طباعة هذه الصفحة

عـوامل الـثــَّبات عـلى الطـاعـة بـعد رمـضـان

إنّ الــــواجب أن يحافظ عـــلى طـاعـة الـــلـه، في كـل وقــــت وحـين، في الــــشّهـور والأعـوام جـــمـــيـــعهـا

هكذا ودَّعنا شهر رمضان، شهر البِرِّ والإحسان، شهر المغفرة والعِتْق من النِّيران، وما إنْ يرحل هذا الشَّهر الكريم، إلاَّ وتجد ظاهرةً عجيبة، وهي التوقُّف عن القيام بالأعمال الصَّالحة، فتجد المساجدَ خاليةً من المُصَلِّين، إلا مِمَّن كان يَعْمُرها قبل شهر رمضان، وتجد أكثر المصاحف مغلقة، والكثيرُ مُعرضٌ عن الصدقة وإطعامِ الطعام؛ ولذلك جاءت هذه الكلمة التي تدعونا إلى الثَّبات على الطاعة، وبعض الوسائل المُعينة على الثبات فلماذا نثبت على الطاعة؟.
1 - لأنه لا نهاية للعمل إلاَّ بنهاية الأجل:
يقول الحسَنُ: «إنَّ الله لم يجعل لعمل المؤمن أجَلاً دون الموت»، ثم قرأ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} الحجر: 99، فالمؤمن لا ينقطع عن العمل إلاَّ بانقطاع الأجل، وقد سُئِل الإمام أحمد: متى يجد العبدُ طعم الراحة؟ قال: عند أول قدمٍ في الجنَّة.
2 - الثبات على الطاعة - ولا سِيَّما النوافل - سببٌ لمحبة الله:
يقول تعالى - كما في الحديث القدسي، الذي أخرجه البخاريُّ من حديث أبي هريرة -: «وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه»، فالمداومة على النَّوافل من العبادات سببٌ لمحبة الله للعبد.
3 - الثّبات على الطّاعة هو سُنَّة الحبيب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ففي صحيح مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا عمل عملاً أثبته، وفي الصَّحيحين من حديثها أيضًا أنَّها قالت: «ما كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَزِيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة».
4 - الثّبات على الطاعة سببٌ لِحُسن الخاتمة:
فإذا داومَ العبد على الطَّاعات، كان من أعظم الأسباب لتحقيق حُسْن الخاتمة، وقد جرَتْ سُنَّة الله في خلقه أنَّ من داوم على شيءٍ مات عليه، ومن مات على شيءٍ بُعِث عليه، وكما في الحديث الذي أخرجه مسلمٌ من حديث جابر - رضي الله عنه -: «يُبعث كلُّ عبد على مات عليه».
 الوسائل المعينة على الثبات على الطاعة:
1 - الاهتمام بإصلاح القلب:
فالقلبُ هو المَلِك، والجوارح هي الجُنود، فإذا صلح الملكُ صلحت الجوارح، وإذا فسد القلب فسدت الجوارح؛ يقول النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين من حديث النُّعمان: «ألاَ وإنَّ في الجسد مضغةً إذا صلحَتْ صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب»، وإصلاح القلب يتمُّ بشيئين: الأوَّل: عمارته بالأعمال الطيِّبة؛ كالشُّكر، والخوف من الله، ومحبَّة الله، والإخلاص...
الثاني: تنقية القلب من الأخلاق السيِّئة؛ كالرِّياء والحقد، والغلِّ والتعلُّق بغير الله...وغير ذلك.
2 - المداومة على الأعمال ولو كانت قليلة:
يقول النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في سنن النَّسائي من حديث عائشة وصححه الألبانيُّ: «وإن أحبَّ الأعمال إلى الله ما داوم عليه وإنْ قلَّ»، يقول الإمام ابن حجر: «فينبغي للمَرْء ألا يَزْهد في قليلٍ من الخير أَنْ يأتِيَه، ولا في قليلٍ من الشر أنْ يجتَنِبَه؛ فإنَّه لا يَعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا السيِّئة التي يَسْخط عليه بها.
3 - الدعاء:
الدعاء من أعظم أسباب الثَّبات على الطاعة، ولقد كان من أكثر دعاء النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك»؛ صحَّحه الألباني.
4 - الصّحبة الصّالحة:
يقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - «المرء على دين خليله، فلْيَنظر أحدُكم مَن يُخالل»؛ رواه أبو داود، وحسَّنه الألباني، فالصحبة الصالحة من أعظم العوامل المؤثِّرة في الثبات على الطَّاعة.
إنَّ رب الشهور واحد، إن رب رمضان هو رب شوال، وهو رب الشهور كلها، وكما أنه ينبغي أن يحافظ المرء على طاعته وعبادته في شهر رمضان، فإن الواجب على كل مسلم أن يحافظ على طاعة الله، ويجد في عبادته في كل وقت وحين، في الشهور كلها، وفي الأعوام جميعها إلى أن يتوفاه الله - تبارك وتعالى - وهو على حالة رضية وسيرة مرضية، وهذا هو معنى قول الله - تبارك وتعالى - في القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} فصلت: 30؛ أي: استقاموا على طاعة الله، وداوموا على عبادة الله، ومضوا في أبواب الخير إلى أن يتوفاهم الله، فهؤلاء هم أهل الربح والسعادة، والفوز والغنيمة في الدنيا والآخرة؛ ولهذا ذكر الله - تبارك وتعالى - لمن كانت هذه حالهم، وتلك مآلهم - ذكر لهم - تبارك وتعالى - أرباحًا عظيمة، ومغانم كبيرة في الدنيا والآخرة؛ قال الله - جلّ وعلا - {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} الأحقاف: 13، وقال - تعالى - {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} فصلت: 30 – 32.
كل ذلك - عباد الله - إنما يكون لمن آمن بالله - تبارك وتعالى - واستقام على طاعة الله إلى أن يتوفاه الله وعند الوفاة؛ كما أخبر الله - جلّ وعلا - تتنزّل الملائكة ملائكة الرحمة التي تحمل أعظم بشارة وأعظم تهنئة، ومبارِكَة بالخير، تتنزل على من كانت هذه حاله عند وفاته مبشِّرة له بالنهاية السعيدة، والحال الرشيدة التي يؤول إليها بعد الوفاة؛ {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا} فصلت: 3.