خيري أو خدمة للآخرين بما لا يلزم به شرعًا لوجه الله تعالى دون مقابل للإسهام في نفع الآخرين سواء أكانوا أفرادًا أو مجتمعًا وهو من السلوكيات والقيم الإيجابية التي حثّ عليها الإسلام ونادى إليها قال الله تعالى: {فَمَنْ تَطَوعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} ذلك لما يترتب على العمل التطوعي من نفع الخلق وقضاء حوائجهم.
ورغم أن التطوع يُعدّ قيمة أصيلة في مجتمعاتنا الإسلامية وله من الآثار الإيجابية ما لا يحصى وهو ما يلاحظ في المجتمع الجزائري، مما أدى إلى زيادة الاعمال التطوعية كل سنة، خاصة في شهر رمضان الذي يعرف اقبالا كبيرا على اعمال الخير ..
لقد جعل الله عز وجل الإنفاق على السائل والمحروم من أخص صفات عباد الله المحسنين، فقال عنهم: {إنهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ الليْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أمْوَالِهِمْ حَق لِلسائِلِ وَالْمَحْرُومِ} الذاريات: 16-19. ووعد الله سبحانه بالإخلاف على مَن أنفق في سبيله، فقال: {وَمَا أنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرازِقِينَ}، سبأ: 39. ووعد بمضاعفة العطية للمُنفقين بأعظم مما أنفقوا أضعافًا كثيرة، فقال تعالى: {مَنْ ذَا الذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفُهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}، البقرة: 245.
وتتعدّد الأعمال التطوعية في هذا الشهر الفضيل  سواء تعلقت بالعمل الفردي أو الجماعي منها: التصدق على الفقراء والمساكين المساهمة في إعداد موائد الرحمن التي تنتشر خلال الشهر الفضيل لإفطار الصائمين، اتباع الجنائز، تنظيم زيارات للمَرضى ودور المسنين ودور الأيتام والتواصل معهم، تنظيف الأحياء من القاذورات المنتشرة في كل مكان.. وغير ذلك. قال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِر حَتى تُنْفِقُوا مِما تُحِبونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِن اللهَ بِهِ عَلِيمٌ}، آل عمران: 92. وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال: فمَن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال: فمَن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة». وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «وإن أحب الأعمال إلى الله سرور تُدخِله على مؤمن، تكشف عنه كربًا، أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تطرد عنه جوعًا» رواه البيهقي. وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة»، رواه الحاكم.

مجتمع مبني على قيم التضامن والتآخي

إن العمل التطوعي بدأ من خلال الجمعيات الخيرية في الجزائر لكن الأمور تطورت كثيرا من خلال الاقبال الكبير على العمل التطوعي من طرف شريحة الشباب وهو ما يؤكد ان المجتمع الجزائري مازال بخير.
 ويعرف عن الشباب الجزائري ولعهم الكبير بالعمل التطوعي رغم انه يكثر في شهر رمضان، لكن الأمور تكون كذلك خلال بعض الاحداث الكبرى كالكوارث الطبيعية التي تعرف تضامنا كبيرا من طرف الشباب.
ويبقى الأمر الأكيد ان لعب شريحة الشباب لدور ايجابي في المجتمع ينمي القيم الاخلاقية ويساهم في توحيد صفوفه امام الهزات التي قد تضربه من هنا او هناك وهو مقياس للتجانس الكبير الموجود داخل المجتمع.
ويبقى الأهم ان هذه الحملات التطوعية تجري خارج الاطر الرسمية، حيث تأتي بمحض ارادة المتطوعين الشباب وهو ما يجعلها تعكس حقيقة مشاعر الشباب تجاه المجتمع و التي تبقى ايجابية.