طباعة هذه الصفحة

المسجد الكبير بالجزائر العاصمة

10 قرون من الإشعاع الروحي والحضاري

ليشاني

 

“بسم اللّه الرحمن الرحيم، صلى اللّه على سيدنا محمد لما تمم أمير المسلمين أبو تاشفين منار الجزائر يوم الأحد السابع عشر من ذي القعدة سنة 722 وكان تمامها في كمالها في غرة رجب عام 723 ناد المنار المذكور بلسان حاله: أي منار حاله الحسن كحالي أقام أمير المسلمين تفاحا كساني بها حسنا وتمم بنياني وقابلني بدر السماء، وقال لي عليك سلامي أيها القمر الثاني فلا منظر يسبي نفوسا كمنظري ألا فانظروا حسني وبهجة تيجاني فزاد نصر اللّه حول لوائه رفيقا له تال وجيشا له ثان.

تاريخ البناء
هذه العبارة كتبت على لوح من الرخام الأبيض وثبتت على حائط قرب مدخل منارة المسجد الكبير في الجزائر، ليقرأها الداخل إلى واحد من أقدم بيوت اللّه في العاصمة والعالم الإسلامي، وهو وقد بناه يوسف أبو تشافين، عام 1097 ميلادي وفق نموذج العمارة الدينية المرابطية ليكون وقتئذ أكبر مساجد الدولة، وبنيت مئذنته عام 1324 للميلاد. وبنيت المئذنة بحوالي 3 قرون بعد بناء الجامع، بفضل موقعها داخل المسجد إحدى الخصوصيات الملاحظة في مساجد بني عبد الواد الذين تأثروا بالموحدين الذين بنوا مآذن الكتبية والقصبة وإشبيلية.
وبني المسجد الكبير الذي ظل محافظا على الاسم منذ ذلك اليوم وحتى الآن، على شكل مستطيل غير مرتفع جدا ومغطى بسقف مزدوج من القرميد، وصمم ليتم الولوج إليه عن طريق صحن بواسطة رواق يؤدي إلى ثلاث مداخل في الواجهة الشمالية.
وتحيط بالصحن الممدد الشكل أروقة تعد امتدادا لبلاطات قاعة الصلاة التي تتشكل من إحدى عشرة بلاطة موازية لجدار القبلة ويتم الدخول إليها عبر أبواب جانبية، وفي وسط القاعة تتداخل الأقواس المفصصة المتعامدة مع المحراب بأخرى متجاوزة ومكسورة نسبيا في الاتجاه المعاكس، وترتكز كلها على أعمدة مستطيلة وأخرى صليبية الشكل استخدمها المرابطون التي طوروها في بلاد المغرب.
حيث استعملوا القوس المتعدد الفصوص الذي سبق للأندلسيين أن استعملوه في جامع قرطبة وأبدعوا في تنويعه. واستخدموا العقود المشكلة من خمسة أو تسعة أو أحد عشر فصا ليدرجوا ضمن أبنيتهم الدينية سلسلة حقيقية من العقود منحت لمساجدهم ومنها “المسجد الكبير” ضخامة الأعمدة وجمالية الأقواس المتجاوزة والمكسورة في بساطة وأناقة متناهيتين.
وحافظ المسجد على مكانته على مدار القرون العشرة الأخيرة منذ بنائه، فزيادة عن دوره العبادي وتدريس القرآن، خرَج العشرات من كبار علماء الجزائر وهو أيضا مركز للإفتاء لأنه ظل الجامع الرسمي لكل من حكم الجزائر منذ الدولة الزيرية الصنهاجية والمرابطين في القرن الـ11 للميلاد والموحدين في القرن 12 و13 للميلاد، ثم حكم الزيانيين إلى غاية القرن الـ16 الذي صادف دخول الأتراك إلى الجزائر، الذين جاءوا بالمذهب الحنفي، ومثلهم المورسكيين من سكان الأندلس الذين فروا إلى الجزائر بعد سقوط الأندلس، غير أن الجامع حافظ على دوره كمركز إشعاع للفقه المالكي على مدار القرون العشرة منذ بنائه.