طباعة هذه الصفحة

المحافظة على الهُويَّة الإسلامية

الاعتزاز بالهوية يبعث على الفخر والثقة بالنفس

إن المحافظة على ما تمتلكه المجتمعات الإسلامية من سمات، وملامح مميزة خاصة بها دون غيرها من المجتمعات أمر في غاية الأهمية، لأن الاعتزاز بهذه الهوية يبعث على الفخر، والاعتزاز، والشموخ، والثقة بالنفس، والمجتمع الذي ليس له هوية يتمسك بها، ويتميز بها هو مجتمع ضعيف البنية، حيران، وتائه الرؤية، يترنح تارة نحو الشرق، وتارة نحو الغرب.
 ولقد ميز الله تعالى المجتمعات الإسلامية  بهوية فريدة في مصادرها، وأصولها وفروعها، وكل متعلقاتها، ومن عايشها، وفهمها، والتزم بها سعد في الدنيا والآخرة، ومن أهم ما يجب المحافظة عليه: العقيدة الإسلامية الصحيحة، والشعائر الإسلامية كلها، وفي مقدمتها أداء الصلوات في المساجد، والمحافظة على اللغة العربية؛ لغة القرآن الكريم، واللباس المحتشم بالنسبة للرجال، والنساء، وكل الأخلاق الإسلامية الفاضلة.
 ولأهمية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة كمصدرين أساسين للهوية ، فقد اعتنى الشارع الحكيم اعتناء كبيراً بالمحافظة عليهما، فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ الأنبياء 10 وقـال سبحانه وتعـالى: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ الزخرف: 43-44 وكلتا الآيتين الكريمتين تشيران إلى ضرورة التمسك بالقرآن الكريم، والسنة المطهرة لأن فيهما العزة، والرفعة، للإنسان المسلم، ولهذا فهما موضع الفخر، والاعتزاز بهما، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ المنافقون، 8
 ومن الأحاديث الشريفة التي تؤكد المحافظة على الهوية الإسلامية، ما جاء في التحذير من التشبه بالمشركين، ففي الحديث الشريف: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من تشبه بقوم فهو منهم «، وذلك لتبقى أمة الإسلام محافظة على هويتها مستقلة بذاتها، وهذا قمة التوجيه في الاعتناء بالهوية الإسلامية والاعتزاز بها حتى إن اليهود قالوا: « ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه «.
ولعلي أختم التوجيهات الشرعية بمقولة في غاية الشموخ، والرفعة للإنسان المسلم، وهي للفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: « إنا كنا أذلّ قوم فأعزنا الله بالإِسلام, فمهما نطلب العِزَ بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله «.
إن الناظر والمتأمل في أحوال الكثير من المجتمعات الإسلامية اليوم يرى تساهلاً في الحفاظ على الهوية الإسلامية في كل مجالاتها، ولعلك لو قمت بزيارة إلى بعض هذه المجتمعات في مساجدها، أو أسواقها، أو شوارعها، لأخذتك الدهشة، والاستغراب لما تراه من ضعف التمسك بالهوية الإسلامية، وقد تظن أحياناً أنك في مجتمع غير إسلامي لكثرة المؤثرات الغربية التي غزت مجتمعاتنا.
 وللأسف قد تفشى من منذ زمن في الكثير من المجتمعات الإسلامية، وعلى مستوى الرجال، والنساء، وخصوصاً الأطفال، والشباب، تقليد المجتمعات الغربية في لغاتهم، وفي ملابسهم، بل وفي كثير من أساليب، وطرق حياتهم المختلفة، وهذا أمر مؤلم لأن الاستمرار في قبول هذه المؤثرات، وعدم السعي إلى تغييرها، والاعتزاز بالهوية الإسلامية يجعل مجتمعاتنا قابعة في ظل التبعية، والتقليد، ثم الإحساس بالدونية، والغلبة، وهنا تنطبق علينا مقولة عالم الاجتماع المسلم عبد الرحمن بن خلدون - يرحمه الله -: بأن المغلوب مولع بتقليد الغالب.
 وأخشى أن الحال الذي وصل إليه المسلمون اليوم هو ما أخبر عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم، في الحديث الشريف عن أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم « قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال: « فمن؟ «.
 وهذا الإخبار الحق من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يعني الاستسلام، والانقياد لكل آت من الغرب، والشرق، ومخالف لتعليمات شريعتنا، بل الواجب الحق هو أن نعمل، ونجتهد كما عمل غيرنا من المجتمعات في المحافظة على هويتهم، ونعرف الأسباب الحقيقية وراء هذا التراجع، وهذا التقليد الأعمى لكل قادم من الخارج، ثم نتعاون جميعاً، ونرسم الخطط، ونوفر الإمكانات، وسوف تستقيم سلوكيات المسلمين إن شاء الله تعالى في المستقبل القريب، فترتفع راية أمتنا عالية خَفَّاقة بإذن الله تعالى.
 إن الواجب على المسلمين في كل مكان ليس المحافظة على الهوية الإسلامية فحسب، بل الواجب عليهم الدعوة إليها بالحكمة، والموعظة الحسنة، ونشرها في كافة أصقاع الدنيا لأنها مستمدة من ديننا القويم، وهو أشرف الأديان، وخاتمها، وإذا كان غيرنا من المجتمعات غير المسلمة يفتخر، ويعتز بهويته أيما اعتزاز، وهي هوية جلها ممسوخ من الأخلاق، والقيم الفاضلة، فنحن أحق بالافتخار، والاعتزاز بهويتنا، التي هي فعلاً متميزة لأنها معتمدة على أصول ربانية، وتتماشي مع الأخلاق، والقيم، والفضائل السامية، والفطر، والعقول السليمة