في رحيل الشيخ أبي عبد السلام

فــارس الاعتــدال.. تـــرجّل

أمينة جابالله

في موكب مهيب ودعت الجزائر، أول أمس، الشيخ أبوعبد السلام، واحد من شيوخها الأفاضل وأبرز دعاتها ومفتيها الأجلاء إلى مثواه الأخير بعد أن وافته المنية خلال رحلة علمية قادته إلى ولاية سطيف، تاركاً سيرة عطرة، وذكرى طيبة، وروحاً نقية، وميراثاً وعطاء من العلم والخلق الرفيع، ناهيك عن رحلته الطويلة التي تقاسمها مع أسماء كبيرة من شيوخنا الأفاضل في خدمة القرآن من خلال إشرافه ومشاركته في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأمازيغية.
إثر المصاب الجلل الذي ألم بالوطن بوفاة الشيخ جعفر أولفقي المعروف لدى المواطن الجزائري وفي الوسط الإعلامي باسم «أبو عبد السلام»، وفي خضمّ الفاجعة، رصدنا تصريحات لكل من الأستاذ أبوجميل عيسى بوخدوني العضو والمكلف بالإعلام لدى مجلس إقرأ بالعاصمة والإعلامية فتيحة بوروينة وأستاذة التعليم القرآني حنان طلاس، الذين قالوا في شخص الفقيد كلمة حق، آملين أن تكون بمثابة شهادة عرفان وتقدير لرجل خدم الدين باللغتين الوطنيتين وقدم العلم النافع بأسلوب بسيط وبابتسامة تنم عن روح طيبة لا يمكن نسيانها.
سيرة عالم
اسمه الكامل جعفر أولفقي المدعو بـ»أبو عبد السلام» كناية عن ابنه الأكبر، فالشيخ من مواليد قرية توريرث بلدية تمقرة دائرة أقبو ولاية بجاية في 02 /12 /1946م، قرأ القرآن في مسجد قريته، ثم توقف عن الدراسة بسبب الثورة المباركة، وبعدها استأنف الدراسة مع العمل، تحصل على الشهادة الابتدائية، ثم المتوسطة، ثم النجاح ودخول الجامعة مع مركز التحضير للدراسات العليا، تحصل على شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها سنة 1974م، ثم أكمل سنة رابعة استدراكا في سنة 1983م، وذلك للتسجيل في الدراسات ما بعد التدرج، تحصل على شهادة الماجستير في الفقه وأصوله بتقديم رسالة في بدايتها كانت «المصالح المرسلة وسد الذرائع في الفقه المالكي»، ثم وبإشارة من المشرف اقتصر على «سد الذرائع في الفقه المالكي»، كما له إعداد شهادة دكتوراه دولة بتحقيق ودراسة مخطوط التوضيح الذي هو شرح للشيخ خليل علي ابن الحاجب- جامع الأمهات- في الفقه وأصوله على المذهب المالكي.
المناصب التي تقلدها
تقلد الشيخ أبوعبد السلام رحمه الله عدة مناصب، أولها كان موظفا بالمجلس الوطني من 1962 إلى 1967، ثم معلما، ثم أستاذا في التعليم الثانوي من 1967 إلى 1984، وخلال 1984 إلى 1986م شغل منصب أستاذ باحث مساهم في تأليف الكتب المدرسية بالمعهد التربوي الوطني، ثم مفتشا للتعليم الثانوي والتكوين للعلوم الشرعية ويسمى أيضا مفتش التربية والتكوين من 1986-1994م، كما كان الفقيد مكلفا بالدراسات والتخليص، لينتقل بعدها في منصب مدير الإرشاد والشعائر، ثم مدير التوجيه الديني والتعليم القرآني، وأخيرا مدير التكوين وتحسين المستوى بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
إسهاماته
ساهم الشيخ في عملية تكوينية خاصة بالمفتشين سنة 1990، وأيضا في عملية تكوينية خاصة بالمفتشين بفرنسا سنة 1992م، حيث قام بالتدريس في جميع مراحل التعليم: الابتدائي-المتوسط- الثانوي. التفتيش الثانوي ومعاهد التكوين، إلى جانب إسهاماته على مستوى المركز الوطني لتكوين إطارات التربية (مركز التفتيش)، كما قام كأستاذ جامعي مؤقت -مشارك، في كلية أصول الدين الجزائر، وجامعة التكوين المتواصل في المواد: اللغة العربية- البلاغة- مقاصد الشريعة- أصول الفقه، كما ألقى محاضرات عدة في دور الشباب- في معاهد التكوين في الإقامات الجامعية، في التظاهرات العلمية مع المجلس الإسلامي، الأسبوع الوطني للقرآن الكريم.
نشاط مسجدي
عرف الشيخ بدروسه المسجدية المكثفة في اللغة العربية، التفسير، الحديث، الفقه، الخطب المنبرية، مقاصد الشريعة من 1971 إلى أن وافته المنية، له أزيد من 100 مساهمة في إصلاح ذات البين، ومثله في إبطال مشاريع الطلاق بالصلح والمصالحة بالحكمة والموعظة الحسنة.
بصمات إعلامية
في جعبته أزيد من 100 درس متلفز بالعربية، وأزيد من 400 ندوة جمعة- فتاوى- موضوعات متنوعة، وما يفوق 400 درس متلفز بالأمازيغية، كما عرف في العديد من الحصص إذاعية في الإذاعة الوطنية والمحلية، وأبرزها حصة فتاوى على المباشر بإذاعة القرآن الكريم كل يوم خميس صباحا إلى اليوم، إلى جانب إطلالته النيرة ومشاركته في حصة «فتاوى على الهواء» عبر القناة الأرضية للتفلزيون الجزائري، إضافة إلى مساهماته في حصص مختلفة عبر التلفزة والإذاعة، وللفقيد أزيد من 20 استجوابا صحفيا، أزيد من 10 استجوابات متعلقة بطلب الصحافة والإعلام عند إعداد مذكرة التخرج.
الفتاوى عبر الهاتف
رحل الفقيد وفي مسيرته أزيد من 100 فتوى ونصيحة يومية عبر الهاتف، سواء المباشر أو عبر الموزع، تاركا ما لا يحصى من رسائل للفتوى والاستشارة في مختلف المجالات، أزيد من 100 رسالة في الشهر.
مقالاته ومواضيعه
للشيخ أبو عبد السلام مقالات في الفتوى عبر مجلة العصر، جريدة الشعب، ورسالة الماجستير جاهزة للطبع، ومحاضرة طبعت في كتيب عنوانه: «الدعوة إلى الله».
^ قالوا عن الشيخ أبي عبد السلام
أبو جميل عيسى بوخدوني، عضو مجلس اقرأ: صمام أمان في زمن كورونا
الشيخ جعفر أولفقي أبوعبد السلام عالم فقيه مفسر وهو علَم من أعلام الأمة الجزائرية بقية السلف، ملمّ بالمذهب المالكي وإرث علم شيخه أحمد حماني، وتلميذ الشيخ طاهر آيت علجت، حفظ القرآن في سن مبكرة ففاق أقرانه في العلم والاجتهاد مفتي العصر وذاع صيته وعلمه عبر القنوات والصحف، خاصة أيام وباء كورونا كان صمام أمان الأمة وكانت فتاويه الفيصل في الفتاوى، عاصر كبار علماء الأمة، وتقلد عدة مناصب في قطاع الشؤون الدينية رفيعة فكان متواضع، سمحا، بشوشا، يحب الخير للناس لا يرد سائلا، يجيب عن التساؤلات والفتاوى المعاصرة وقد التقيت به عدة مرات بقناة القرآن، رأيت منه سمة العلماء وعلما غزيرا بالمذهب قل له نظير في المذهب المالكي في بلادنا، يجيب بعلم وحِلم، يستحضر النصوص الشرعية، حافظ متقن بارع في الاستدلال وكأنّ آحمد حماني رحمه الله بعث من جديد وكان مزاحا متواضعا له أكثر من 300 ساعة في حصته بقناة القرآن هلّى سألوا. فكانت فتاويه حجة ومقنعة لكل المواطنين، خدم القرآن وأهله وقطاع الشؤون الدينية تعليما وتهذيبا، كان يجوب الولايات يتفقد العلماء والزوايا والمدارس القرآنية ولا يبخل بالتوجيه والإرشاد.
لقد فقدت الأمة الجزائرية عالما كبيرا لا يشق له غبار، لقد ترك ثلمة وشرخا كبيرا بين أوساط علماء عصره. إنا لله وإنا إليه راجعون. إنها فاجعة كبرى بفقد علماء الأمة القلائل في عصرنا، رحمه الله برحمته الواسعة.
الإعلامية فتيحة بوروينة: أفتى بلسان يفهمه المتعلم والأمّي
أفتى بلسان عربي وأمازيغي يفهمه المتعلم والأمي.. ظل يستحضر أسماء علماء الجزائر في التفسير والفقه كمرجعيات.. خاطب الناس مبتسما دوما ولبس ثيابهم ونهل من موروثهم الثقافي إلى جانب الموروث الديني، كان فقيها جزائريا خالصا قلّ نظيره. رحم الله الشيخ الداعية الفقيه جعفر أولفقي المعروف أكثر باسم أبو عبد السلام، كان حقا سلاما يمشي بيننا وهكذا هو المسلم.
أستاذة التعليم القرآني حنان طلاس: فقيه مطّلع ومعلم نصوح
ماذا عساي أن أقول في فقيد الأمة الشيخ أبوعبد السلام، ولسان حالي عاجز عن التكلم في حق هذا الفقيه المطّلع والمعلم النصوح والمربي الصالح والمصلح الشديد التواضع والحِلم والحياء. لقد فقدت الجزائر صرحا شامخا من صروح العلم وعلَما من أعلام الشريعة الإسلامية وإماما من أئمة الهدى، سخر حياته لنشر تعاليم الدين الحنيف ولتنشئة أجيال من حفظة القرآن الكريم وطلبة العلوم الشرعية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024